<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

إلى أنصار مبارك في الداخل والخارج

منذ الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير طفت على سطح الأحداث مجموعة أطلقوا على أنفسهم: "أنصار مبارك" أو "أبناء مبارك" أو مجموعة "إحنا آسفين يا ريس" أو غير ذلك من المسميات في مشهد مثير للعجب والرثاء في آنٍ واحد، وبين لحظة وأخرى يخرجون علينا من تحت الأرض ليعلنوا عن وجودهم وتأييدهم لمبارك، والغالبية من المصريين تقف مشدوهة مستغربة من هذا الموقف، ويتساءلون: لأي شيء ينصر هؤلاء مبارك؟ أو لأي شيء اتخذوه أبًا لهم؟ وعن أي شيء نتأسف للريس؟ ومَن الذي يجب عليه أن يعتذر للآخر، نحن ((الشعب)) أم الريس؟ وهل كان هؤلاء الأنصار أو الأبناء يعيشون في كوكب آخر غير مصر؟ ألم يعيشوا ويعايشوا معاناة المصريين لسنوات طوال؟ إنهم بالتأكيد يتحدثون عن رجل لا نعرفه، ويؤيدون رئيسًا لم يتول أمر مصر والمصريين، وفي بعض الأحيان أتخيل أن هؤلاء الأنصار أو الأبناء أو المتأسفين كانوا نيامًا – كأهل الكهف مع الفارق – طوال ثلاثين عامًا، أو أنهم شهدوا وصول مبارك إلى الحكم ثم راحوا في سبات عميق طوال هذه المدة، وفجأة استيقظوا على خلع مبارك ورحيله، فقاموا يفركون أعينهم دهشةً وذهولاً، منادين بتأييده وبقائه في الحكم دون أن يدركوا أو يعرفوا ماذا اقترف هذا الرجل في حق مصر والمصريين؟ أما آن الأوان ليُفيق هؤلاء من سباتهم، ويستيقظوا من نومهم، ويدركوا خطورة تصرفهم، ويعيشوا الواقع الذي يعيشه المصريون من حولهم، أعتقد أنه قد آن الأوان لذلك!

والحقيقة أن موضوعنا هذا ينقسم إلى قسمين أساسيين لتتبين الحقيقة للشعب المصري الصبور.

أما القسم الأول فيتعلق بشخص مبارك الذي ظل رئيسًا لمصر طوال ثلاثين عامًا أو يزيد، ماذا قدم هذا الرجل لمصر والمصريين؟ على المستوى السياسي داخليًّا عشنا جهلاً سياسيًّا مطبقًا بسبب سياسات القمع والقهر، وكان العمل بالسياسة عند نظام مبارك وزبانيته أكفر من الكفر، وبعد ذلك نتعجب من سلبية الشارع المصري وعدم مساهمته في المواقف السياسية المختلفة مثل الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو تعديل الدستور أو....الخ، إن هذه السلبية هي النتيجة الطبيعية للخوف والقهر والإلقاء في غياهب السجون وتسليط زبانية أمن الدولة على رقاب العباد لإهانتهم وإهدار كرامتهم والتنكيل بهم، ولو لم يكن من عيوب مبارك ونظامه إلا جهاز أمن الدولة لكفى به سببًا للإطاحة به وبنظامه، فالعدل أساس الملك كما يقولون، وقال ابن تيمية في الفتاوى: ((فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ، وَلِهَذَا يُرْوَى: اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلاَ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً))، وهؤلاء – أقصد زبانية أمن الدولة - أنزلوا بالمصريين من الظلم ما الله به عليم، وإن أفلتوا في الدنيا من العقاب بحيلهم وكذبهم، فلن يفلتوا من عقاب الله تعالى وإن تابوا؛ لأن من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها، وأنى لهم ذلك؟!!!

