مستشارك النفسى و الأسرى ( د. أحمد شلبى)

موقع للارشاد النفسى للمتميزين وذوي الإعاقة والعاديين

بدايةً أتقدم لكم بأطيب تحية وأرق سلام :  

ثم اسمحوا لي أن أتحدث معكم حول موضوع خطير وهام ؛ موضوع أصبح يشغل كل بيت وأصبح هو اهتمام العالم الآن

(فيرس كرونا ) ؛ كيف نتعامل معه صحيا ونفسيا وأسريا ، اجتماعيا ووجدانيا ومستقبليا؟

 

لقد لاحظت أن معظم البوستات الموجودة على شبكات التواصل تركز على تناول هذا الموضوع من الناحية الطبية

وهذا أمر ضروري وهام لتجاوز هذه الأزمة، وأنا هنا أضيف بعض النقاط -في الجوانب المشار إليها آنفا- أرجو أن نفيد منها جميعا ، وأبدأ بتلخيص أهم ما تم طرحه من الناحية الصحية كي تتم الفائدة ، وأسأل الله القادر أن يوفق كل الجهود المخلصة لكشف هذه الغمة ورفع هذا البلاء:

 

أولا ،: من الناحية الصحية لا بد من اتباع الآتي:

أ)- المكوث في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة : إذ أن هذا الفيرس ينتقل بالمخالطة ، وأرجو ألا يستهين بعض الناس وبخاصة الشباب بذلك -في البلدان التي ظهر فيها الفيرس- حتى تؤتي الجهود المبذولة والمشكورة ثمارها في محاسرة الفيرس ، وأنت حين تتصرف تصرف منفعل أو غير مسئول فأنت لا تضر نفسك فقط بل ستضر والديك-أخوتك-زوجتك-أولادك ... وأنت لا ترضى أن تكون سببا في ضرر وأذا أحب الناس إليك.

ب)- غسل اليد والوجه باستمرار بالماء والصابون :

- تجنب المصافحة باليد هذه الفترة أو استخدام جوانتي وتجنب الاقتراب من وجه من تتحدث معه.

- تطهير الأماكن والأدوات بالمطهرات التي نصح بها المتخصصون ورأوا فاعليتها في مقاومة ومحاصرة الفيرس.

- جعل لكل فرد من أفراد الأسرة أدواته الشخصية الخاصة به كالفوطة والمصلية ... الخ، واستخدام الأدوات التي تستعمل لمرة واحدة والمناديل الورقية ما أمكن.

- التطهير المتكرر للأماكن والأدوات التي تتكرر عليها الأيدي كتربزين سلم العمارة وأزرار المصعد ومقابض باب السيارة وبطاقات صرف العملة ... ونحوها.

ج)- تناول الأطعمة التي من شأنها تقوية مناعة الجسم بصفة عامة وتطهير منطقة الفم والحلق ، مثل العسل والشاي الأخضر والينسون والجنزابيل، والمشروبات الدافئة عموما بطريقة متكررة وعد ترك الحلق جافا ... الخ.

د)- الابتعاد عن مخالطة الأشخاص الذين يثبت وجود الفيرس عندهم أو تظهر عليهم أعراض حادة للكحة أو العطص أو الرشح والزكام ونحوها على سبيل الاحتياط ، وعدم التهاون في علاج هذه الأعراض عند ظهورها.

ه)- اعتزال الناس واستشارة الطبيب، والتوجه للمستشفى المختصة وإجراء التحاليل اللازمة في حالة الشك في وجود بعض أعراض الفيرس )لا قدر الله) . نسأل الله العافية لنا جميعا

 

ثانيا، ومن الناحية النفسية :

1-      ضرورة إجراء كشف حساب ومصارحة مع النفس.

2-       إصلاح الأخطاء التي وقعت فيها ، بل وتصحيح المسار إن لزم الأمر.

3-      تدعيم النقاط والعادات الإيجابية التي تقوم بها بالفعل .

 

4-      إنهاء الأمور المعلقة أو التي تسبب قلقا وأرقا للإنسان كبعض التعاملات المادية ، بعب الخصومات العائلية بعض الأوراق المطلوب إنجازها ...الخ.

