التائهون فى هذه الحياة
إن التائه ليس من ضل الطريق، ولكن التائه الضائع هو من تاه عن سبيل الهدى والرشاد, قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). التائه الضال هو من طلب العز من الناس، ولم يطلبه من الله، فمن فعل ذلك فقد ضل وأخطأ الطريق، ومن أخطأ الطريق لم يزده سيره إلا بعدًا عن الله عز وجل.
فهذا هو التائه حقًّا إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان، ويسلك الطريق المستقيم، طريق الله ورسوله r وأصحابه الأطهار الأخيار، رضى الله عنهم، فإذا قلت: لا إله إلا الله، طالبك الله بها وبحقها، وحقها ألا تنسب الأشياء إلا إليه، وتعتقد اعتقادًا جازمًا لا شك فيه، بأنه الخالق لنا ولا يجرى شىء فى ملكه إلا بعلمه وإذنه، وأن تصريف جميع الأمور فى الكون منه وإليه، فالله تعالى يقول فى كتابه العزيز عن طائفة ضالة مضلة: (طَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىء قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).
ومثال من يشهد للمخلوقين، أو يعتقد أن للناس أفعالاً حقيقية يعملونها، كمن ضرب الكلب بحجر، فأقبل الكلب على الحجر يعضه ويخدشه، ولا يعرف أن الحجر ليس بفاعل ولكنه آلة فى يد فاعله. كذلك حال من يعتقد أن الضرر جاءه من العبيد، فيكون هو والكلب سواء، ومثال من يشهد أن الإحسان من المخلوقين، فيتذلل لهم، ويتقرب إليهم طمعًا فيما عندهم، كالدابة إذا رأت سايسها، ومن يقوم بخدمتها وعلفها، بصبصت إليه، وحنت عليه، ويقترب منها سيدها، ومالكها فلا تلقى إليه بالاً، وربما نفرت منه، وركلته برجلها، جهلاً منها أنه مالكها، وسبب نعمتها، وصاحب خيراتها، فهى لقصر عقلها لا تستطيع أن تميز بين العبد والسيد. فإذا كنت أيها العبد تعتقد أن الخيرات التى وصلت إليك هى من الناس، وأنهم أصحاب الجميل عليك, فأنت والدابة سواء, وأنت التائه عن طريق الحق والصواب. فصحح يا أخى أوضاع عقلك، وثب إلى صوابك، ورشدك؛ حتى تشهد ورود الأشياء من الله المنعم المنان.
ولا تشهدها من غيره، وإنما أجرى الله نعمته على يد عبد من عباده، ولا جميل للعبد قط، إلا خدمة توصيلها إليك. فاشكر ربك قبل عبده، واحمد الله الذى من عليك بهذه النعم, وعطف عليك قلوب عباده.
وإياك يا أخى وذهول القلب عن وحدانية الله تعالى فى كل لحظة من حياتك، فأول درجات الذاكرين استحضار وحدانية الله تعالى، وما ذكره الذاكرون وفتح عليهم إلا باستحضارهم ذلك, وما طردوا من رحمته إلا بذكرهم مع غلبة ذهول قلوبهم, وإعراضهم عن الله, واستعن على ذلك بقمع الشهوتين البطن والفرج، والسير على طريق أهل الحق والصواب من الأنبياء والمرسلين, والمؤمنين الصالحين, قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
ساحة النقاش