روعة الإحساس

كنا نسير للأمام أو هكذا كنا نظن فنظرنا نكتشف ما قطعناه وجدنا أنفسنا نسير للخلف وفقدنا ما إحتويناه

 

 لم ينتهى  عمال البلدية بزيهم الازرق  وأحذيتهم  التى تشبه خفوف الافيال من نصب اعمدة النور فى شوارع القرية التى انبطحت تحت الظلام لسنيين  وربما منذ أن نبتت فيها هذه الاجساد البائسة وتكومت كانت الشوارع تعج  بالاطفال يتراقصون ويغنون ويتسابقون ثم يتعثرون إما بجلابيبهم المتسخة  المتربة وإما باصطدامهم بعضهم ببعض فيقعون وتتناثر الاتربة والاغبرة  حول العمال فيطاردونهم   ويقذفونهم باغلظ الالفاظ من  سب وشتم لاعنيين تلك الانوار التى ستضى لهؤلاء الاموات بدأ العمال فى نصب الاعمدة  وتثبيتها بالاسمنت والزلط ومد الاسلاك بينهما وبدأوا فى تركيب المصابيح خرجت القرية عن بكرة  ابيها النساء يطلقن  الزغاريد والرجال يتزاحمون يتراقصون  ويحطبون بالعصى على وقع المزامير والطبول حفاة تظهر عراقيبهم المتحطبة وافخادهم اليابسة فيزداد العمال فى لعناتهم والاطفال يهرولون ويحتضنون  الاعمدة لا مفر للعمال الا ان يشاركوهم فرحتهم والا ما استطعموهم طيلة  النهار والغروب مقبل على اكتاف القرية منذ اليوم  لم يعد لاهل القرية  حاجة للقمر ليضى لهم  الشوارع ليلا ولا للمبات العويل التى احرقت صدورهم وسدت انوفهم من قسوة رمادها سيسهرون  امام بيوتهم كأنهم فى وضح النهار يفترشون الحصر والسجاجيد المصنوعة من  بقايا ملابسهم الممزقة او صوف الغنم كان صالح يومها رزق بعد عناء بولد بعد ان طرق كل ابواب الاولياء والصالحيين والاضرحة ليغترف من ترابهم المبارك يخلطه بالماء ويستحم به هو وزوجته دون جدوى هذا غير الاحجبة والبواخير التى صنعتها له الشيخة (شيحة ) وهى تُأمله بالولد وفى كل مرة يحمل لها من الانعام ما ثمن جسده وغلى ثمنه من بيض وطيور وجبن ولبن حتى قال له شيخ الجامع ذات مره (عليك  وعلى ابن بنت رسول الله جدنا الحسين )وادعوا ربك هناك وانشاء الله يكرمك فعلها صالح ركب هو وزوجته  القطار وذهب للحسين  وصلى ودعا الله ثم عاد  (بالسبح والمسك) واهداها لشيخ الجامع الذى طمئنه واكد له ان الله لن يرجعه مكسور الخاطر ... فى  يوم  كانت الدنيا ملبدة  بالغيوم السوداء والرياح لا يكف هديرها والبرق يشق كرش السماء ثم يعود والامطار تتقاطر على استحياء فى الشوارع شحيحة  متناثرة دخل صالح البيت قبل ان تعزم السماء على   البكاء فهى مغرقة اذا غضبت ومثمرة وراوية اذا رضيت كان البيت مكتظ بالنساء لما رأوه قذفوه بالزغاريد والطبطبة على  كتفه وظهره وهم يهنئونه القى  الفأس من على كتفه وحرر(رسن )بقرته التى كان يجرها خلفه وارتمى بين احضان زوجته كالطفل الخائف  المرتبك ثم رفع وجهه  للسماء شاكرا الله اكتست وجوه النساء بالخجل وصككن وجوههن بطرحهن حرجا  مما  فعله صالح فقام  معتذرا وجر بقرته الى       الحوش والدموع تلاعب جفنيه وكبريائه يأبى نزولها حتى تحجرت فى حلقه فابتلعها احس بملوحتها فى علقومه ....كان يود   ان يسميه الحسين تيمنا بالامام الحسين فلما جاء النور الى القرية  اوعز  له  زواره ومهنئوه بان يسميه (نور)لانه جاء والنور يدخل    القرية  نشأ نور بتربية متراخية متساهلة  لا يلام ولا يعرف العيب ولا يعرف للطمع حدود  ومن فرط فرح صالح به زوجه مبكرا ما كاد ان يبلغ الحلم حتى زوجه  يقضى نور معظم اوقاته على المقاهى  انجب صالح بعد نور ابنا سماه حسين  وبنت سماها زينب لم يحظى  حسين  وزينب برفاهية نور لأنه كان  المنقذ لذكورة  صالح فالقرية لايحق لسكانها الا تكون    بعض ذريتها ذكور افرغ نور كل استهتاره وتسيبه قهرا واضطهادا على أخيه واخته  والاب يراقب والام دون  منازعته  فيما يفعل حتى