5-      إجراء حوار مع النفس لاستيعاب وتقبل الوضع الراهن (فبعض الناس قد يشكو من الملل من المكث في المنزل أو انقطاع العمل أو الانعزال عن الناس أو عدم ممارسة بعض الأنشطة ...الخ) وهذه أمور مقدرة في الظروف العادية لكننا الآن في ظرف خاص ويمكن تعويضها بعد ذلك ، أما إذا أصيب الإنسان أو أحد من يحب بالفيرس (أو حدثت حالة وفاة لا قدر الله( فلا شك أنها خسارة كبيرة لذا فالإنسان يرتكب أخف الضررين لفترة مؤقتة ويمكن أن يشغل نفسه بأمور بديلة ، ولجوء بعض الدول لتعليق الدراسة وإلغاء السفر للخارج والتقليل من ساعات العمل وإعلان حظر التجول في الفترة المسائية أو عمل حظر شبه كامل ، كل ذلك ليس هزارا وإنما لخطورة الأمر وأهميته ، فلا بد أن ندرب أنفسنا على الصبر وتحمل المسئولية وإعطاء الموضوع ما يستحق من اهتمام.

6-      بل لا بد أن ندرب أنفسنا على سياسة النفس الطويل : فلا أحد يعلم في الحقيقة متى سينتهي هذا الألم –نرجو الله أن يكون قريبا- وتزاحمك وتزاحم الناس على شراء الأغذية والمواد التموينية والمستلزمات الطبية بغير حاجة سيسبب ضررا لك ولغيرك ؛ فأنت سترهق ميزانيتك فإذا استمر الأمر لفترة أخرى فقد يعجز الإنسان عن شراء الالتزامات المطلوبة له ولأسرته ، وفي نفس الوقت ستضر غيرك لأنك ستعجل بنفاذ السلع الغذائية والمستلزمات الطبية وغلاء أسعارها وهو ضرر للمحيطين بك ولاقتصاد بلدك أنت لا ترضاه وأرجو ألا تسهم فيه.

ونفس الأمر ينطبق على الطاقة النفسية عندك وسأضرب لك مثلا يقرب لك ذلك ؛ (فلو رتبت نفسك على أنك ستذهب في مشوار يستغرق منك السير لمدة كيلو متر مثلا، فإن جهازك النفسي والذهني يرتب نفسه على ذلك ويصنع من الطاقة النفسية ما يكفي لذلك فإذا وصلت إلى 900 متر يبدأ الجسم والذهن يحس باقتراب النهاية وتبدأ الطاقة النفسية في النفاذ ، أما إذا رتبت نفسك أنك ستسير 10 كيلو مترات فأنت حين تسير الكيلو متر كاملا فجسمك وذهنك لن يشعر بالرغبة في التوقف لأنه لا يزال أمامه مشوار طويل)  ، ونفس الأمر يحدث هنا فإذا رتبت نفسك على أن موضوع الفيرس أو المكوث في المنزل سينتهي بعد أسبوع أو أسبوعين فإن طاقتك النفسية ستوشك على الانتهاء مع اقتراب انتهاء هذه الفترة أما إذر رتبت نفسك وميزانيتك على فترة ليست بالقصيرة (أو على سياسة النفس الطويل) فلن تقلل من الطاقة النفسية بداخلك ولن تخرب ميزانيتك المادية ولن تضر غيرك ومجتمعك واقتصاد بلدك.

7-      لا تهوين ولا تهويل:

وإذا كنا نطلب من بعض الناس ومن الشباب بخاصة ألا يهون من الأمر وأن يعطيه ما يستحق من اهتمام، وأن يقوم بواجباته ومسئولياته ، وأن يسعى إلى تطبيق سبل الوقاية وأن يلتزم الحيطة والحذر ، فإنا نطلب من فريق آخر أن يكون استخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي وأجهزة الإعلام -حولهذا الموضوع- على قدر حاجته ، فلا يجري وراء كل ما يقال، ولا يكرر قراءة نفس الأخبار أو تداولها أو الحديث عنها فذلك يزيد من المخاوف والضغوط النفسية عند من يفعل ذلك دون فائدة عملية سوى الاضطراب والقلق وكما علمونا في الصحة النفسية فإن القلق بحر من الأوهام ولا يتحقق إلا قدر لا يذكر منه) والأوفق من ذلك أن تؤدي ما عليك –حتى لو بالغت في ذلك قليلا -وأن تسلم أمرك لله وتباشر حياتك على قدر المتاح لك.

