الإسلام والإخوان وبور سعيد والبرلمان
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
4 فبراير 2012
عند السؤال يقول المؤمن "ربي الله"، ثم يجيب سؤالا آخر فيقول "ديني الإسلام"، ثم على سؤال آخر يقول نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فيُفرش له من الجنة ويُلبس من الجنة، ويُفتح له باب إلى الجنة يشم ريحها وطيبها. هل يدخل القاتل المتعمد في عداد المؤمنين؟ يكفينا إجابة قول الله الحي القيوم العلي العظيم " مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء 93) ". هل القاتل المتعمد مؤمن؟ وهل تقبل توبته؟ هذا حديث آخر. ولكني أقول هنا: أيها القتلة لشهداء الثورة منذ عام مضى وحتى مجزرة بور سعيد أين ستذهبون من غضب الله سبحانه وتعالى ومن لعنه إياكم ومن خلودكم في النار؟ وأقول لمن خططوا ومولوا ورعوا وصمتوا على ذلك احذروا نفس المصير.
أما لذوي الشهداء وأهليهم فأذكرهم بموقف الحبيب صلى الله عليه وسلم من استشهاد عمه حمزة عندما وجده وقد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فتوجع قلبه وفاضت عيناه، وتمثل غيظه في قوله "والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب أو لأمثلن بسبعين منهم" فما برح حتى نزل قول الرحمن "وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِّلصابِرينَ (النحل 126)"، فقال الحبيب "بل نصبر"، وكفر عن يمينه ونهى عن المثلة.
بالرغم من امتعاضي من دور الإخوان المسلمين في ثورة 25 يناير لأسباب كثيرة تحدثت عنها بالتفصيل من قبل في مقالات سابقة منذ قيام الثورة، إلا أنني لا يمكنني أن أتنكر لجودة اجتماع مجلس الشعب بقيادة الدكتور الكتاتني يوم الخميس الماضي لمناقشة أحداث بور سعيد، وقلت سبحان الله، من كان يتصور مثل هذا الاجتماع بعد أن أدمن اجتماعات الفاسقين بقيادة فتحي سرور من قبل. ومع هذا فلم يعجبني إلا أقوال أمثال ما قاله النواب زياد بهاء، مصطفى النجار، محمد عبد المنعم الصاوي، أبو العز الحريري، وعمرو حمزاوي، وعصام سلطان وأمثالهم لأنهم تناولوا الحلول الجذرية التي تتعلق بإنهاء حكم العسكر الذي هو أس البلاء، والذي لا زالت قيادات الإخوان المسلمين تتعامل معه بنوع من التحالف الذي أعتقد أنه بدأ في الانفكاك التدريجي.
هناك "كماشة" شرحتها في المقال السابق تقبض على رقبة فستقة أو جوزة أو لوزة جميلة. الفستقة هي الثوار وشعب مصر الحر، والكماشة لها أركان أربعة: المجلس العسكري، وتيار الإسلام السياسي، وأباطرة الداخلية والأمن، وأخيرا لصوص النظام السابق في طره وخارجه. علاج هذا الموقف هو خلخلة القوى القابضة في الكماشة وعلى رأسها المجلس العسكري بحكم المسئولية السياسية والاجتماعية والجنائية، هذا من ناحية ثم تقوية الفستقة ورفع صلابتها ومناعتها من ناحية أخرى. والذي يهمني في هذا المقال هو جذب شباب التيار الإسلامي وانسلاخه من قياداته التي قررت الاشتغال بالسياسة بما فيها من حتمية التنازل عن القيم وتَمَثل قيم الخداع والتحالف والتنازل عن القيم الإسلامية النقية إلا من رحم ربك، ورضي الله عنك يا أبا بكر ويا عمر ويا علي ويا عثمان. وهذا التنازل قد أكدت عليه قوانين علم الاجتماع والسياسة وعلى رأسها قانون روبرت ميشيل المسمى "القانون الحديدي لدكتاتورية حكم القلة"، والذي يعني ببساطة تحول الإخوان المسلمين، في حالتنا هذه، إلى مهمة الحفاظ على المكاسب السياسية وبقاء حزب الحرية والعدالة والاستمرار في متع الدنيا ونسيان القيم والأهداف الأساسية التي من خلالها كسبت الدعم الشعبي والوصول إلى سدة الحكم. وربما يكون ذلك سببا في انفصال الحزب عن الجماعة في المستقبل، وهذا ما أتوقعه من بداية النهاية لجماعة الإخوان المسلمين أو لعودتها إلى مهمتها الأساسية وهي الدعوة وبناء الأخلاق.
