العبد بين الذنوب والاستغفار

اعلم أنك إذا أردت النجاة فى هذه الحياة، فلا بد لك أن تجتنب الذنوب ما ظهر منها وما خفى، وإياك أن تستغفر من الذنب، ثم تعود إليه وتصر عليه، فإن مثال من يكثر الذنوب والاستغفار، كمثل من يكثر شرب السموم، ويكثر استعمال الترياق ـ الدواء ـ فيقال له: ربما لا تصل إلى الترياق مرة، فيأتيك الموت قبل الوصول إلى الدواء. أنت ربما يأتيك الأجل بعد الذنب، وقبل التوبة، فتموت عاصيًا مذنبًا، وهذا خطر عظيم.. ومن لم يترك المحرمات لم ينفعه القيام بالواجبات، كالمريض إذا لم يترك الطعام، ويحتمى منه، لم ينفعه تناول الدواء.

وكالذى يريد أن يطهر ثوبه وهو ملقى فى النجاسة، فلا يستطيع أن يطهره، أما إذا أبعد الثوب عن النجاسة وحفظه منها، فإنه يمكنه أن يطهره بيسر وسهولة، مثال الذنب عند أرباب البصائر، وأهل الورع كجيفة أدخلت الكلاب خراطيمها فيها أرأيت إلى غمس رجل فمه فى جيفه أفما تعيب عليه، وتستقذره.

فكذلك حال من وقع فى الذنب، ولم يتب منه، ولم يقلع عنه، كمن ينهش فى جيفة قذرة، والمتنجس القدم، وصاحب الثوب القذر، لا يصلح لمجالسة الملوك والأمراء، فكيف بمن تنجس فمه، أيصلح للحضرة الربانية؟

ومن يتنجس فمه بأكل الحرام هل يصلح لمناجاة الرحمن؟ كذلك أنت تكون فى حضرة الله ملوثًا بمعصيتك، تأكل الحرام، وتنظر إلى الحرام، وتفعل الحرام، وتضمر السوء، وتظن أنك من الواصلين؟ كلا..

فمن يفعل المخالفات، وينغمس فى الشهوات، ويرتكب المحرمات، يظلم قلبه، وتخبث نفسه، وينقص إيمانه. فإذا لم تتب يا أخى حال الصحة. ربما يبتليك بالأمراض والمحن حتى تخرج نقيًا من الذنوب، كالثوب إذا غسل بالماء، وكوى بالكهرباء، لتزول عنه الأوساخ والشحوم، وتعود إليه طهارته ونقاوته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار، فمنهم من يخرج كالذهب الأبريز، فذلك الذى حماه الله من الشبهات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود، فذلك الذى افتتن"

واعلم أن مثال الإيمان فى القلب، كالشجرة الخضراء فى الأرض، فإذا انقطع عنها الرى والغذاء، واشتد عليها الحر والظمأ، وهبت عليها سموم الصحراء، يبست وسقط ورقها، وأصبحت لا تصلح إلا حطبًا للنيران.

كذلك شجرة الإيمان إذا انقطع عنها فعل الطاعات، وعمل الصالحات، وهبت عليها رياح الذنوب، وحر السيئات، يبست وفرغ إمدادها، وذبل عودها، وخيف عليها الموت والهلاك.

فمن أراد القيام بالواجبات فليترك المحرمات، وليغلق عنه باب الذنوب والسيئات.

ومن ترك المكروهات أعين على تحصيل الخيرات، ومن ترك المباحات فتح الله له باب الطاعات، وأعانه على عمل القيام بالواجبات ووسع عليه توسعة لا يسعها عقله، وأباح له حضرته، وأشرق نور الإيمان فى قلبه، وظهر أثر ذلك كل على جوارحه وأعضائه، وحركات نفسه، وكلمات لسانه، وارتسمت أمارات الإيمان على وجهه، فمن هيئت له المنازل، لم يرض له بالقعود على المزابل.

عن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى.. ألا وإن حمى الله محارمه. ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهى القلب" .

واعلم أنه لا شىء يخجلك يوم القيامة، مثل درهم، اكتسبته من حرام، أو أنفقته فى حرام. ومما يخاف عليك موالاة الذنوب، والإصرار عليها، ليستدرجك فيها, قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) .

فاتق الله أيها المؤمن، وحافظ على دينك، كما تحافظ على سمعك وبصرك، وابتعد عن الذنوب، كما تبتعد عن الأمراض الفتاكة، والجراثيم المهلكة، ولا تقترب منها وتعتمد على التوبة بعدها، فإن الوقاية خير من العلاج، وربما قضى عليك بالذنب، ليخرج منك الكبر والعجب، فإن الرجل قد يصلى ركعتين يعتمد عليهما، ويعجب بهما، أو يحج بيت الله ويعتمد على ذلك، فهذه حسنة أحاطت بها سيئات، ورب رجل يقع فى المعصية، فتكسبه ذلة وانكسارًا، ويديم المسكنة والافتقار فهذه سيئة أحاطت بها حسنات.

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 469 مشاهدة
نشرت فى 11 أغسطس 2011 بواسطة mohamedalkady

ساحة النقاش

الدكتور/ محمد محمود القاضي

mohamedalkady
موقع شخصي يهتم صاحبه باللغة العربية ودراساتها، والثقافة الإسلامية، والثقافة العامة، والتأليف للطفل. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

240,155