 

كيف نفسك وفقا لظروفك الحالية ؛ حاول أن تبحث عن حلول ممكنة عملية لبعض المشكلات التي طرأت وعن مخارج أو بدائل جديدة أخرى (المرونة والتكيف هما الجسر الذي تستطيع به العبور فوق أي مشكلة أو أزمة) والمثل الإنجليزي يقول : )no proBlem without solve( ؛ أي لا مشكلة بغير حل ، وعلماء التنمية البشرية يخبروننا أن : (الفاشلون هم الذين إذا وقعوا في مشكلة ظلوا يفكرون فيها ولا يخرجون منها ، والناجحون هم الذين يخرجون من المشكلة ويفكرون في حلول لها ، وسوف نشير بعد قليل إلى طرف من الوسائل التي تساعدك على ذلك.

9-      تَلَمَسْ النقاط الإيجابية واستمتِع بما هو متاح:

مع الأسف الشديد أن الكثيرين من الناس لا يحسون بقيمة الميزات أو النعم التي هم فيها إلا بعد أن تفقد منهم ؛ فكم منا كان يريد أن ينظر إلى والديه أو أحدهما وأن يبرهما قدر ما يستطيع ولم يشعر بذلك إلا بعد أن رحلو أو اغتربوا عنه، والحكمة السائرة : (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يشعر بها إلى المرضى) وأنا أعتقد أنه ليس هناك شر مطلق في الحياة أو في الكون وإنما يحدث شر نسبي من سوء استخدام الإنسان لبعض الأشياء أو توظيفها في غير موضعها ولو فتش كل إنسان فينا في حياته لوجد نعما وميزات كثيرة رغم المحنة والابتلاء ، والمنحة والمحنة هي نفس الأحرف ونفس المادة اللغوية مع اختلاف في ترتيب أحرفها ، ولذا فعلينا في كل محنة وابتلاء أن نبحث عن مواطن الضوء وأن نركز على الميزات والنعم الأخرى الكثيرة التي نغرق فيها؛ فجلوسك في بيتك هادئا مطمئنا نعمة ، ونظرك في وجه والديك أو أحدهما برضا نعمة، ونظرك في وجه أولادك وزوجتك نعمة وطعامك وتمتعك بثوب العافية نعمة ... وغيرها كثير لكن علينا إعادة ترتيب الأحرف والأوراق ، علينا البحث عن بعض النقاط الإيجابية والتركيز عليها والاستمتاع بما هو متاح كي لا نتحسر عليه بعد أن ... وليس معنى ذلك مطلقا أن نتقاعص عن رفع البلاء والوباء.

10-   عش يومك وحاضرك في تصريف أمور حياتك: 

ولا تجعل دنيا الأوهام تنقلك إلى القلق على المستقبل ولا تكثر من التفكير فيه ، فليس من خصائصنا كبشر أن نعلم الغيب، والوحيد الذي يعلم الغيب هو الله، فادرس وابحث من الناحية العلمية وابذل ما استطعت في الناحية الواقعية والعملية وكن متفائلا وأحزن الظن بخالقك وخالق الكون، فالشاعر محمد إقبال يخبرك :

وفوق الكل رحمان رحيم                                            إلاه واحد رب السماء.

وشاعر عربي آخر يقول لك:

دع الأيام تفعل ما تشاء                                              وطب نفسا إذا حكم القضاء .

ولا تجزع لحادثة الليالي                                             فما لحوادث الدنيا بقاء.

 

ثالثا: وفي المجال الأسري :

فإني أقترح عليك عمل برنامج يومي لنفسك ، ولأسرتك ما أمكن، تراعي فيه الدعائم والجوانب الآتية:

1-      إنجاز الأمور الحياتية المطلوبة.

