الثورات نهج ورؤيا وتخطيط ثم مخاطرة وتنفيذ هي إذن أكفان تحمل قبل القرار وقبور تحفر قبل المسير إلا الثورة المصرية هي ثورة نبت حصادها على حين غفلة من ثوارها وتنامت ثمارها كلما هزها نسيم التغير هي أشبه بالمعجزات فمن ارض الميدان شُيع نظاما بأكمله ومن ارض الميدان دكت العروش الواهية بفعل تآكل أعمدتها ثورة قام بها ملئ البطون والجياع نيام فهي إذن على غير المألوف من كلاسيكيات الثورات فالجوعى الذين تشبعوا عقدا وقهرا وإحباط صاروا أكثرا ولاء للنظام من تلك الطبقة التي خرجت من اجل ما هو في نظر الفقراء رفاهية وهى الحرية والعيش بسلام إننا شعب داءه داء كما أن دواءه دواء إذا شفى يشفى من حوله وإذا مرض يمرض من حوله وتلك التركيبة النفسية المعقدة والتي سرت بين شرايين المقهورين والمحبطين جعلتهم في حالة من التبلد واللامبالاة لدرجة أنهم لا يعيهم أين تسير أفلاكهم فتحولوا إلى أشياء تعيش من اجل مماتها وتموت من اجل عيشها فأفرزت جيلا توارث الإحباط والمعاناة مع اكتساب بعض صفات التسلق والتمرد المحسوب فدارت عجلة الصراع داخليا بفعل الجهل والمرض والفقر المتعمد ونمت بؤر التمركز القهري لأجساد تتصارع من اجل فناءها دون النظر إلى القضاء على تلك المعامل التي تمارس نشاطها لخلق تلك الظروف وبحسبة بسيطة غير معقدة تجد أن أكثر المناطق هدوءا أثناء الثورة هي تلك المناطق التي مورس فيها القهر والتهميش والفقر والبطالة فقد كان المورث اكبر من أي تمرد ومن أي تغلغل للنفس بالثوران فانفردت الثورة بفاعليات الطبقة المتوسطة الغانمة الحالمة المنطلقة والتي لم تتمكن فيها بعد عوامل الانحدار ستة ابريل علامة مميزة وفارقة لتلك الطبقة ثم خالد سعيد وعودة لذي بدء الأماكن الراكدة والهادئة أثناء الثورة وهى غالبا في المحافظات الفقيرة والمهشمة والمغيبة ليبدأ الصراخ من القاهرة ميدان الموتى ( التحرير ) إلى كل الميادين فيبدأ الدفء الثوري يتغلغل على استحياء بين عروق هؤلاء حتى تكتمل الثورة التي تاهت بين متناقضات مفهومها وغزل حلامها وتنتهى بتوهان صناعها الثورة التى أبهرت العالم من روعة نسجها واقهرت القائمين عليها إن المجال الضيق لصناعتها اعتم الرؤى في من له أحقية استلام رايتها وبُعد الحلم في التغير افقد التخطيط لقيادتها ، فدخلت أحزاب وتكتلات لصناعتها واكتساب مواقع فيها حتى النظام المنهار نزل إلى واقعها ينافس على صناعتها لاستردادها حتى صار الكل جزء من النظام الراحل قهرا وجزءا من الثورة هذا هو الإبداع لشعب يصنع ما يُبهر ولا يبهره شئ ،إرادته غير محدودة وتوقعاته غير متوقعة وصناعته لا يمل منها هذا التناقض الذي حير العالم هو في كون الثورة راقية لشعب فقير معدم يكاد يتسول المساعدات من هول ما يعيشه فالواقع يقول أن ثمة ثورة في مصر ستقوم والحلم في الجيش والثائر هو الفقير ثورة يهيج فيها الفقير المظلوم ليحرق الأخضر واليابس ويأتي على أركان لعنته فيحطمها ويحرقها ولكن يفاجئ العالم بأن الثوار ما عادوا هم من رسمت لهم لوحة الثورة ولكن الثورة هي لطبقة تأكل وتشرب وتتعلم وتتمتع وتعيش في حين أن الفقراء ساعة انطلاقها كانوا في الأسرة نائمون أو متنائمون ثم تم استدعائهم بالحس الوطني وليس بالوخز على وجيعتهم فقاموا ثائرين ضربوا مثلا آخر للرقى والتحضر واثبتوا بأنهم ليسوا ناقمين على وطن ولكن نقمهم على من صنع متاريس هذا الوطن ورغم تغلغل مشاعر الفرح على استحياء وافتقاد الثورة للنهج الثوري الكامل من عوامل خارجية إلا إنها كانت ثورة بدأتها الطبقة المترفة ثم لحق بهم الفقراء ثم لحقت بهم التنظيمات ثم لحقت بهم أنصار النظام السابق ثم بقية الأمصار هذا لأنه وطن يسكن بين جوانح الجميع ويرث فيه الجميع وما يأتي يتقاسم ثماره الجميع إنها مصر التي لا يضلها التاريخ أبدا أو يهجرها