جائزة الفيزياء هذا العام تأخرت 40 عاماً
وفي الطب تقترب من لغز  السرطان

          كيف يمكنك النظر من نافذة سمكها 100 كم؟ كان هذا هو السؤال الأساسي الذي يواجهه تشارلز كاو Charles Kao في عام 1966. وبإجابته عن هذا السؤال، حصل على جائزة نوبل في علم الفيزياء لهذا العام بالمشاركة مع عالم آخر. تميزت النافذة بأنها سميكة وضيقة، فهي عبارة عن ليفة ضوئية. إن الجائزة التي حصل عليها د. كاو تعد بمنزلة اعتراف متأخر بإسهاماته في ثورة الاتصالات السلكية واللاسلكية خلال العقود القليلة الماضية. ولكن منحه هذه الجائزة أفضل من لا شيء على الإطلاق.

          تشارك العالمان ويلارد بويل وجورج سميث مع د. كاو في جائزة نوبل في الفيزياء. وقد حصلا على الجائزة في وقت متأخر أيضا نظير اختراعهما للجهاز المقترن بالشحنات charge-coupled device (CCD) في عام 1969، الأمر الذي مهَّد الطريق لظهور الكاميرا الرقمية. ذهبت جائزة الكيمياء إلى فينكاترامان راماكريشنان، وتوماس ستيتز، وأدا يوناث نظير اكتشافاتهم المتعلقة ببنية الريبوسومات، وهي أجزاء من الخلايا الحية تقوم بتحويل المعلومات الوراثية إلى بروتينات. وتم منح جائزة نوبل في مجال الطب والفسيولوجيا إلى إليزابيث بلاكبيرن وكارول جريدر وجاك زوستاك لاكتشافاتهم المتعلقة بالتيلوميرات، وهي أغطية حمض DNA تعمل على إيقاف أطراف الكروموسومات سواء تلك المنحلة أو الملتصقة ببعضها البعض.

 

نوبل الفيزياء

          ونعود للفيزياء حيث كان د. كاو يعمل في مختبرات الاتصالات السلكية واللاسلكية القياسية، وهي منشأة أمريكية أُقيمت في بريطانيا إبان توصله إلى اكتشافاته. شهدت فترة الستينيات اهتماماً باستخدام الألياف الضوئية لحمل المكالمات الهاتفية، ولكن الألياف التي كانت متاحة وقتها اتسمت بكونها غير شفافة. وعمل د. كاو ومساعدوه على سمات ساعدت على امتصاص الضوء وتشتيته في هذه الألياف «وكانت أكبر مشكلة لديهم هي مسارات الحديد». وأدت إنجازاتهم في هذا الصدد إلى تطوير ألياف فائقة الشفافية مصنوعة من السيليكا الملتحمة. وخلال أيام معدودة بعدها ظهرت الكابلات النحاسية.

          عمل كل من د. بويل ود. سميث في مختبرات بيل «Bell Lab» في نيو جيرسي. واكتشف العالمان كيفية استخدام التأثير الكهروضوئي، حيث يضرب فوتون من الضوء إلكتروناً خارج مداره حول إحدى الذرات، لإنشاء أجهزة، في حالة وضعها في مصفوفة، يمكنها تسجيل صورة. ونظرا لأن كل فوتون يستقر على جهاز CCD يضرب إلكترونا حرا واحدا فقط، فإن عدد الإلكترونات يعكس كمية الضوء في هذا الجزء من الصورة. يعمل جهاز CCD كمكثّف يخزن هذه الإلكترونات حتى يأتي الوقت لتحديد مستوى الشحنة المتراكمة. النتيجة هي صورة يتم فيها تحويل الشحنة من كل جزء بالمصفوفة إلى «بكسل» واحد بالصورة.

وفي الكيمياء

          على النقيض من جائزة الفيزياء، جاءت الجائزة الممنوحة في مجال الكيمياء سريعة بشكل إيجابي ردا على إنجازات الحاصلين عليها. لقد نشرت د. يوناث، التي عملت أولا على الريبوسومات، أول أبحاثها حول هذا الموضوع في 1980. وبالعمل بشكل مستقل ومتعاون بين د. راماكريشنان بالمعمل التابع لمركز الأبحاث الطبية البريطاني في كمبريدج، ود. ستتيز بجامعة ييل، ود. يوناث بمعهد فايتسمان بإسرائيل، تعاون الباحثون الثلاثة وفرق العمل التي يشرفون عليها في استخدام التصوير البلوري بأشعة إكس لاكتشاف الصيغ البنائية لجزأين من ريبوسوم، وهي المهمة التي أكملوها في عام 2000.

          وعندما ظهر الجزءان معا، قام الباحثون باحتجاز جزيء مرسال عبارة عن نسخة من جين بينهما. يمر المرسال بعدئذ خلال الريبوسوم مثل شريط، ويتم استخدام التعليمات التي يحملها المرسال لتجميع البروتين الذي يشفره الجين من جزيئات أصغر تُدعى أحماض أمينية. وبمعرفة البنية الدقيقة للريبوسوم، فإن ذلك يفسر كيفية حدوث ذلك ويسمح بتصميم أفضل للعقاقير، مثل مضادات حيوية معينة، تتداخل مع وظيفة الريبوسوم.

