نتائج العلمانية في بلاد المسلمين
تعرفنا في مقالين سابقين على نشأة العلمانية وتاريخها في بلاد المسلمين، وكذلك تعرفنا على معابر انتقال العلمانية إلى بلاد المسلمين، واليوم نريد أن نعرف ماذا أفرزت العلمانية في بلاد المسلمين، أو نعرف أهم نتائج العلمانية في بلاد المسلمين، لأن التعرف على هذه النتائج يوقفنا على خطورة هذا الاتجاه علينا وعلى الأجيال القادمة من أبناء المسلمين، كما تساعدنا هذه المعرفة على حسم مسألة مهمة تتلخص في هذا السؤال: هل ما زال هناك ما يدفعنا إلى التمسك بالنظرية العلمانية والفكر العلماني في بلادنا؟ أم آن الأوان لنتخلص من هذا الشر وهذا الفكر المنحرف، خاصة ونحن نعيش هذه الأيام مرحلة التغيير إلى ما هو أفضل وأحسن وأرشد، وأعتقد – ويعتقد معي كثيرون – أن تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شئون حياتنا هو الأفضل والأحسن والأرشد، بعد أن جربنا الآثار المؤلمة والمدمرة لتنحية شرع الله عن شئون الحياة، ولم نجنِ من وراء هذا الإقصاء إلا الفساد السياسي والإداري والخراب الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والجهل الثقافي والتعليمي، فضلاً عن الانحدار الخلقي، وضعف الوازع الديني، وانهيار القيم والفضائل.....الخ.
إن النظرية العلمانية تتحمل أوزار ما نعانيه الآن من تخلف في كافة الميادين وعلى كل المستويات بعد أن نجحت – على مدار سنوات طويلة - في تفريغ الشخصية المسلمة من كل أسس بنائها وعوامل نجاحها، وسيتضح هذا الكلام أكثر عندما نقرأ بوعي واستيعاب أهم النتائج التي أفرزتها العلمانية في العالم العربي والإسلامي.
إن الوجود الطويل للعلمانية في بلاد المسلمين تمخض عن العديد من النتائج السيئة لهذا الفكر، وكما كانت هذه النتائج حصيلة سنوات وسنوات، فإنها أيضًا تحتاج – للتخلص منها - إلى سنوات وسنوات، وصبر وأناة، فالمواجهة ليست سهلة، والصراع بين العلمانيين والإسلاميين سيكون – في الفترة القادمة – أكثر ضراوة، وأشد وطأة، أو بمعنى آخر: سيكون هذا الصراعُ صراعًا من أجل البقاء، أو صراعًا لأكون أو لا أكون.
كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم، ويجب أن ندرك أن السبب الرئيس في وجود هذه النتائج هو سيطرة العلمانيين على مؤسسات الدولة كلها، وبالأخص المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية، فهم الذين روجوا لكل الأفكار التالية، يضاف إلى ذلك جهلنا الثقافي بخطورة هذا الفكر المنحرف وبالأهداف التي يسعى إليها ونحن نقف منها موقفًا سلبيًّا أو موقف المتفرج حتى أصبحت من المسلمات في حياتنا، فتبناها البعض منا ودافع عنها جهلاً بمراميها الخطيرة على الإسلام والمسلمين.
وإليكم أهم النتائج التي تمخضت عنها العلمانية في بلاد المسلمين:
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، واستبدال القوانين الوضعية التي وضعتها عقول بشرية تصيب وتخطئ بالوحي الإلهي المُنزَّل على رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب حتى لا يؤثروا فيهم.
2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى والمطامع الشخصية، لكي نكره هذا التاريخ ونستحي منه، ونعزف عن قراءته والاهتمام به
3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق:
أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ والطلاب في مختلف مراحل التعليم، بالإضافة إلى الاهتمام برموز الفكر العلماني وإنتاجهم والتركيز عليهم واعتبارهم نموذجًا ليتخذهم الطالب أو التلميذ قدوة له في مستقبل الأيام دون أن يعرف أو يدرك ماذا يمثل هؤلاء من خطر على الفكر والعقيدة؟.
ب- تفريغ المادة الدينية من محتواها، وتهميشها، وتقليص الفترة الزمنية المتاحة لها إلى أقصى حد ممكن، فقد عمدوا إلى حذف كل الآيات أو الأحاديث أو النصوص الدينية التي ترسخ القيم والمبادئ والفضائل في نفوس التلاميذ، ووضعوا مكانها نصوصًا تهدف إلى تمييع الشخصية وذبذبتها لتكون سهلة التطويع والاستخدام فيما بعد.
ج- منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم.
د- تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل أنها لا تعارضه.
ه- إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش.
و- جعل مادة الدين (أو التربية الدينية الإسلامية) مادة هامشية، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات ونتائج الطلاب، مما يؤدي في النهاية إلى ترسيخ عدم أهمية الدين في ذهن الطلاب، وبالتالي العزوف عنه والتحقير منه.
4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان في كل شيء، في الوظائف والمناصب وغيرها.
فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني.
وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه ولا حرج فيه، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل حاكمًا على بلاد المسلمين.
5- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق:
أ- القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة.
ب- وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ونشر الرذيلة بالتلميح مرة، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا.
ج- محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات.
د- إيهام المرأة بأنها مهدورة الحقوق مظلومة؛ لتظل في صراع دائم مع الرجل مما يؤدي في النهاية إلى تفكك الأسرة وضياعها.
ه- وضع القوانين التي تضعف من قوامة الرجل على المرأة، مما يؤدي إلى نشوزها وتفلتها وضياعها وضياع الأسرة معها.
و- خداع المرأة وإشعارها بضعفها بهدف جرها إلى حروب دائمة مع الرجل حتى لا تستقر الأسرة ولا تدوم.
6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:
أ- تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية، وما كانت تفعله وزارة الثقافة المشئومة في العهد البائد ليس عنا وعن المتابعين ببعيد.
ب- إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين.
7- مطاردة الدعاة إلى الله ومحاربتهم وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًّا ومتحجرة عقليًّا، وأنهم رجعيون، متطرفون، متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول.
8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل.
9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق، وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام، والقوم - أقصد العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شئون الدنيا، وجعلوا الدين- في أحسن أقوالهم- علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة، فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين؟!!
والقتال المشروع عند العلمانيين ومن شايعهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة!!.
10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق، حتى قال قائل منهم: (والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية دلَّت على أن الدين- وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها).
هذه بعض النتائج التي تمخضت عنها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فنتائجها المسمومة أكثر من ذلك بكثير، والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه النتائج أو جُلها في غالب بلاد المسلمين، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه النتائج الخبيثة فيها.
والمسلم أينما تلفت يمينًا أو يسارًا في أي بلد من بلاد المسلمين يستطيع أن يجد بسهولة ويسر نتيجةً أو عدة نتائج مما ذكرناه آنفًا، بينما لا يستطيع أن يجد بالسهولة نفسها بلدًا خاليًا من جميع هذه النتائج الخطيرة.
د/ محمد علي دبور
كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
ساحة النقاش