انه امر حسين يجلس فى البيت وابيه يراعى الحقل فلا يجوز ترك البيت دون رجل ليتفرغ هو للسهر على المقاهى وتمارس زوجته دلالها وتكبرها على سكان ذلك الدار فهى الامرة الناهي المخدومة الملبى رغباتها دب فى  عروق صالح  الكبر واشتعل الراس شيبا وتورمت عروقه وانتفخت .. ترعرع فى ارجل زوجته المرض فلم   تقوى على مسايرة البيت فتقسوا على زينب وزوجة نور تنام حتى  الظهر تخرج من حجرتها متأففة من روث البهائم فى البيت تخرج لتلقى نظرة على  الوجوه الكالحة  ثم تدخل  حجرتها تتمايل امام  المرآة وتتفحص جسدها الفائر دخل نور فوجدها بكامل زينتها ملقاة على ظهرها ونهديها يصرخان الى السماء طلبا للغوث تلاعب ساقيها فى الهواء لتكشف عن فخذين يترعرعان  من الخصب انقلبت على بطنها ورفعت عرقوبها تلوح له بهما قالت له بصوت يأتى من أعماق انوثتها يصرخ فى اذنيه فتلتقى ببراكيين الخصب بين مناطقه هم بخلع جلبابه ليلقى بنفسه بين جبروت انوثتها لملمت سروالها وتكيست مناطقها وتورم وجهها وقالت      ماذا فعلت فيما قلته لك انطفأ وجه  نور وتيبست كل الاغصان الخضراء فى روحه فتبخرت الابتسامة من وجهه كان يمنى نفسه بأحلام ليست ملكا له خرج غاضبا ولم يجبها ولم يغادر ذاكرته ما رآه منها وكأنه يراها لأول مرة ذهب الى المقهى يصارع نفسه بين  جنتها وما تطلب وبين نار فراقها فإن  اغضبها فلن يرى منها هذا الدلال والميوعة وربما تطلق ويفوز بكل هذه الغنائم شخص آخر كيف وقد فاز هو بها وان رضاها استمتع بامرأة هادرة  الانوثة رائعة الدلال لم يكمل شرب قهوته اتاه النادل للحساب قال له خذه  من عمك صالح وهب واقفا متأففا قاصدا البيت مرق من باحة  المندرة لاويا سحنته تجاهل اخيه (حسين)المتقرفص على الدكة دافنا عيونه فى اعماق الارض استحوزت عليه الهموم فتثاقلت رأسه على وجع  ابيه وامه وهما يشقيان بين الحقول وهو ماكث فى البيت كالنساء رفع  حاجبه كاسرا عينه تجاه اخيه المارق امامه دون سلام تمتم ثم غاص فى همومه صرخ |(نور )ينادى زينب اخته الصغرى التى انكمشت تحت الجدار وسحبت المقطف لتتوارى خلفه تجنبا لطلعته المرعبة (اين أمك ) تعثرت بجلبابها الطويل الفضفاض المتسخ من روث الحوش وترنحت بكلمات لتطفى وجومه (عند الكرم)اندفع متدحرجا الى الشارع متجاهلا اخيه مرة اخرى الذى تعثرت خطواته تجاه اخته حتى وصل اليها فاحتضنها واربت عليها وعيونه شاردة أخذ نور يشق الارض ويدوس سنابل القمح الطرية لتصنع خلفه  ممر غير مألوف طالعه كرم النخيل تتراقص عيدانه عالية  غير آبهة بشئ اخذت خطواته تتباطئ كلما اقترب من ابيه هنا ولدت احلامه وهنا ماتت الكل يموت وهذا الكرم اللعين صامد  يتوارث الاجيال قال له جده انه لم يعاصر من زرعوه تتعاقب الاجيال على خيره ولم يطلب خيرا من احد حتى ورثه ابوك هنا ولدت نرجسيته  وتمددت ولكنها ايضا شاخت وربما رحلت ترى لو بحث تحت جذوعه لوجد بقايا من كراساته واقلامه      واحلامه ايضا وبعض من خطاباته التى كان يدفنها لمحبوبته لمح امه تتربع تحت فرخ النخيل الصغيرة التى تصنع لها ظلا يحميها من وطأ الشمس الحارقة ملفوفة بملائتها السوداء تخط بالنوى تلاعبه فى الهواء فتخطفه وتكومه على الارض تعاود الخط مرة اخر تقبل النواة المحمولة والشاردة (خير اللهم اجعله خير تفرك  عينيها بطرف طرحتها رفعت حاجبها غشاوة  حالت بينها وبين قراءة المكتوب ... نظر نور الى ابيه صالح الذى تلاشت صحته وبرزت عظامه جسده المرتعش ينم عن وخز  السنين التى قضاها يفلح الا رض رآه يلف الحبل حول خصره ويقبض  بفمه            الفارغ الاجوف الحبل الاخر ليحزم الجريد والزعف لم ترتج مشاعره لما رأه وقف فوق راس أمه يستجمع قواه ليخبرها بما نوى انحنى اا