نوبل في الطب

          فيما يتعلق بجائزة الطب فقد فاز بها لهذا العام ثلاثة باحثين أمريكيين عن أبحاثهم التي كشفت طريقة حماية الجسم للكروموسومات التي تحوي الشفرة الوراثية. وتقاسم الجائزة كل من جاك زوستاك واليزابيث بلاكبيرن وكارول جريدر، الذين كشفت أبحاثهم طريقة نسخ الكروموسومات وساعدت في فهم الشيخوخة والسرطان وخلايا المنشأ.

          فقد أسفرت بحوث هؤلاء الثلاثة التي استمرت لسنوات طويلة أن السر يكمن في أطراف الكروموسومات المسماة تيلومير وإنزيم مسئول عن تكوينها يسمى تيلوميريز، والذي يحوي 46 كوموسوما من الشفرة الوراثية للحياة الـ (دي إن ايه). وحين تبدأ خلية في الانقسام يتم نسخ جزيئات الـ (دي إن ايه) الموجودة على شريحتين في الكروموسوم.

          لكن عدم تناسق الشريحتين كان يحير العلماء. ففي إحدى شريحتي الـ (دي إن ايه) توجد مشكلة، إذ لا ينسخ طرفها.ومن ثم يقصر طول الكروموسوم في كل مرة تنقسم الخلية، لكن الأمر ليس كذلك في الحقيقة دائما. فإذا قصر طول التيلومير ستصاب الخلية بالشيخوخة بسرعة. على العكس، إذا حافظ التيلومير على طوله تتمتع الخلية بحياة أبدية، وهو ما يسبب مشكلة ـ ويحدث ذلك في حالة الخلايا السرطانية.

          وتمكن الباحثون الفائزون بالجائزة من حل هذا اللغز أخيرا عندما اكتشفوا طريقة عمل التيلومير والإنزيم المسئول عنه.

          وأدت أبحاثهم هذه إلى تطوير مجموعة من الأبحاث المهمة التي قام بها آخرون من الباحثين المهتمين بكشف لغز الأورام السرطانية والبحوث الخاصة بكيفية القضاء عليها ،وبالتالي إيجاد سبل جديدة لعلاج السرطان.

          ويأمل هؤلاء في امكان علاج السرطان عبر التخلص من إنزيم التيلوميريز، وهناك أبحاث في طور التجريب بالفعل في هذا المجال.

          من بين الباحثين الثلاثة كانت بلاكبيرن (60 عاما) والتي تحمل الجنسيتين الأمريكية والأسترالية، أضافت جائزة نوبل في الطب إلى أكثر من 20 جائزة كانت نالتها عن أعمالها في السابق، وبالرغم من ذلك فقد أعربت للمتصل من إدارة الجائزة أنها قضت ليلة سعيدة وأنها تشعر بالسعادة للحصول على جائزة نوبل.

          وقالت بلاكبيرن للوكالة عقب تلقيها نبأ فوزها من لجنة جائزة نوبل «ما زلت لا أصدق ذلك», وفازت الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو بالجائزة مشاركة مع كارول جريدر، التي اكتشفت معها إنزيم تيلوميريز قبل 25 عاما، وزميلها جاك زوستاك، الذي درست معه في وقت لاحق آثار هذا الإنزيم.

          في غضون ذلك، حولت الباحثة بلاكبيرن انتباهها إلى "كائنات أكثر إبهارا" وهم البشر ، فقد عملت لإظهار أن التيلومير لدى النساء اللائي يعانين ضغطا مزمنا يقصر (يقل طوله) بسرعة أكبر من النساء اللائي يعانين ضغطا أقل, وقالت بلاكبيرن إن هذا الاكتشاف يظهر «السبب في الآثار السريرية المدمرة العديدة للضغط المزمن».

  • جائزة عمرها مائة عام

          -  أعلنت مؤسسة نوبل في تقاريرها للجوائز لهذا العام أن جائزة نوبل في الطب لهذا العام هي الجائزة رقم 100 التي تمنح في تاريخ الجائزة العريقة ويصادف أنها المرة الأولى في مئة عام التي تمنح خلالها الجائزة لأكثر من امرأة واحدة بعد أن تم تقاسمها هذا العام بين كل من إليزابيث بلاكبيرن، وكارول جريدر مع جاك زوستاك.

          - في الموقع الخاص بجائزة نوبل أوضح التقرير الخاص بجائزة نوبل للفيزياء لهذا العام أن الحاصلين عليها لهذا العام كللوا نجاح جهودهم التي بدأت قبل أربعين عاما وأصبح بمقتضاها اليوم في إمكان الأفراد اليوم التعامل مع وسائط الاتصال الحديثة بسرعة وكفاءة، وبينها إمكان الحصول على المعلومات عن جائزة نوبل وصور الفائزين بها عبر شبكة الإنترنت إذ إن التقنية الرقمية هي النتاج الأساسي لاكتشافات فريق الباحثين الذين عملوا في هذه البحوث بقيادة الفائزين بالجائزة.

المصدر: مجلة العربي
  • Currently 150/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 463 مشاهدة
نشرت فى 10 فبراير 2010 بواسطة moonksa

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,194,038