وقد يخطر ببال البعض - خاصة من أنصار مبارك – تعليقٌ للدفاع عن مبارك مفاده أن مبارك كان لا يعلم شيئًا عن هذه التجاوزات، وهذا عذر أقبح من ذنب، فإذا كانت هذه التجاوزات قد وصلت إلى رجل الشارع العادي فهل يعقل أن رئيس الدولة والمسئول الأول عن البلاد لا يعلم عنها شيئًا؟ ولو فرضنا أنه فعلاً لا يعلم عنها شيئًا، فهل مثل هذا يصلح أن يكون رئيسًا للدولة، إننا هنا نفترض المستحيل لكي لا نترك مقالاً لقائل، وإني أرى أن هذه التجاوزات كانت تصدر بأوامره المباشرة إلى وزير داخليته ومن وزير الداخلية إلى زبانية أمن الدولة ((وَسَيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) (سورة الشعراء، الآية رقم 227).

أما عن المستوى السياسي خارجيًّا فحدث ولا حرج عن سوء علاقاتنا بالغالبية العظمى من الدول، فلم تعد لنا مكانة، ولا كرامة ولا قيمة، وقد انسحب هذا على المواطن المصري المغترب، فلا كرامة له ولا قيمة له ولا حق له في أي شيء، وأول مَن يهينونه ويظلمونه هم رجال سفارته في بلد الاغتراب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وعلى المستوى الاقتصادي فإن الأوضاع واضحة لكل ذي عينين، نعيش خرابًا اقتصاديًّا لا مثيل له، أربعون في المائة من الشعب أو يزيد يعيشون تحت خط الفقر ولا يجدون ما يقتاتون به، مَن المسئول عنهم؟ أليس مبارك ونظامه الظالم!، تجمعت الثروات في أيدي حفنة من المنتفعين بالفساد، مَن ساعدهم على ذلك؟ المشروعات الاقتصادية الفاشلة مثل توشكى وغيرها مَن يتحمل أوزارها؟ غلاء الأسعار وتخبط الأسواق المصرية، مَن صنع كل هذا الخراب؟!! المليارات المكدسة عند مبارك وأبنائه وحفنة من رجال الأعمال، من أين حصلوا عليها؟ ومَن يسَّر لهم الحصول عليها؟ الوزارات والوزراء الفاسدون، مَن وضعهم في مناصبهم لسنوات وسنوات رغم ظهور فسادهم؟ إن الفاسد لا يختار إلا فاسدًا ليغطي كل واحد منهما على الآخر، ولا مكان للشرفاء في مناصب هذا البلد؛ لأنهم بالطبع لن يسكتوا على الفساد والمفسدين، إن المقام لا يسعفنا للحديث عن كل التفاصيل المخزية، هل مبارك ونظامه بريئون من كل هذا الفساد؟!!

وقل مثل هذا عن النظام الثقافي والتعليمي في البلاد، سياسات تعليمية عقيمة نستوردها من هنا وهناك، هدفها تفريغ الشخصية المصرية من القيم والمبادئ والفضائل، إماتة الوازع الديني، تكريس الانحدار الخلقي، الاستهزاء بالثوابت الدينية...الخ، وكلنا عشنا هذا الزمن وندرك تمامًا ما فعلته وزارة الثقافة المشئومة في العهد البائد، إننا كما نحاكم اليوم المسئولين عن قتل المتظاهرين، ونحاكم المسئولين عن إهدار المال العام، ونحاكم المسئولين عن إفساد الحياة السياسية، يجب أن نحاكم أيضًا المسئولين عما وصلنا إليه من الجهل والتخلف والانحدار الأخلاقي، يجب أن نحاكم وزراء التعليم والثقافة والإعلام الذين تولوا هذه المناصب في العهد السابق لأنهم كانوا السبب المباشر – بسياساتهم العقيمة - للوصول إلى هذه الحالة المزرية التي نحياها الآن.