الاب وحوى بساعديه حزم الجريد حاول رفعها على ظهره فإنكفأ على الارض انغرست شوكة فى راحة يده صرخ محدقا ببقايا من بصره الضائع تجاه ابنه نور لم يعرله انتباها ولكن اوجعه طرق الصراخ الواقع على اطبال اذنيه ... أنا ماشى الولية مش عجباها عيشتكم انا مش عايز خراب .. افرغهم من فمه كأفعى افرغت سمها  فى آذان الابوين ورجع من حيث اتى تاركا خلفه ارتالا من الحزن نسى الاب الشوكة المخروسة فى يده وانخرط  على الارض لا تحمله ساقاه شاردا بما سمع أمطرت عيون الام بالدموع واخذت تولول بصوت عالى (قالوا بنية اتهد الدار عليا وقالوا وليد وسع البيت )كان حسين وزينب يتبعانه دون ان يراهم هرول حسين الى ابيه ورفعه ثم رفع حزمة الجريد ووضعها على الحمار وجلست زينب بجوار امها تلملمها ثم انزوى الجميع تحت ظل النخيل يرقبانه وهو يهدر الخطى حتى غاب عنهم رحلت الايام والسنيين بلا رجعة وهذه القرية الملعونة لم يزدها النور الا ظلاما لعقول اهلها وغابت اخبار الاخ الراحل بين احضان الخليقة الا ابيه وامه ومكث صالح فى البيت من وطأة الوجع وحسين يباشر مهام ابيه هذا الفتى الفتىى وعاودت زينب مهام  البيت بنشاط وحب وهدوء طالت غيبته وتورم الحنين بين عروق الوالدين الكهليين وكأنهم يأبيان الموت فى انتظار عودته انطفأ شموع لم يرى نورها ولم يمارس طقوس الغضب على اول بشراه ويأمل نفسه بعودته  كانت مسبحة العمر سريعة لم تعفو الابن  البكر من طلعتها  هاجمت نور شيخوخة مبكرة وتبلط رأسه بالشعر الابيض وانتفخت شرايين وجهه ويديه لم  يجد الاحلام والجنة التى رغبته فيها زوجته ولم يجد العمل الكريم والعيش الرغيد وراحة البال فاندست بين ضلوعه شيخوخة مبكرة ما وعيها من ثقل مهنته المرعبة فقد ضاقت عليه السبل فلم يجد عمل لا يزاحمه فيه أحد الا (حفار القبور ) يستأجره اولوا اليد الطولى فى حفر قبور زويهم اذا اشرفوا على الموت ... انكفأعلى الموقد يشعل النار هاج داخله الحنيين تخيل ابويه ممددان فى الحفرة التى يحفرها وقد تحطبت سيقانهم وجفت مياه وجوههم شاخصى الابصار اليه لا يغمضون جفونهم اندفع للخلف فى محيط الحفرة هاج داخله الحنيين وانفلقت حباته فأنبتت داخل قلبه سنابل وازهار  ارتعد جسده الهزيل وهو ينفث حمما من فمه الفارغ وزوجته تتتقرفص بجواره تتحسس موضع الكنكة على الموقد تزحف على مؤخرتها بعد ان تورمت ساقيها من قسوة المرض لم يعد يملكان الا هذا الوحيد النافق فى الارض يحفر قبرا آخر لمتيسر آخر ينتظر وفاة ابيه ليرث ما لا يحصى ولا يعد ولن يناله منها الا فتات يطعم به هذين العبئيين على اكتافه نظر نور الى شعر زوجته المجعد النافروعراقيبها النحيلة ها قد أتى الخريف وعرى هذه الشمطاء من جمالها وانوثتها ولم  يتبقى منها سوى عروقها وفروعها المتيبسة  تذكر والديه صاح (نفق العمر وما وجلت رضاكم)دك ساعديه المرتعة فى الارض هاما بالوقوف ليستدرك قطرات ربما بقيت من عمر ابيه وامه تلاعبت الرياح بجسده الواهن فتراقص فى الهواء وهوى على الموقد فأوقد الجمر المتقد خده وهو لا يقوى على الاستدارة او الوقوف صرخ يستغيث بابنه الوحيد النافق فى القبر الاخر بجواره اطل الابن من الحفرة ونفض يديه من غبارها حالت بينه وبين ابيه  فشب على اطرافه ليراه ملقى على الموقد والنار تشو ى خده انسلخ الابن من الحفرة النافق فيها ونفض يديه من غبارلا تغيب رائحته انحنى والتقط جلبابه واندس فيه ثم نظر اليهم وتأفف وبصق على الارض وارتجل دربا من ذهب فيه لا يأتى ابدا