وعودة إلى شباب الإخوان والسلفيين، أرجوكم أن تفتحوا عقولكم وتنضموا إلى بقية شباب مصر الحر فأنتم مستقبل الدولة ولا صراع بينكم على الإطلاق. بالأمس الجمعة، شاب سلفي جميل ببنطلون سعودي أبيض وفوقه جلباب سعودي أبيض قصير جدا وجاكيت مستورد ولكن شعره مودرن أكاد أقول أنه عليه جيل أو شيء من ذلك. أعشقه وأحبه وعبرت له عن ذلك وهو لا يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر. قال في الخطبة أن أول آية نزلت في المدينة بعد الهجرة المحمدية هي "ويل للمطففين..."، وفسر الشاب الحبيب المطففين على أنهم ليسوا فقط من يطففون في الميزان ولكن أيضا من يفرطون في الحقوق والواجبات. من لم يقم بواجبه فهو مطفف. وكانت خطبة جميلة للغاية. ولكنه تضرر من كرة القدم وما يصرف عليها وانتقد الألترا وجمهور الكرة ... مع اعترافه بأنه لا يُحَرم لعب الكرة. المهم أني أرى في هذا الشاب تفتحا وإيمانا عميقا بالإسلام وقيمه يتعدى إيمانه بالقيادات الإسلامية سواءً بداية من المرشد أو بداية من كبار مشايخ السلفية أيا كانوا. هو يُعمل عقله، ويتدبر القرآن والسنة، ولا ينساق انسياقا أعمى مغلقا مثبتا لمشايخ أو قيادات إسلامية معينة. الإسلام دين الحرية والعقل والمنطق وحب الله والإيمان به والثقة فيه سبحانه وتعالى وليس الاستكانة لشيخ أو ولي من أولياء الله، فمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى؟
أقول لشباب الإخوان والسلفية، بل ولقياداتهم أيضا، حان الوقت وفاض الكيل وأصبحتم ملزمين بالدفاع عن كرامتكم وكرامة مصر والشعب المصري، آبائكم وأمهاتكم وأطفالكم، حان الوقت لنقف جميعا ضد هؤلاء القتلة، هؤلاء السفاحين، هؤلاء اللصوص، هؤلاء الخونة لدينهم وشعبهم ووطنهم، هؤلاء الذين لا يمتلكون ضمائر ولا قيم، هؤلاء الذين يخضعونا لأعدائنا في الخارج ونتذلل لمن لا قيمة له ولا تاريخ له ولا أمان له، هؤلاء الذين انتشوا بزينة الدنيا وزخرفها وغرقوا في خمرها ونسائها وكافيارها وسيمونفيمها ونسوا الفقر والعشوائيات والمعاناة والظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والنفسي.
يا شباب مصر، أعلم أن فيكم من ثبت عقله، وقفلت ملكات فكره بسبب التعصب والتطرف الديني الذي زرعته فتنة الحكم في عصر الطاغية مبارك، وبسبب الأفكار والقيم المستوردة من أقرب الدول إلينا، وأعلم أن بعضكم يشعر بالأمن بتكفير التقدميين والأحرار من زملائكم الشباب والكبار علي السواء. ولكن تأكدوا أننا نقابل جيوشا من أمثال أبي جهل وأبي لهب، يبغون نعيم الدنيا وزينتها، تاركين رعيتهم وشعب مصر يعيشون في مستنقعات الفقر والجهل والعذاب. لم يبق أمامنا إلا أن نتوحد في ظل ثورتنا الحبيبة وتحقيق مطالبها وغاياتها إلى أن تتحقق لكم الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. قطار الثورة يسير فلا تدعوه يفوتكم فتنقلبوا خاسرين.
وفي النهاية أقول للحاكم السياسي، المجلس العسكري، رب البيت الذي قطع أوصال بيته، وجعل من أهله شيعا، أقول له أن "خروجكم الآمن" وحصانتكم من الملاحقات القضائية يمكن أن يتحققا عن رضاء شعبي غالب في تقديري ودون ضمانات دستورية لو تحققت أمور ثلاثة، الآن، وتتم في آن واحد:
<!--تسليم السلطة فورا لرئيس مدني منتخب دون تدخل في اختيار شخصه أو الترويج له.
<!--إصدار تعليمات جادة لتطهير أجهزة ومؤسساتها والإشراف بصورة خاصة على تطهير وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها.
<!--الجدية في مهازل التحقيقات الحالية بداية من مبارك وحتى أصغر المتهمين، مع الإفراج عن جميع المعتقلين من ثوار مصر وأحرارها.
كلما تأخر المجلس العسكري في تحقيق تلك المطالب كلما تعقدت مخارج الهروب من المستنقع الذي أوقعنا فيه، وكلما سيقت مصر إلي مصير مظلم لي يُبقي ولن يَذر، فدماء الشهداء لن تأبى إلا أن تتواصل حتى تنتصر الثورة.
ساحة النقاش