وهل تحفظ إسرائيلُ العهود؟!!
كان رئيس الوزراء المصري قد صرح لإحدى القنوات التليفزيونية بأن معاهدة كامب ديفيد ليست مقدسة، وأنها قابلة للنقاش والتعديل والتغيير، فثارت ثائرة الإسرائيليين، ولجأت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى آية قرآنية للرد على تصريحات رئيس الوزراء، حيث علقت الوزارة عبر صفحتها علي موقع التواصل الاجتماعي ((الفيس بوك)) على تلكم التصريحات بنشرها الآية القرآنية الكريمة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 1)، وكأن الإسرائيليين يحاولون تذكيرنا بما أوصانا الله به وحثنا عليه من وجوب الوفاء بالعقود والالتزام بالعهود، ونحن لم ولن ننسى أبدًا أن الوفاء بالعهود من مبادئ ديننا، ومن كريم أخلاقنا.
الطبيعة اليهودية:
ونحن دائمًا وأبدًا وعلى مدار التاريخ كله لم نعرف لليهود عهدًا، ولم يحترموا كلمة أو قرارًا، ودائمًا يكيلون الأمور بمكيالين، ولا يعرفون إلا مصلحتهم وإن أفنوا في سبيلها العالم كله، هكذا علمنا التاريخ، فهل نستفيد من دروس التاريخ؟ وهكذا أخبرنا القرآن الكريم: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)) (سورة المائدة، من الآية رقم 82). وقال تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِه)) (سورة المائدة، من الآية رقم 13)، فنقض المواثيق والعهود عندهم أسهل من شرب الماء واستنشاق الهواء، هؤلاء هم اليهود، وهذه هي الطبيعة اليهودية وإن تجمَّلوا وجاملوا ونافقوا وداهنوا وخدعوا العالم كله، فلا ينبغي لنا – نحن المسلمين - أن ننخدع بهم ولا بمزاعمهم ولا بكذبهم؛ لأن الذي أخبرنا بطبيعتهم هو خالقهم وأعلم بهم: ((أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (سورة الملك، الآية رقم 14).
إسرائيل أول مَن نقض العهد:
كيف يريد الإسرائيليون منا أن نحفظ ما بيننا وبينهم من عهود ومواثيق وهم أول مَن نقض العهد والميثاق معنا، فاعتدوا على جنودنا وحدودنا، وقتلوا أبناءنا؟ هل يطلبون منا ذلك لأنهم اعتادوا على الاعتداء وانتهاك الحرمات وسفك الدماء دون أن يعترض أحد على أفعالهم أو سياساتهم، واعتادوا على أن يقف الطرف المعتدى عليه موقفًا سلبيًّا دون أن يحرك ساكنًا؟ هل يعتقدون أن هذا الوضع ما زال مستمرًّا؟ أخشى ما أخشاه أن تجيب حكومة دولتي على هذا السؤال بالإيجاب، فتقول: نعم هذا الوضع ما زال مستمرًّا، وأتمنى أن تُخيِّب الحكومة المصرية ظني فتقول: هذا الوضع ليس مستمرًّا، لأن الأوضاع بعد الثورة تغيرت، والمواقف تبدلت، والشعب المصري أصبح صاحب القرار، ولن يرضى لنفسه الذل والعار، وكان يجب على الإسرائيليين أن يفكروا ألف مرة قبل الإقدام على هذه الحماقة، أما وقد فعلوها فليتحملوا وزر أفعالهم، وسوء تصرفاتهم، وسيئ تفكيرهم.
ماذا يقول التاريخ؟
وما حدث يذكرنا بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود وما كان بينه وبينهم من عهد وميثاق، وظل رسولنا الكريم ملتزمًا بالعهد ومحافظًا عليه إلى أن كان يهود بني قينقاع هم أول مَن نقض العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخرجهم من المدينة، وكذلك الحال مع يهود بني النضير، حيث حملتهم طبيعة الغدر واللؤم المتأصلة فيهم على نقض عهدهم مع الرسول الكريم وتآمروا على قتله، فأخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا من المدينة مجردين من السلاح، وكذلك يهود بني قريظة الذين غدروا بالمسلمين، فنقضوا العهد معهم وتحالفوا مع الأحزاب في غزوة الخندق، وأوقعوا المسلمين في ضيق وحرج شديدين، فحاصرهم الرسول الكريم إلى أن استسلموا، وتخلص الرسول صلى الله عليه وسلم من شرهم وغدرهم ولؤمهم.
هذا هو التاريخ الذي يعطينا الدروس التي يجب أن نستفيد منها لنوفر على أنفسنا الوقت والجهد في التعامل مع هذه النفسية ذات الأطوار الغريبة والعجيبة في آنٍ معًا، فهل نفهم ونعي وندرك ونستوعب مَن هم اليهود، وما هي نفسيتهم وأخلاقهم؟!!!
