تم عرض مسرحية "الرغبة " وهي من تونس في مهرجان منتدى المسرح الدورة السادسة عشر ,على قاعة المسرح الوطني يوم الأربعاء بتاريخ 2 /11 /2011ومسرحية (الرغبة) مأخوذ من مسرحية (عربة اسمها الرغبة) لتينيسي وليامز حيث كانت تعالج أهم مشكلات المجتمع الأميركي في الخمسينات وهي العزلة والوحدة ,وقام بالأخراج المخرج التونسي الشاذلي العرفاني وقام بالتمثيل "جميلة الشيحي " و"معز التومي" و"امينة دشراوي " و"صبري الجندوبي ".
وقد حاول المخرج اضفاء الروح التونسية على النص المسرحي حيث كانت اللغة التونسية الجميلة لغة العرض وبذلك حاول العرض الأقتراب من الهموم االتي يعانيها المجتمع التونسي والعربي على حد سواء والعرض التونسي كما يوحي ألينا في البداية علاقة بالحديث عن الحب أو الرغبة والأمور الحسية والحميمية يحصل على المسرح ، والجدال والخلافات والتصنع أحيانا أخرى، لكن مع تصاعد الحوادث وتكشف الأمور لا يعود هناك ما هو مخفي.
فالرغبات وما تولدها من صراعات داخلية حول البحث عن الحب والأمل والحرية، وحب الحياة، الوحدة والعزلة. تعيش الفتاة اللطيفة الأقرب إلى الطفولة في حركاتها، مع زوجها ،الذي وهو سكير ومتهور ورياضي يتباهى بمهارته في تسجيل ثلاث أهداف في احدى المباريات ، تربطهما علاقة حب وانسجام، إلى أن تحضر الأخت الكبرى, تحضر إلى منزل اختها علها تجد بعض الأمان وتهرب من ماض بدأ يؤرقها. لكنها تشكل تهديدا لزوج أختها الذي يصطدم معها منذ البداية، ويشعر بخطورتها، فهي بخبرتها قادرة على كشف هذا النوع من الرجال، لذا يعمل جاهدا على كشف ماضيها واستبعادها بعد أن يغتصبها عندما كانت زوجته في حالة ولادة. وبذلك تتحول زوجته بسبب المسؤولية التي تحملها سواء في عطفها واهتمامها بأختها، وفي صراعها مع زوجها الى نوع من الأنهيار النفسي .
وأما أختها فهي شخصية مركبة تجمع بين الرقة والأنوثة والرغبة، تحيط نفسها بالألوان والملابس والمجوهرات الزائفة وكأنها نجمة، تتمسك بالحياة وتحتاج الى رجل يحميها ويعوض عنها ما تعرضت له من مآس ومعاناة بسبب الوحدة، وهذا ما يبرر لحظات انفجارها وشراستها عندما تفقد السيطرة على نفسها. جميع الرجال يرغبون فيها، لكن ماضيها وعلاقاتها السابقة تمنعهم من الزواج بها، بصرف النظر عن حاجاتها الانسانية وسبب سلوكها ، فلكل أنسان طريقته في التعبير عن رغبته وهواجسه وحاجته إلى الآخر، لكن إلى أي حد نقبل الآخر كما هو؟
وتتمكن الممثلة التونسية من إظهار أبعاد الشخصية بتناقضاتها بطريقة مميزة، وفقا للحالة والظرف المحيط بالعرض المسرحي ورد الفعل الهادئ والمدروس حيناً، والانفعالي حيناً آخر. كذلك ينجح الممثل التونسي على رغم صراخه الدائم والمبالغة في الأداء.
وعمل المخرج على إظهار إمكانات الممثلين وطاقاتهم بما يتناسب مع الشخصيات وتركيبتها النفسية، وعلاقتها بالمكان، رغم وجود قصور وفراغ كبير في الفضاء المسرحي في الخلفية ستارة شفافة يمكن التلصص من خلالها مع وجود بونيوم "حوض استحام" مع وجود طبلة وعدد من الكراسي للجلوس للأيحاء كغرفة .
وقد نجح العازف وكأنه يحكي مشكلة حزينة بموسيقاه، ويعكس الصراع الداخلي للشخصيات، وأما الإضاءة والتي لم تساهم في اضفاء الجو النفسي العام ، لكن عندما تصبح الكلمة هي الأهم والمكاشفة تصل إلى الذروة التي ساهم فيها بشكل كبير العازف التونسي "احمد الرياحي .
ولم تحقق عناصر العرض المسرحية المنظومة الجمالية التي حاول ان يصل اليها المخرج في العرض المسرحي ونحن نعلم بان المسرح التونسي يتميز بتفوقه في الجانب السينوغرافي الجمالي منذ زمن بعيد والأهم في العرض المسرحي أستطاع خلق المتعة لدى المتلقي، في الوقت الذي يمسه من الداخل، فتفاعل الجمهور مع العرض المسرحي ومع الشخصيات التي حاولت التشبه في اشكالياتها وهواجسها وردود أفعالها.
وأخيرا يمكن القول ان المقصود بالعنوان الرغبة هي مركبة من مركبات الشارع وجميع الناس يركبوها أيضاً , ومغزى المسرحية الذي نكتشفه بعد مشاهدة عرض المسرحية بأنّ الرغبة الجامحة مثل المركبة الجامحة وهي سمة تطبع التصرفات السوقية الشوارعية.. وجميع الناس قد يسقطوا فيها إن لم يحاذروا.. وبالتالي يخبرنا العرض المسرحي انظروا ماذا يحصل عندما تقودون مركباتكم رغباتكم بتهوّر واستهتار بالقوانين انظروا ما هي نتائج الرغبات السوقية الدنيئة الجامحة.. فالغرض من المسرحية لم يكن مجرد التسلية , وإنما كان العرض المسرحي نقد للسلوك الأنساني في تونس وفي كل مكان وزمان .
مسرح | مسرحية "الرغبة "نقد للسلوك الأنساني / محسن النصار
ساحة النقاش