إخواني أنصار مبارك والمتأسفون لمبارك: هل ترون أني مبالغ في هذا الرصد للفساد في العهد السابق؟ إن ما ذكرته قطرة في بحر مترامي الأطراف من الفساد والإفساد، ورغم الظلم والظلمات التي كان الشعب يحياها في هذا العهد المشئوم، لكن من الواضح أنها لم تصل إلى أسماعكم، وتتعلقون بأمور لا تغني عن الشعب المصري شيئًا، فقد سمعت إحدى المداخلات على قناة الحياة من واحدة من أنصار مبارك- هدانا الله وإياها - كانت تعدد إنجازات مبارك، فكان مما ذكرته أنه أطلق اسم الشهيد محمد الدرة على أحد شوارع القاهرة المحروسة، حقًّا إنه إنجاز كبير يغطي على كل المفاسد السابقة!! اتقوا الله في بلدكم وأهليكم.

وهل مبارك أعز على المصريين، وعلى المسلمين خاصة، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقها: ((وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها))، لماذا هذا الذعر من محاكمة مبارك؟ وهل هو فوق البشر أو فوق القانون؟ أم هو من المعصومين؟ إننا نطالب بمحاكمته محاكمة عادلة فإن ثبتت إدانته فليأخذ جزاءه العادل، وإن ثبتت براءته، فليكن بريئًا.

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها)) (رواه البخاري ومسلم)، فهل يجوز لنا العفو عن هؤلاء المتهمين بالفساد والسرقة والنهب – وعلى رأسهم مبارك – لأنه شريف، بمعنى أنه صاحب وجاهة ومنزلة ومكانة، وفي الوقت نفسه نحاكم ونحاسب عددًا من الجنود ونلقي بهم في غياهب السجون لأنهم ضعفاء لا يحميهم أحد، إننا إذا فعلنا ذلك فلننتظر الهلاك من الله كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم خرجت علينا أيضًا من تحت الأرض واحدة أخرى لتفتن البسطاء وتدعي أن مبارك "شريف" بمعنى أنه من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه آخر ((التقليعات)) في الدفاع عن مبارك، وهي حيلة لن تنطلي على شعب مصر الواعي، وماذا يغني عن مبارك أن يكون شريفًا من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه أغضب ربه وظلم شعبه وخان الأمانة، هل هذا النسب – إن كان صحيحًا – يجيز له أن يرتكب ما يشاء ويفعل في شعبه ما يشاء من الظلم والقهر والتجويع، إن هذا النسب المزعوم لن يغني عنه شيئًا أمام الله، كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته وأقرب الناس إليه ((فاطمة)): يا فاطمة بنت محمد! اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا. لماذا التعلق بهذه الأوهام والتخمينات، ألم تقرءوا قول الله تعالى: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ)) (سورة المؤمنون، الآية رقم 101). 

أنا أدرك تمامًا أن تجربة محاكمة رئيس أمام شعبه تجربة جديدة وفريدة في العالم العربي والإسلامي وربما في العالم كله، لذلك فإن الخارج يقف مشدوهًا مستغربًا مندهشًا مما يحدث الآن في مصر – خاصة في دول الخليج - وبعضهم يحاول الدفاع عن مبارك والوقوف إلى جانبه، لكن السؤال الآن: ما الذي يعرفونه عن مبارك ليدافعوا عنه؟ إنه لم تجمعهم بمبارك إلا الجلسات النفاقية، والكلمات الدبلوماسية، والصفقات الاقتصادية، والموائد الفاخرة، والمصالح الشخصية المشتركة، والأرصدة البنكية، والمؤامرات الليلية على شعوبهم وغير شعوبهم.....الخ، ماذا يعرفون عن مبارك؟ إنه لم يكتو بنار مبارك إلا شعب مبارك، فليتركوا لشعب مصر الحرية في أن يأخذ حقه المسلوب، ويرد كرامته المهدرة، ويستعيد مجده التليد.