هل المعاهدات مقدسة:
لنا أن نتخيل لو أن إسرائيل هي التي رأت أن تغيير بعض البنود في معاهدة كامب ديفيد يصب في مصلحتها ويحقق لها أهدافها، أنا أتصور أنها هذه المرة كانت ستستشهد بالآية القرآنية: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 2)، ولن يروا أبدًا الآية القرآنية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 1) التي ردت بها على تصريحات رئيس الوزراء، أضف إلى ذلك أنه كان من المتوقع حينئذٍ أن نوافق على طلبهم ونرضخ لرغبتهم؛ لأننا لا نملك حق الرفض أو الاعتراض، وساعتها كنا سنخترع المبررات والأعذار التي تحفظ ماء وجوهنا وتصون ما تبقى من كرامتنا، ونخدع بها شعوبنا، ولا تُظهرنا بمظهر الخاضع الذليل كما كانت سياسات النظام الذي رحل غير مأسوف عليه.
لا تتراجع يا رئيس الوزراء:
أما وإن الوضع الآن مختلف تمامًا، فنحن الذين أعلنا أن معاهدة كامب ديفيد ليست مقدسة، ولا بد من إعادة النظر فيها وفي العديد من بنودها بما يحقق مصلحة الطرفين الموقِعَيْن عليها، فهل سيتمسك رئيس الوزراء – ويتمسك معه المصريون – بما أعلنه، ونجبر إسرائيل على الجلوس على طاولة المفاوضات لإجراء التعديلات اللازمة؟ أم أن هذه التصريحات كانت تصريحات انفعالية في لحظة معينة، وبذهاب اللحظة – مع الضغوط الخارجية والداخلية - ذهب التصريح معها أدراج الرياح؟
أتمنى ألا يتراجع رئيس الوزراء عن تصريحه، وأن نتمسك بحقنا في مراجعة المعاهدة، خاصة وأن من بين بنودها ما يسمح للطرفين بإعادة النظر فيها بما يتواكب مع تطورات الأمور ويحقق مصلحة الطرفين، كما أن اتفاقية فيينا للمعاهدات سنة 1996 م تنظم إجراءات إبرام المعاهدات الدولية، وكذلك إجراءات فسخها كما هو معروف في القانون الدولي، ومصلحتنا – نحن المصريين - في مراجعتها وتصحيح العديد من بنودها لتعود إلينا حقوقنا، ونسترد كرامتنا وسيادتنا على كامل أرض سيناء الحبيبة التي يجب أن تحظى اليوم باهتمام أكثر من حكومتنا الرشيدة، وذلك بتنميتها لتظل دائمًا وأبدًا خط الدفاع الأول عن بلدنا الحبيب مصر، كما أن هذه التنمية تقطع على المتربصين بها - وما أكثرهم - أطماعهم وتغلق الطريق في وجوههم، سواء كانوا من الصهاينة أو من غيرهم.
ثم لماذا يعتقد الإسرائيليون أن هذه المعاهدة مقدسة؟ وهل يُعقل أن معاهدة مر على توقيعها ما يزيد عن ثلاثين عامًا تظل صالحة وسارية طوال هذه المدة دون أن تدخل عليها تعديلات أو مراجعات تتواكب مع ما حدث طوال هذه المدة من تطورات وأحداث وتغيرات في المنطقة العربية؟ أم إنهم لا يريدون أن تُمسَّ هذه المعاهدة بأي شكل من أشكال التغيير والتعديل؛ لأن بقاءها على وضعها الحالي يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط كله دون النظر إلى مصلحة الطرف الآخر؟
آن الأوان لنغير لغتنا مع العدو الصهيوني:
لابد أن تتغير اللغة مع العدو الصهيوني الذي ألف سياسات التركيع لكل دول المنطقة، مستندًا إلى غطرسته وصلفه، وأعتقد أنهم بدءوا يدركون هذا التغير، وبدءوا يغيرون لغتهم في التعامل مع مصر والمصريين، والتصريحات الأخيرة لرئيس وزرائهم – رغم ما حدث لسفارتهم - خير دليل على ذلك، مع الحذر من سياستهم المعهودة: ((تمسكن حتى تتمكن))، والخشية كل الخشية ألا ندرك نحن هذا التغير، ونظل على خضوعنا واستكانتنا لهم، متناسين ما حدث - وما زال يحدث - في مصر من التحول والتغيير.
لقد آن الأوان أن نرفع رءوسنا وأن نكف عن الركوع والاستسلام لهذا وذاك، وأن نتخذ سياسات تحفظ كرامتنا وهيبتنا بين دول العالم، هذا ما يريده المصريون جميعًا، فمن يستطيع أن يحقق للمصريين رغباتهم، فسنضعه فوق رءوسنا، ومن لا يستطيع أن يستجيب لمطالبنا، فليترك لنا حرية اختيار مَن يصلح لهذه المهمة من شرفاء مصر، فهل يحقق لنا رئيس الوزراء ما نتمناه، ويرد لنا كرامتنا وعزتنا؟ إن أملنا فيه كبير، وننتظر منه الكثير والكثير، نسال الله أن يعينه على ذلك، وأن يلهمه الصواب والرشاد ليحقق الخير والأمن للبلاد والعباد.
د/ محمد علي دبور
كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
ساحة النقاش