توزير النواب
20/02/2013 21:58
الكاتب : محمد حيدر محيلان
لا ادري ما الذي يحث ويغري النواب لطلب الوزر وزيادته لديهم ؟؟؟ ألا يكفي وزر الإنابة والنيابة ؟؟؟ والوزارة من الوزر والوزر هو الذنْب الحمل الثقيل . وان تكون نائبا للأمة وممثلا لها, مهمة عظيمة وواجب خطير وأمانة تنوء بها الجبال وتأبى أن تحملها ,ومسؤولية يسأل عنها الإنسان في الدنيا والآخرة,والبعض منهم غير قادر على القيام بأعباء النيابة وحدها ولا معطيها حقها فكيف ( لو ردوا عليه وزارة) فوق حمله ؟!!.
إن ما يشغل بال النواب هذه الأيام والمستوزرين وما يدور في الصالونات السياسية العَمْانية ,هو قضية الحكومة البرلمانية واستيزار النواب وهو الحدث الذي يقض مضاجع الكثيرين ويقلق بالهم. إن مبرر وجود كل الأنظمة السياسية في العالم هو خدمة الإنسان وضمان حريته وصيانة حقوقه , داخل الدولة ,وحتى يتحقق ذلك يجب الفصل بين السلطات والحفاظ على التوازن بينها وعدم تداخلها, كما يقول (منتسكيو),وهو ما يستند إليه النظام الديمقراطي والذي يقضي بعدم تغول سلطة على سلطة . وان إجازة الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يتعارض تماما مع هذا المبدأ, حيث إن عملية الجمع بين الوزارة والنيابة هي واحدة من الآليات التي تُتبع لضمان سيطرة السلطة التنفيذية والحكومة تحديداً على مجلس النواب. وقد يستند العض إلى التجربة البريطانية التي تجمع بين النيابة و الوزارة ، فان اختيار الوزراء عندهم يكون من حزب الأغلبية في مجلس النواب، أي انتخابات تجرى على أساس برامج حزبية , فمن حق الحزب الذي يحظى بالأغلبية أن يشكل الحكومة ، في حين أن الأحزاب الأخرى تراقب وتساءل وتحجب الثقة عنه , فيبقى الحراك والتنافس لتقديم الأفضل والانجح. وإن التجربة البريطانية تظل تجربة عريقة بفعل التراكم في الممارسة الديمقراطية وتجذر الأحزاب السياسية في المجتمع و هذا ما جعلها تجربة تتسم بالخصوصية. إن القول بأن الدستور الأردني لا يمنع الجمع بين السلطتين هو صحيح، لكن جواز الجمع يفترض بالضرورة وجود تلازم بين الحياة الحزبية والتمثيل النيابي، أي إن النواب هم أبناء أحزاب ذات برامج شاملة ممكن أن تحاسب عليها , فإذا لم يعتمد ذلك لا يمكن الإفتاء بجواز الجمع. إن الانتخابات النيابية التي جرت وفق قانون انتخاب( لا يحظى بقبول ورضى الأكثرية), أفرزت كتلا نيابية داخل المجلس وليس أحزابا، وان هذه الكتل غير متماسكة ولم تتشكل على أساس برامج, إنما على مواقف سياسية ومصالح مؤقتة وطارئة. و كان من نتائج ذلك أن الكتل البرلمانية اضطرت إلى الدخول في تحالفات لا روابط بينها فكرية ولا هدفية ، و إنما الرغبة في الدخول للحكومة وتحقيق مصالح خاصة ، و هذا سيؤدى إذا شُكلتْ حكومة برلمانية من التحالفات البرلمانية, إلى غياب التضامن داخل الحكومة والعمل الجماعي ووحدة الهدف ,وربما تناقض في الفكر والسياسات ووسائل التطبيق , مما يُفشل الحكومة ,ولذا لا يمكن تجيير فشل أو نجاح الحكومة البرلمانية إلى طرف سياسي بيِّن أو برنامج حزبي معين. إن منع الجمع بين النيابة والوزارة ليست جديدا , فان دولاً عدة قد منعت الجمع في دساتيرها ومنها الدستور الفرنسي الصادر سنة 1985. وكذلك هنا في الأردن فقد تمت ممارسة التجربة قبل عقود قريبة أيام جلالة الملك