محمد عصمت فرج

مقالات في التكنولوجيا وتنمية المجتمع والحضارة والإنسانيات


بعد أن نشرت بعض المواقع السجلات الطبية الخاصة بالنائب أنور البلكيمى والتي تؤكد كذبه في بلاغه، أقام بعض النشطاء - منهم الأستاذة نوارة نجم - الدنيا على هذا التصرف باعتباره منافيا لأخلاقيات المهنة الطبية.

وقد تعلمنا قواعد فكرية هامة من علم أصول الفقه، والتي يؤخذ بها في القضاء أيضا، ومنها: أن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، فلن يصح حكمنا على تصرف ما إلا لو علمنا كيفيته في سياقه، ولانحكم عليه من جانب واحد من الحقيقة. وهو ما أحاوله في هذا المقال.

أولا: ستة جوانب من الحقيقة في حادثة البلكيمي:

1- لا يجوز كشف أسرار أي مريض
هذه قاعدة لا خلاف عليها.

2- لا يجوز التستر على فساد
خاصة الذي يتعلق باستغلال النفوذ من شخصيات عامة لها حيثية أو حصانة أو منصب أو مركز اجتماعي أو وظيفي، خاصة لو كانوا في وضع تمثيلي للأمة مثل نواب المجلس التشريعي الذي يشرع ويراقب، حماية للمنصب من الفاسدين وووفاءً لثقة الناخبين.
هذه قاعدة لا خلاف عليها أيضًا.

3- لا يجوز السكوت على إنقاذ بريء من فقدان حريته وراء القضبان، ويجب تحرير المظلوم أيا كان في أي وقت. بل إن الدين الإسلامي حرّم حبس الحيوانات وليس فقط الإنسان.
هذه قاعدة لا خلاف عليها أيضًا.

4- عندما يفقد أي مواطن الثقة في النيابة - بدرجة أو أخرى - والاشتباه في شبهة أو احتمال تواطوء بين سلطتين في أن الإدلاء بأوراق رسمية من أجل الصالح العام وإنقاذ الأبرياء قد ينتهي به المطاف إلى "درج النائب العام"، سيتوجب على المواطن نشر المستندات أمام الرأي العام، فيما يشبه المحاكمة الشعبية السريعة الناجزة التي تحرر الضحايا من الحبس والتعذيب.
هذه قاعدة لا خلاف عليها أيضًا ومورست كثيرا فيما لا يحصى من القضايا العامة والخاصة.

5- سوء استغلال النظام والقانون
system and law abuse
الخاص بحماية الخصوصية وأسرار المريض، والتي تفرضها أخلاقيات الطب أيضا، وبما يؤدي - أي هذا الالتفاف عليها والاستغلال لها - إلى تدمير أخلاقيات المجتمع وإيذاء الأبرياء ونشر الفساد في النهاية؛ قد يأتي القانون - الذي وضع من أجل الصالح العام للمجتمع - ليعالجه بنقيضه، تماما كما يبيح القانون بإذن النيابة تسجيل المكالمات الخاصة - وهو انتهاك لحرمة الحياة الخاصة - لضرورة كشف فساد أو رشوة أو تحرير أبرياء من حكم ظالم.
فالقانون والقواعد الأخلاقية تحمي المجتمع من أن يساء استغلالها ضده وضد القيم في حقيقة الأمر.
هذه قاعدة لا خلاف عليها أيضًا.

6- الضرر الخاص يتحمل من أجل دفع الضرر العام
هذه قاعدة شرعية أخرى تجعل الجندي "يضطر" أن يضحي بحياته وحياة كتيبته ويتحمل الضرر الخاص عليهم فداءً لبقية الجيش أو لأمان الأمة.
وتجعل الطبيب "يضطر" لكشف فساد شخص من أجل إنقاذ مئات الأبرياء.
وهكذا كل قضايا الفساد: يضار فاسد من أجل حماية بقية المجتمع، وليس العكس.
هذه قاعدة لا خلاف عليها أيضًا.