 

 

mohamedzeinsap

كتبنا وكنا نظن أننا نكتب وقرأت ما كتبنا أكتب تعليقك ربما يكون نافلة القول التى تقيمنا إنتقد أو بارك أفكارنا لربما أنرت لنا ضروبا كانت مظلمة عنا أو ربما أصلحت شأننا أو دفعتنا لإصلاح شأن الآخرين

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 381 مشاهدة
نشرت فى 5 سبتمبر 2018 بواسطة mohamedzeinsap

محمد زين العابدين

mohamedzeinsap
نحن نتناول إحساسك ومشاعرك وغربتك نكتب لك ..... وتكتب لنا فى السياسة والادب والشعر والقصة والسيرة والدين نحن هنا من أجلك و...... ومن أجلنا لكى نقاوم حتى نعيش بأنفاسنا المحتضرة وآمالنا المنكسرة وآحلامنا البعيدة نحن المتغربين بين أوطانهم والهائمون فى ديارهم »

عدد زيارات الموقع

131,378

تسجيل الدخول

ابحث

ذاكرة تغفل..... ولكن لا تنسى




في قريتنا الشئ الوحيد الذي نتساوى فيه مع البشر هو أن الشمس تشرق علينا من الشرق وتغرب علينا من الغرب نتلقى أخبار من حولنا من ثرثرة المارين بنا في رحلاتهم المجهولة نرتمي بين حضن الجبل يزاحمنا الرعاة والبدو الأطفال عندنا حفاة يلعبون والرجال عند العصارى يلقون جثثهم أمام البيوت على (حُصر ) صُنعت من الحلف وهو نبات قاسى وجاف والنساء ( يبركن بجوارهم ( يغزلن الصوف أو يغسلن أوعيتهم البدائية حتى كبرنا واكتشفنا بأن الدنيا لم تعد كما كانت .... ولم يعد الدفء هو ذاك الوطن.......... كلنا غرباء نرحل داخل أنفسنا ونغوص في الأعماق نبحث عن شئ إفتقدناه ولا نعرفه فنرجع بلا شئ .. قريتنا ياسادة لا عنوان لها و لا خريطة ولا ملامح وكائناتها لا تُسمع أحد نحن يا سادة خارج حدودالحياة في بطن الجبل حيث لا هوية ولا انتماء معاناتنا كنوز يتاجر بها الأغراب وأحلامنا تجارة تستهوى عشاق الرق وآدميتنا مفردات لا حروف ولا كلمات لها ولا أسطرتُكتب عليها ولا أقلام تخطها نحن يا سادة نعشق المطر ولا نعرف معنى الوطن نهرب إلى الفضاء لضيق الحدود وكثرة السدود والإهمال... معاناتنا كنز للهواة وأمراضنا نحن موطنها لا تبارحنا إلا إلى القبور ... وفقرنا حكر احتكرناه ونأبى تصديره نحن أخطاء الماضي وخطيئة الحاضر ووكائنات غير مرغوب فيها...طلاب المجد نحن سلالمهم وطلاب الشهرة نحن لغتهم ... نحن يا سادة سلعة قابلة للإتجار بها ولاقيمة لها .. نحن مواطنون بلا وطن