أما القسم الثاني من الموضوع فيتعلق بأنصار مبارك والمدافعين عن مبارك من المصريين، مَن هم؟ إنه من خلال الرصد الدقيق لأحداث الثورة نرى أن الأغلبية من المدافعين عن مبارك ونظامه كانوا إما من الفنانين – ولا أقول كل الفنانين، فمنهم من كان نزيهًا في مواقفه - أو من لاعبي الكرة ممن أعلنوا تأييدهم لمبارك ودفاعهم عنه، وهؤلاء في الحقيقة من حقهم أن يدافعوا عن مبارك ونظام مبارك وعصر مبارك؛ لأن عصر مبارك بالنسبة لهم كان العصر الذهبي رواجًا وثراءً، وأعتقد أنهم لن يشهدوا هذا الرواج وهذا الثراء في الأيام المقبلة إذا أذن الله بصلاح الأحوال واستقامة الأمور.

إن إخواني من أنصار مبارك أو أبناء مبارك لو جاع واحد منهم يومًا ولم يجد ما يأكله لن يقف هذا الموقف، لو مرض الواحد منهم مرة ولم يجد ثمن الدواء لن يقف هذا الموقف، لو مات لهم أخ أو أخت أو أب أو أم في معركة الثورة لن يقفوا هذا الموقف، لو أهدرت كرامة واحد منهم في أقسام الشرطة أو مقار أمن الدولة دون سبب معلوم ومقنع لن يقفوا هذا الموقف، لو كانوا يعيشون ظروف مجتمعهم ويتابعون ما يدور من حولهم لأدركوا أن ما حدث لمبارك في مثل هذه السن هو النتيجة الطبيعية لدعاء المظلومين عليه وعلى نظامه بالليل والنهار.

أنا أشعر أن الغالبية من أنصار مبارك والمدافعين عنه تحركهم العاطفة والموقف الإنساني فقط، دون أن يكون لديهم ما يبرر هذا التعاطف، وربما كان المبرر الوحيد هو أنهم يتعاطفون مع رجل تجاوز الثمانين من العمر ولا يصح – من وجهة نظرهم – أن يهان، لكن هل العاطفة وحدها تكفي في مثل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها بلادنا؟ وهل المحاكمة العادلة لرجل ظل مسئولاً عن مصر طوال هذه السنوات إهانة؟ إننا إن لم تكن لنا مواقف حاسمة وواضحة ضد الفساد والمفسدين مهما كانت مكانتهم ومنزلتهم ووجاهتهم فسنعاني أضعاف ما نعانيه الآن مع أي نظام سياسي مقبل.

لذا أتمنى على الجميع أن يراجعوا مواقفهم، ويدققوا في تصرفاتهم، لأننا سنُسألُ جميعًا أمام الله تعالى: لِمَ وقفتَ هذا الموقف؟ وَلِمَ شهدتَ هذه الشهادة؟ وَلِمَ دافعتَ عن فلان؟ وساعتها لن تكفي إجابة التعاطف، وسنندم حين لا ينفع الندم، واللهَ أسال أن يوفق الجميعَ إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن يلهمنا الصواب والرشاد.  

 د/ محمد علي دبور

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

المصدر: مقال شخصي

ساحة النقاش

ali70

د محمد أحيك على هذا المقال الرائع الذي أصاب كبد الحقيقة في فهم أنصار مبارك كما يقولون وأوكد على كلامك أنه يجب عليهم أن يخسئوا ويطأطأوا روءسهم في الأرض خجلا على موقفهم هذا وعلى العموم فهم قلة شاذة لا يخلو منهم مجتمع ولا عصر فإلى الأمام جعلك الله سهما من سهامه لقمع الظلم والفساد
أخوك على سليمان

alinaser فى 15 سبتمبر 2011 شارك بالرد 0 ردود

عدد زيارات الموقع

80,490