العنف البرلماني هل هو مبرر؟؟
محمد حيدر محيلان
لطالما حاول أولي الشأن والمتخصصين في علم الاجتماع وقادة المجتمع والرأي في الأردن أن يبحثوا ويعالجوا قضية العنف الجسدي وغير الجسدي , بكافة أشكاله, الأسري والاجتماعي والمدرسي والجامعي, والبحث عن الأسباب والمسببات المؤدية إليه لكبح جماحه واستئصال جذوره وتخليص المجتمع الأردني منه إلى غير رجعة ...
حتى طلع علينا العنف البرلماني الذي يمارسه نواب الأمة أمام شاشات التلفزة وهو اقرب ما يكون للاستعراض ولفت انتباه القاعدة الانتخابية وتحقيق رضاهم ولكي يقال أن نائبهم (زلمة, وقدْ حاله, وما بحط واطي لحدا) وقد قيل ....
علما بأن النائب المنشود والمأمول هو المتسامح الواعي الرشيد الذي يتجاوز عن سفاسف الأمور وهناتها , وينتقل إلى الأهم وهو تحقيق الهدف والغاية الذي وصل للمجلس لأجلها وهو التشريع والرقابة ومحاسبة المسئولين بطريقة قانونية وشرعية وحسب الأنظمة والطرق السليمة فيما لا تجريح ولا مهانة ولا عدوان .
فأنما يلجأ للعنف العاجز عن الإقناع الضعيف, الفاقد المعرفة والكياسة .. الأرعن النزق, ومن لا حلم ولا علم عنده, والعنف هو الحد الذي ينتهي عنده الحوار المؤدب والسلوك الحكيم ...وإذا ارتفعت الأيدي .. وتطاول اللسان يعني انه خارج المنطق وضعفت الحجة وتهاوت الحكمة (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)(البقرة 269).
وان المهازل التي تحصل في مجلس الحل والعقد ومجلس الرأي والمشورة والتشريع من عنف وعدوان ( وسحب أسلحة نارية بعيدة المدى أو كنادر قريبة المدى أو كاسات ماء ذات اثر تعزيري ومُشرْشِح ) كلها اشكال من العنف المرفوض,تدعوا للاستهجان والاستنكار.
إذ كيف يعطي الرأي الحكيم والتشريع المنطقي والحكم الرشيد والمشورة المتزنة ,من يفتقد الحكمة والرشد والحلم والاتزان..وفاقد الشيء لا يعطيه ..
إن الرعونة خلق لا ينبغي للرجال الراشدين في أي زمان أو مكان فكيف إذا كان صاحبه نائب في مجلس الأمة؟؟؟؟
إن العنف سلوك مرفوض في كافة المجتمعات والأديان والحضارات الراقية ولا يؤدي لحل مشكلة بل يعقدها...إلا إذا كانت تتعلق بقضية الدفاع عن النفس أو العرض أو الأرض أو المال الواقع قهرا وقسرا أو احتلالا ظلما واستبدادا.. وقد حصل ذلك على الأهل والأرض في دول الجوار ولم نحرك ساكنا, هنا ولا هرع احد إلى سلاحه.
والعنف هو الاستعمال غير المشروع للقوة بقصد إلحاق الضرر بالآخرين. وله اشكال متعددة منه الجسدي الذي توقعه الأيدي والأرجل أو إي شيء مادي يقذف به المُعنَف مهما صغر أو عظم .
ومنه العنف غير الجسدي مثل الإهانة، التخويف، الاستغلال، العزل، عدم الاكتراث والسفه والتسفيه والإهمال لتواجد الآخرين,وكذلك فرض الآراء على الآخرين بالقوة ,والسخرية والاستهزاء من الأفراد وأقوالهم وأرائهم, ، وكذلك إسماع الآخرين الكلمات البذيئة جميعها والهمز واللمز والإشارات التي تعني التقليل من شأن الآخرين.
وهو كما عرفه علماء النفس: كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، مما يؤثر على وظائفهم السلوكية، الوجدانية، الذهنية والجسدية.
ونصت المادة الثانية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه " لا يُعرضْ أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في التمتع بحماية القانون".
يرى بعض علماء النفس والمفكرين، أن كل استعمال للقوة ضد الآخر يحتوي على درجة من العنف، ولذلك فإن كل أشكال الحكم والتحكم، سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً، على مستوى الدولة والمجتمع والأفراد، وعلى مستوى البشرية جمعاء، هي أشكال من العنف.
وعليه فأن سلوك الحكومات الأردنية المتعاقبة من تحكم بقوت وحياة الأردنيين وأفكارهم ومنع الاستماع لأرائهم, وتسفيه مطالبهم واحتجاجاتهم ,وإهمالهم صحيا ومعاشيا, وقهر إرادتهم, هو عنف وعنف مقصود, ويدخل تحت نفس العنوان سلوك معظم موظفي الدولة غير اللائق بحق المراجعين .
ولكني أجد أحيانا مبررات لسلوك المجتمع والمواطن الأردني الذي اعتاد التعنيف. فالمولود يعنف من وقت نزوله من بطن أمه من قبل الممرضات وهو يصرخ الصراخ الطبيعي الدال على سلامة وضعه الصحي ... ومع ذلك يعنف بلا سبب...ثم يبدأ يأخذ جرعات التعنيف من قبل الأم بعد وقبل الأكل وبعد وقبل الحمام وبعد وقبل النوم .. وبعد وقبل وأثناء الدراسة في البيت والمدرسة ..حتى أصبح الطفل والولد غير المعنف بنظر المعنَفين يعاني من ( سلوك مَرَضي أو هَبلْ )فتجده في المدرسة والحارة والسوق حساس وشفاف لدرجة البكاء إذا سمع كلمة مثل أبوك عاطل عن العمل ولا بشتغل ؟؟؟ فينجرح وتسيل دموعه !! وبحكيلك هذه خصوصية عيب تحكي فيها عمو !!! أما الأكثرية المعنفة فهي بلْدَتْ وتحجرت مشاعرها وأحاسيسها .. فلذلك نحن في الأردن تجاوز البعض عندنا حالة المسبات والتجريح الكلامي إلى إشهار الكنادر في وجوه الآخرين( تكرموا من هالطاري) بل أكثر من ذلك إشهار أسلحة نارية.
المؤلم أن يحصل ذلك التعنيف والعدوان في مجلس النواب بل الأدهى أن يحصل في أماكن أكثر مهابة وقدسية كالمساجد والمعابد ... وعلى أتفه الأمور وأرخصها ... والذي ينفعل لأمر تافه ..لا يستحق أن يكون عظيم ...
ولكن السؤال الذي يواجه الجميع ويقض مضاجعهم : كيف الخلاص من حالة التعنيف المستمرة التي يواجهها المجتمع الأردني على جميع المستويات ؟؟؟
ساحة النقاش