ثانيا: تكييف الواقعة في سياقها
الآن حينما ننظر للحادثة من زواياها هذه كلها، محاولين "تكييفها الفقهي أوالقانوني" - بفهم "كيفية" حدوثها - ونعلم أن الطبيب/المستشفى الذي نشر الأدلة الموقعة بخط يد النائب:
- رأي مئات يرمون في الحبس - بظروفه غير الآدمية التي تعتبر تعذيبا وإهدارا للكرامة وعقوبة مجانية في حد ذاتها!- وهو يملك مفتاح إنقاذهم.
- رأى نائبا استأمنه هؤلاء المواطنون ذاتهم على حريتهم وعدالتهم الاجتماعية وكرامتهم فإذا به لا يراعي هذه الأمانة، وبدلاً من أن يكون حاميا لهم كان سببا في تعذيبهم وسجنهم وتشويه سمعتهم وسط الناس وربما الفصل من وظائفهم!
- رأى استغلالا فاحشا للنفوذ والسلطة وتسخيرا لجهاز الشرطة في وهم واختلاق، بل ربما بداية تواطوء وفساد بين نواب الشعب الجدد والشرطة الخانعة أو النيابة، قياسا على الأداء في قضايا فساد النظام السابق.
- رأى تدمير لقيم الثورة وأمانة دم شهداء مصر من نواب "برلمان الثورة!" لأغراض شخصية بحتة، في مفارقة أقل ما توصف به أنها: بشعة!
- رأى أنه لن يمكنه الحياة بضمير مستريح وهو يشاهد شبابا يعتقل بالأيام وتدمر سمعته وربما يفصل من عمله بسبب سكوته عن النشر، أو بسبب تلكوء محتمل من النيابة وبقية الجهات المعنية، مراعاة لخاطر النائب وسمعته ونفوذ مجموعته الحزبية.

فقام بتحرير الأبرياء فورا، و"اضطر" لنشر سجلات المريض، في حالة "دفاع شرعي عن النفس" بالنيابة عن مئات المحتجزين وأسرهم! وإدلاءً بالشهادة المأمور بها شرعًا وقانونًا وأخلاقًا.

ثالثا: هل أخطأ الطبيب بنشر سجلات المريض النائب
هذا السياق الذي ذكرته: يشفع ويبرر كشف هذه السجلات، التي هي سرية في الأصل، ولكن قد "يجب" قانونا وشرعا وأخلاقا أن يتم كشفها للرأي العام - وليس فقط للنيابة - خاصة في هذه الظروف - لإنقاذ مئات الأبرياء الذين أضيروا في حريتهم وسمعتهم.

رابعا: أمثلة توضيحية
ولو طبقنا المعايير العوراء - التي تغفل عن السياق المخالف لأهدافها هي نفسها- لعاتبنا كل طبيب:
- كشف عن تقارير علاج زوجة د. أحمد نظيف وغيرها في عمليات تجميل على نفقة الدولة بالخارج.
- كشف عن تقارير وسجلات مرضى السجون والمعتقلات التي تدين أطباء التعذيب.
- كشف عن تقارير صحة مبارك أيام كان رئيسا.
- كشف عن تقارير بيع عمر أفندي - لأنها أسرار شركات طبقا لاتفاقيات العقود!
- كشف عن تقارير فساد أجهزة الدولة والوزارات المختلفة، لأنها تحكمها "أخلاقيات سرية وثائق العمل".

فهل ما زال الثوار يدينون ما قامت به المستشفى لحماية أخلاقيات المهنة التي تقضي - في الوقت نفسه - بعدم التستر على فساد أو سوء استغلال للمؤسسات الطبية في جرائم؟

محمد عصمت فرج
___________________________
وثائق علاج البلكيمي المنشورة

القبض على 200 مشتبه فى تورطهم بحادث "البلكيمى"

القبض على 30 مشتبه بتورطهم في حادث ''البلكيمى''

النيابة تطلب رفع الحصانة عن البلكيمي لمواجهته بأقوال طبيب التجميل

مفاجأة قضية البلكيمي.. مدير مستشفى سلمى: نائب النور أجرى عملية تجميل في انفه قبل إعلانه الاعتداء عليه

بالفيديو..بكار يروي تفاصيل “ليلة فصل البلكيمي” : أصر على رواية “الاعتداء”.. واضطرابه النفسي “ليس شماعة”

بالفيديو.. طبيب البلكيمي لـ"بوابة الأهرام": لدى مستندات تؤكد إجراء عملية تجميل للنائب

ساحة النقاش

محمد عصمت فوزي محمد فرج

mohamedesmatfarag
- مدير مواقع وتسويق إلكتروني. - مترجم تقني ومهندس تعريب للبرمجيات الحرة والمصدر المفتوح. - دراسات عليا في تصميم وتكنولوجيا التعليم - أمريكا. Emporia State University - ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية. جامعة القاهرة. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

39,957