الأقباط والانتخابات الرئاسية
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
18 مايو2012
01227435754
هَانَتْ والحمد والله. أسبوعا آخر "وَأَهْمَدْ" وأتوقف نسبيا عن كتابة هذه المقالات التي يمثل هذا المقال منها المقال رقم 148 منذ مارس 2011 تقريبا. مصر كان لها صاحب واحد قبل الثورة، هو مبارك ويشاركه كهنته ومنتفعوه بمن فيهم تلك الحفنة التي ذكرتنا بمجتمع النصف في المائة الذي كان سائدا في عصور الإقطاع وبصورة أكثر شراسة. كم من الأقباط كانوا من ضمن تلك الحفنة مصاصي الدماء؟ الحمد لله أني لا أعرف قبطيا مسيحيا واحدا كان من هذه الطغمة الفاسدة الباغية. ومع هذا كان مبارك يوهم الأقباط أنه يحميهم في الوقت الذي لم تشتعل فيه نيران الفتنة الطائفية ويتعالى لهيبها إلا في عهده الملعون. وربما ظن أحبتي الأقباط أنهم كانوا محميين في عهد هذا الطاغية، وهذا ما لا أتفق فيه معهم على الإطلاق.
مصرنا المحروسة بعد الثورة الحبيبة التي أبلى فيها أقباط مصر المسيحيون بلاءً حسنا جنبا إلى جنب مع أشقائهم المسلمين في كل مكان وفي كل حين لم يكن لها صاحب، وربما تقول العكس أصبح لها مائة صاحب من الإخوة الأعداء. سواءً كان الحال أيا من الحالين، آليت على نفسي ألا أترك مصر دون أن أكون أحد أصحابها هؤلاء وهي تتمزق وتتألم من صراع أبنائها حول عطاياها ونعمها. أَمَا وقد اقتربت الانتخابات الرئاسية، فسيكون لمصر حارس شرعي واحد يتمثل في رئيسها المنتخب انتخابا نتمنى أن يكون نزيها بإذن الله. وهنا سأتوقف نسبيا عن هذه المشاركة السياسية الثقافية وأركز مرة أخرى علي عملي المهني مشاركا ومعاونا للدولة المؤسسية الجديدة، وأيا كان اختيار الشعب مُمَثلا في حمدين صباحي، وهنا فلينعم الشعب باختياره، أو مُمَثلا في شفيق أو عمرو موسى، وهنا فليشرب الشعب مرارة هذا الاختيار، ولكن حينئذ، وفي هذه الحالة الأخيرة، سنتوجه نحن أحرار مصر وعشاقها وعشاق شعبها إلى حزب الدستور ونشارك أيقونة الثورة الحبيبة الدكتور البرادعي في إصلاح ما أفسده الفلول وأعمدة الثورة المضادة.
أولا، أنا شخصيا لن أمدح في نفسي، ولكن ربما يلزم في هذا المقام أن أدعي أنني من أكثر المحبين فعلا لإخوتي المسيحيين، وهذا رَدٌ جميل لهم لخلقهم واستقامتهم وأمانتهم وسلوكهم وفضلهم علينا كمدرسين لنا في مختلف مراحل التعليم، وسأكتفي بهذه الكلمات فقط، وربما أدعو القارئ القبطي بالذات أن يقرأ المقال التالي حتى يتعرف على مكنونات كاتب هذا المقال، والمقال بعنوان "أخي الحبيب القبطي .. هنيئا لنا ما فعلت":
http://kenanaonline.com/users/mngamie/posts/329343
وبدايةً، قبل أن نتحدث عن توجهات الأقباط لاختيار الرئيس الجديد بعد الثورة الحبيبة، أود أن أشير إلى بعض الاعتبارات المتعلقة بإخواننا الأقباط حسب رؤيتي الشخصية:
- أقباط مصر ليسو أقلية، أولا لأنهم أصحاب هذه البلد الأصليين بمن فيهم من اعتنق الإسلام، فأصبح هناك القبطي المسيحي والقبطي المسلم. ثم لأن "الأقلية" بالمصطلح العلمي ليست أقلية عددية فزنوج جنوب إفريقيا قبل تحررها كانوا هم الأقلية بالرغم من كثرتهم العددية، ويهود أمريكا الذين كانوا أقلية إبان اضطهادهم وعزلهم لم يعودوا كذلك الآن بالرغم من قلة عددهم حتى الآن.
- أقباط مصر المسيحيون بالرغم من اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وبالرغم من اختلاف توجهاتهم الإيديولوجية والسياسية، فهم لا زالوا فئة أكثر تجانسا وترابطا ووعيا بخصوصيتهم وأكثر تقاربا بالنسبة لعقائدهم، ومن ثم فهم في إمكانهم توحيد توجهاتهم بدرجة عالية نسبيا، وهذا لمما يوضح توجه معظمهم لاختيار شفيق أو عمرو موسى كرئيس مصر القادم بدرجة كبيرة لا تتعدى فقط مجرد الزيادة عن 50%.
- أقباط مصر المسيحيون درجوا على الانعزال السياسي بدرجة كبيرة نسبيا، وانشغلوا بالتجارة ومزاولة الأعمال التجارية والاهتمام بالاستثمار والأنشطة المالية، فأصبحوا بالفعل يمتلكون، بحق وكفاءة وشرف، قطاعا أكبر بكثير من "فطيرة" الاقتصاد المصري، وذلك بالمقارنة بعددهم ونسبتهم المئوية من السكان المصريين.