الحسين رحمه الله ولم يقتنع بصلاحها لعدم الإقبال على العمل الحزبي وعدم نضوج التجربة الحزبية والعمل السياسي الديمقراطي لدى أغلبية المجتمع الأردني , مما عدل عن ذلك وعاد لتشكيل الوزارات من أصحاب الخبرة السياسية والعاملين في سلك الدولة, وهو الادرى بما يصلح لذلك,والمرجع في هندسة الأنظمة السياسية في العالم العربي على الأقل. ولكن كثير من الدول والسياسيين المخضرمين يدعون إلى صيغة التعاون والتكامل بين السلطات داخل النظام السياسي, مما يوفر نظام برلماني حقيقي لا تتعارض فيه مهمة المراقبة كليا مع وظيفة التنفيذ. أما أن يكون النائب وزيرا ، يعني أن يكون القاضي والخصم ، والمُراقَب والمنفذ للعمل هو نفسه... و هذا مالا يفرضه المنطق ولا يتفق مع قانون السلطة والمسائلة ولا ابسط مبادئ العمل والإدارة المنتجة والفعالة . وان الفصل بين صفة نائب ووزير يفسح المجال للنواب للتفرغ لمهامهم النيابية و تحقيق الغاية العامة في تمثيلهم للشعب ، فعطاء وموقف النائب( الوزير) في البرلمان سيكون بالتأكيد عطاء متدني, وقد يناقش النائب ويصوت على القرارات بتردد وعلى استحياء وبالذات التي تتعلق بالحكومة. وكذلك ليس من مصلحة الأمة أن يكون البرلمان ضعيفا في مواجهة الحكومة ، فالغاية من الفصل بين النيابة و الوزارة هو أن يكون البرلمان مستقل وليس مسيرا وتابعا لغيره أو لمصالحه وغاياته وأطماعه الشخصية وألعوبة بيد الحكومة. إن الدساتير الحديثة اعتمدت مبدأ فصل السلطات بين من يقوم بالوظيفة التنفيذية و الوظيفة النيابية بسبب التغاير في الواجب بينهما فان الذي يشرع القوانين والأنظمة ويطلب تنفيذها من السلطة المنفذة ويراقب كيفية إجراء التطبيق لها, بناء على المعايير والأسس الموضوعة ويصحح الانحراف إن وُجد , ويسائل صاحب الخطأ عن السبب, يفترض أن يكون غير المنفذ له والمسؤول عنه. ومن هنا جاءت كلمة مسؤول (اسم مفعول) أي انه سيُسأل عما أنْجز , أما أن يكون السائل والمسؤول واحد , فهذا يتنافى مع السير الفعال للسلطات العامة, ويختلط الحابل بالنابل, وتضيع المسؤولية . ولكي نمأسس العمل الحكومي و التشريعي ولكي لا نحد من دور المجلس في الرقابة والتشريع والمسائلة , ، في ظل مجتمع لازالت الحياة الحزبية الديمقراطية به لم تتجذر بعد ،لا بد أن يبق كل واحد في سلطته وفي تخصصه, ويكرس كل وزير جهده لوزارته و لأعمال الحكومة ،و النائب يخصص كل جهده للعمل التشريعي و المراقبة والمسائلة ,لحين يتغير الواقع السياسي والحزبي للأفضل. لذا فنحن نرى أن الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية في الوقت الحالي هو ضرورة (ولو في هذه المرحلة مبدأيا) التي لم ينضج بعد فيها العمل الحزبي المؤسسي على برامج واضحة وممنهجة, ولم تزل الفردية والعشائرية والمادية تسيطر على صندوق الانتخاب , وان معظم النواب الحاليين لا تجمعهم برامج سياسية مشتركة, وان دافعهم هو المصلحة الشخصية وثم خدمة مناطقهم قدر المستطاع, وهي التي تسيطر على أفعال وسلوك معظمهم, وسيكونون رهيني تبادل المنافع مع الحكومة ,وهذه وحدها تكفي لإضعاف قوة النواب وغض الطرف عن مسائلة وحجب الثقة عن أي وزير أو حكومة مجتمعة, مما يضعف مؤسسة البرلمان ويحد من استقلالها اتجاه السلطة التنفيذية, وتفقد ثقتها من قبل الشعب.
ساحة النقاش