2-      أداء بعض الأمور التعبدية التي تحقق الاقتراب من الله تعالى والدعاء له ، والطمأنينة النفسية ، وذلك مثل:

أ)- المواظبة على أداء الصلاة ؛ فبالإضافة إلى ما تحققه الصلاة من طهارة معنوية وراحة نفسية ، فإن الوضوء يغسل الإنسان فيه وجهه وينظف فمه وأنفه ثلاث مرات في الوضوء الواحد ، فإذا فعل ذلك في الخمس صلاوات يكون قد غسل يده ووجهه وفمه وأنفه وكل الأجزاء المعرضة للملامسة الخارجية 15 مرة في اليوم الواحد.

ب)- المواظبة على أذكار المساء والصباح والقراءة أو الاستماع للقرآن الكريم الذي يخبرنا أن : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله  ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد ، 28).

3- ممارسة بعض أشكال الرياضة داخل المنزل كتمرينات السويدي ، أو اللعب على التريدميل أو عجلة الجري في المكان ...الخ.

4        تغذية الجانب الثقافي عند أفراد الأسرة ، وذلك عن طريق:  

*التدريب على عادة القراءة مثلا وتحبيب الأسرة فيها ، صحيح أن الأنترنت ملئ بالمعلومات لكنها أشبه بالوجبة الجاهزة السريعة لكن المعلومات الموثقة والمراجع لا تكون إلا في الكتب ، وبعض المواقع نفسها تنشر بعض الكتب الألكترونية ، وإن كان قراءة الكتاب الورقي –من وجهة نظري- أكثر متعة واكثر راحة للعين من الكتاب الألكتروني، وفي كلٍ خير المهم نقرأ .

* كذلك يمكن استثمار هوايات الأبناء وشغل أوقاتهم بالرسم والتلوين والميكانو والفك والتركيب وما شابهها.

5- - وفي الجانب العلمي: شرح ما استشكل على الأبناء من دروس أو مواد كنت تنوي شرحها وتفهيمها لهم لكن حال انشغالك في العمل دون أن تفعل ذلك ، وليس العبرة باجتياز الامتحان وإنما في تعلم العلم النافع وهضمه والتفوق فيه

6-      تنمية مهاراتك ومهارات الأبناء عن طريق أخذ دورات بواسطة الإنترنيت في مجال تخصصك أو في مجال الكمبيوتر أو التنمية البشرية ، وما شابه ذلك.

7-      مراجعة ما كنت قد حفظت من القرآن الكريم ، ومتابعة ما حفظ الأبناء.

8-      الاستمتاع بالجلوس هادئا ومع الأسرة.

9- إنجاز بعض الأمور وإصلاح بعض الأشياء التي كان عدم الفراغ لا يسمح لكبإنهاءها .

10- جانب الترويح والتسلية عن طريق مشاهدة بعض البرامج أو الدراما الهادفة وقراءة القصص أو الاستماع للإذاعة أو الكاست ونحو ذلك.

 ودعني أهمس في أذنك ممازحا ؛  ألا نكثر من المعجنات والمشهيات والمسليات كاللب والسوداني وغيرها من الأطعمة والأشربة التي تزيد من الوزن وبخاصة مع قلة الحركة : فليس معقولا أن يكون الناس منشغلين بالبحث عن وسائل للوقاية والعلاج من الكرونا ، وتكون أنت مشغولا بالبحث عن برامج للتخسيس أو إجراء عملية للنحافة... عافانا الله وإياك.

والآن : دعني أسألك: هل إذا نفذت هذه البنود أو بعضها خلال يومك أنت أو بعض أفراد أسرتك سيبقى عندك وقت للسئامة والملل؟ لا أعتقد.

مع خالص تحياتي ... وللحديث بقية.

 

mostsharkalnafsi

بقلم د. أحمد مصطفى شلبي [email protected]

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 424 مشاهدة
نشرت فى 1 إبريل 2020 بواسطة mostsharkalnafsi

ساحة النقاش

د.أحمد مصطفى شلبي

mostsharkalnafsi
• حصل علي الماجستير من قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس في مجال الإرشاد الأسري والنمو الإنساني ثم على دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص صحة نفسية في مجال الإرشاد و التوجيه النفسي و تعديل السلوك . • عمل محاضراً بكلية التربية النوعية و المعهد العالي للخدمة الاجتماعية . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

328,061