- أقباط مصر المسيحيون، حُرِموا بالفعل من حقوق المواطنة العادلة ليس فقط لهيمنة المسلمين على مواقع ومستويات الحكم، وإنما أيضا بسبب الاختلاف والانشقاق الطائفي الديني الذي اشتعل بصورة خاصة في الخمسين سنة الماضية، وقد أدى هذا إلى تحول الأقباط وخاصة بعد الثورة إلى محاولة الخروج من انعزالهم التقليدي عن المشاركة السياسية.
- أقباط مصر المسيحيون ليسوا مجموعة صغيرة فهم يقاربون 8-12 مليون نسمة، وهم بذلك أكثر بكثير من دول عربية وأجنبية. وهذا لمما أدى إلى توجه معظم مرشحي الرئاسة لاستقطاب تأييدهم في معركتهم الرئاسية سعيا لمصالحهم وليس بنفس القدر حبا فيهم.
الخلاصة: إخوتي الأحبة أقباط مصر المسيحيون: من منطلق الوطنية والمصرية ومن منطلق حبي لكم وثقتي في رصيدي المتواضع لدي معارفي منكم أتوجه إليكم بالتالي:
أ. استيقظت مصر واستيقظ شعبها على الدخول في دولة عصرية يسعد فيها النبات والحيوان قبل البشر، وذلك بميلاد الثورة الحبيبة، فلا تشاركوا في إجهاضها كما فعل الإخوان المسلمون، كما قلت ولا زلت أقول بصوت عال، ومعهم أذنابهم من دعاة ما يسمى بأكذوبة "الإسلام السياسي".
ب. لا تجهضوا الثورة الحبيبة بتوجهكم لانتخاب أعداء تلك الثورة، شفيق أو وموسى، الأول يعلنها صراحة ودون مواربة، وهو يثق في "دعم الفلول" "السوبر سخي" أو تزوير الانتخابات، وهو في الحقيقة قد "دُفِعَ" أو ربما اختار لنفسه مصيرا يبدو أنه سَيَفْرِض على نفسه الحساب العسير مستقبلا، والأفضل له أن يفلت بجلده وينسحب الآن وقبل بداية الانتخابات الرئاسية ويستمتع ببقية حياته كما يشاء. أما عاشق الفخامة "سيدنا" عمرو موسى فيريد أن يجعل أزهى أيام عمره آخرها في القصر الرئاسي، ويتمنى ويريد حكما رئاسيا لا مختلطا أو برلمانيا حتى تكتمل أبهة متعته بالأمر والنهي، وعشق السلطة التي لا يعتقد أنه نال نصيبه المستحق منها.
ج. لن يحمينا الجيش، ولكن الذي سيحمينا هو حبنا لبعضنا، حب الشيخ عماد لمينا دانيال، وحب سلمى لبهاء، والذي سيحمي مصر سيادة القانون وشرطة ما بعد الثورة (في خدمة الشعب) وشرطة مكافحة الشغب، ليس الجيش كما يدعي شفيق. ولن تحمينا القوانين والتشريعات التي يعدنا بها عمرو موسى لأن القوانين والتشريعات الذي سيضعها هو مجلس الشعب المدجج بالإسلام السياسي، فماذا تتوقعون من تلك التشريعات. إذن لا شفيق ببطشه، ولا عمرو موسى بتشريعاته ودهائه الأناني، ولكن هو الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحمينا من قبل أن تكون عقولنا ورشدنا السياسي والثقافي الثوري.
د. تحاك المؤامرات الآن بكل بذخ وخسة وقوة في الخفاء، وبمشاركة من لا نتوقع أبدا، بحيث تحكم مصر بنفس نظام مبارك، أو على أسوأ الاحتمالات على أساس مصرستان (تحالف العسكر والإخوان) كما تريد أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الرجعيون بمصر والبلاد المجاورة. والتحدي أمام الشعب المصري ألا تنجح هذه المؤامرة الخسيسة التي ستعطل من عمر التنمية والكرامة والحرية. ولكن هيهات فكل هذه القوى الرجعية العتيدة هي التي تسير ضد تيار الشعب الذي بدأ يستنير ويكتشف نفسه، والذي عرف طريقه.
ه. دعنا نعمل معا، ونترك الباقي على الله. حمدين صباحي، إذا لم يتحالف ولو في اللحظات الأخيرة مع أبو الفتوح ويكونا بذلك قد وجها الضربة القاضية لهذه المؤامرة الخسيسة، هو فقط، هو صباحي فقط، الذي يجب تأييده لأنه هو الأكثر قدرة على حمل راية النهوض بمصر وإتمام ثورتها بحنكة وذكاء. وَدَعْكم إخوتي الأقباط من أنه اشتراكي أو ناصري أو تأميمي أو معطل للقطاع الخاص، فهذه كلها اتهامات باطلة يروجها أعداء الثورة. دعونا نزرع الفسيلة بتأييد حمدين صباحي لأنها ستكون القيامة والطريق إلى الجحيم لو تحولت مصر إلى "كتيبة شفيق" أو إلى "تكية موسى" أو "مصرستان مرسي".
أرجوكم أقباط مصر، والله مصر تنادينا جميعا، فلا تساهموا في غرق مصر.
ساحة النقاش