<!--
<!--<!--
البيئة وتأثيرها على السلوك الإنساني والظروف التي ينشأ فيها الفرد والتي تقهر ذاك السلوك والحاجات والإشباعات الذاتية وتسيرها له تلك هي بعض العوامل المتحكمة في تصرفاتنا وفى بلد كمصر ما تراه فيها لا تراه في غيرها وخاصة حينما يستحوذ الحاكم فيها على مقدرات العقول وتأهيلها وتثبيتها على النفاق والرياء فأنت حينئذ تحتاج لقدرات عقلية تفوق القدرات العادية لتتبع سلوك البعض فهناك خطوط حمراء تكونت داخلنا لا يمكن خذلانها أو التأرجح عليها وهى أن أمانة المثقف والوثوق في عقله وتفكيره وتعاليمه قريبة جدا من العقيدة التي نعتقدها وفى ثقافتنا الموروثة منذ عقود و التي ثبت عدم جدواها أن المثقف والمتعلم حينما يتكلم يرقى لدرجة الأنبياء والأولياء في التأثير ومن هنا تشكلت الاتجاهات والحركات والايدولوجيا الفكرية التي تحزب من حولها الناس وتجمعوا وبايعوا صاحب الفكر وعاهدوه على الولاء وهذه البيعة الغير موثقة تتمثل في اعتناق أفكاره والترويج لها وجمع المريدين من حولها والذين تصدروا المشهد الثقافي لتلك الأفكار هم اصدق الناس في ثقافتنا وأولى بالاستماع والإتباع والتصديق فهم في نظرنا أناس فاقت قدراتهم العقلية قدراتنا واستوعبوا الهياج الذي يحيط بنا وفسروه لنا وألموا بالمحبطات والانكسارات التي حملوها عنا إن جمر التفكير و الكتابة عند المثقف تشبه حالات العسر في الطلق فهي معاناة وعذابات إلى أن تضع كل ذات حمل حملها وهى أيضا طريق ملئ بالخوف والإخفاقات والتعثر في سبيل إنتاج مولود يسرى في شرايين الأمة ليعيد بعثها للحياة وتلك هي الرسالة المميتة للكاتب أو المثقف أو الإعلامي أو المفكر فهو شخص يشعر بالخوف والقلق والتوتر على أمته المتمثلة في بيئته وأسرته ومجتمعه وهو غالبا ما يكون غير سعيد ولا يهنئ بحاله وحال من حوله وهى تلك قمة إبداعاته إن جمر الكلمة عند المثقف تخرج من براكين تغلي في جوفه فتتكون وتتبلور في صورة إبداع يحمل هموم وطنه فهي عنده ترانيم أو طقوس لا تخرج بكمالها إلا بقدر معاناتها وهذا هو سر تأثيرها وسريانها وهى سر الحياة هي إذن خلق من خلق الله تبعث في الشعوب أرواحهم إن النخبوي المثقف هو راهب في ديره رهين أفكاره التي تأسره وتتوهه وربما تذله وهو في عداد المجانين أحيانا هذا الكائن المنعزل المضطهد والذي يعانى دائما من غباء السلطة وإحباط المجتمع يواجه إحباطا وإخفاقات تتولد داخله كثائر يثور ولا يهدأ وهنا يجب الوقوف والسؤال حول صناعة المثقف الذي من المفروض أن يصنع بدوره جيلا من الرواد والمريدين ... وبعد ثورة 25 يناير في مصر تفاجئ بتلك النظرية المعكوسة لمفهوم المثقف أو النخبوي الذي تجده يلهث وراء رذيلة نفسه وإذلالها أمام بلاط القصور ويتحول إلى مهندس صناعة نظام وصناعة أطماع وصناعة نفس رديئة تغلبت على نفسه وغالبا ما يتم تجميع هؤلاء المثقفين بعد اصطيادهم وتأهيلهم وتلميعهم وإثقال خبراتهم وتقديمهم للمجتمع الأسير بطبعة تحت وطأة النظام ليصبحوا سلعة رخيصة بقيمة عالية هؤلاء هم صناع النظام غازل فيهم الأطماع والمصالح ليتحولوا إلى جنود وربما من جنود الصفوة في الدفاع عنه إننا أمام حالة استثنائية للمثقف المصري المعتاد الذي تخلى عن أمانة الكلمة واعتنق فكر ربيبه يزود عنه ويدافع عن بقائه لتتحول الثقافة إلى أزمة مثقف هانت عليه الأوطان والمبادئ ليقف أمام حدود مصالحة وولائه لأسياد إن الأيدلوجية التي اتبعها النظام السابق في صناعة النخب والكوادر أفرزت طائفة من المثقفين تحولوا إلى راقصين أو عازفين فأهانوا أنفسهم وأهانوا بلادهم وأهانوا شعوبهم لأن الولاءات التي تبنوها كانت قائمة على الأنا ، هذا النموذج الفاسد أي كان وفى أي مكان افرز نخب فاسدة واقل ما يقال فيها أنها حولته إلى رق تعتقت فيه العبودية يصعب تحريره وان زال النظام الذي أوجده أو رحل إن منهجية تصفية الحسابات والقلق على المكاسب والمغانم التي حققت في ظل نظام فاسد جعلت بعض النخب تتعرى بعد زواله وهم بذلك أشبه ما يكون بمن فرطت في عرضها من اجل نزواتها وبدلا من إن تتوب امتهنت الدعارة لعظم ما فرطت به وأنت تتابع الفضائيات وتتتبع مجرى الأمور في مصر تصطدم بالوجوه المشوهة والعقول الملوثة والتي كانت يوما تمثل مثلا تسعى إليه وسرعان ما تتكشف الأمور فتزول الأقنعة عن نخب ظلت تمارس دور خصص لها ورسم لها تلك الوجوه المشوهة والمأجورة والتي لا تمانع في بيع وطنها مقابل تأمين أخطائها والتعتيم عن ريائها ونفاقها وعدم البحث في الغرف المظلمة التي تربوا فيها ولذا يجب الوقوف والتفكير في هؤلاء الذين تم تصنيعهم في معامل النظام وفى مختبراته لتهجينهم إننا أمام حالة فريدة ومن نوع فريد لبعض المثقفين المصريين الذين جعلوا الأمي والغير المتعلم فخورا بنفسه لأنه رغم ظروفه لم ينكسر أو ينحني مثل ما فعل هؤلاء ويجب علينا إعادة صياغة لمفهوم النخبوي والمثقف تتناسب مع إفرازات النظام السابق لطبقة من المثقفين والنخب تخجل إن تتداو لهم في الحديث إننا أمام وطن مأزوم ومصدوم بهؤلاء وطن انحنى لدرجة الانكسار بفعل أبناءه لا أعدائه إن ما يفعله هؤلاء من من جرائم تلويث العقول هي جرائم بحق تفوق جرائم البلطجة والفوضى ولا تتناسب أفعالهم مع ما يلاقيه هؤلاء من عقاب هذا إن كان هناك عقاب على تلك الجرائم بالفعل إن العبث بالعقول يعنى العبث بالأمة وان تلويث العقول وتوجيهها لأغراض وأهواء تعبر عن مصالح النخبوي أو المثقف وتجعله أجير للنظام وعبدا له ولا تعبر عن قناعاته هي بالفعل جرائم يجب أن ترقى عقوبتها للإعدام لأنها تفرز جيلا معاقا ذهنيا وتفرز امة معاقة أيضا مما يترتب علية مجتمع متخلف ووطن مفكك ويتحول الوطن إلى صفقات ترقى لدرجة المتاجرة به أو بيعه أو تأجيره