تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

authentication required

تمخضت المرحلة الانتقالية فولدت ثعبانا أقرعا

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

01227435754

3 ديسمبر 2011

تعيش مصر الآن حالة لا تعلم فيها إن كانت لتفرح أم لتحزن وهي ترى أبناءها فريقا مكتئبا والآخر منتعشا. كانت مصر في حالة من الاطمئنان الكاذب وهي تظن أن الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى ستتمخض عن توازن بين القوى السياسية والأيديولوجية المهيمنة على الساحة الآن، فإذا بها ترى اكتساحا غير مسبوق للتيار المتأسلم مُمَثلا في حزبي الحرية والعدالة والنور السلفي. وقد عرض الإعلام المصري حالتي الاكتئاب والانتعاش وخاصة ما بدا من جانب رموز التيار المتأسلم من استقواء واستعلاء مما أدى إلى اتساع الفجوة بين اكتئاب حزين من ناحية وانتعاش صارخ من ناحية أخرى.

والعجيب في الأمر أن التيار المكتئب هذا هو الذي زَرَع، والتيار المنشرح هو الذي حَصَد. والأعجب من ذلك أن التيار المنشرح كان يقف معوقا أساسيا أمام تحقيق مطالب الثورة من عيش وحرية وكرامة وعدالة اجتماعية التي كانت مطالب الثورة ومطالب زُراعها من ثوار التحرير وشبابه وما لحق بهم من جميع فئات شعب مصر في الثمانية عشر يوما الأولى من عمر الثورة الينايرية المستنيرة. وكان الفائز الآن بتياريه الإخواني والسلفي دائما إما من الخوالف أو من الغائبين في معظم تظاهرات الضغط على المجلس العسكري لتحقيق مطالب الثورة.

وللمرة الرابعة على التوالي يُستخدم التيار المتأسلم كأداة لتحقيق مطالب القوى الحاكمة، إلا أنه كان يفشل في المرات السابقة ويعاد كبح جماحه ويخرج خاسرا، بينما يبدو في هذه المرة وقد بدا له أنه نال، أو سوف ينال، الجائزة الكبرى وهي احتلال مقاعد الحكم في السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بصفة خاصة. ولكن الذي يغيب عن هذا التيار هو أن لعبة الحاكم لم تنته بعد، ولا أتوقع نجاحا فريدا هذه المرة أيضا شأن ذلك شأن المرات السابقة.

السبب في ذلك أمر بسيط جدا، وهو أن الحاكم، في هذه الحالة المجلس العسكري ومستشاروه العناتيد من كهنة النظام المباركي اللعين، يسيرون بخطتهم الجهنمية ضد التيار، أي ضد الحق، أي ضد التوجه الطبيعي للشعوب المتحررة في العالم أجمع. يسيرون بخطتهم لإجهاض الثورة الينايرية المستنيرة والحفاظ على النظام الدكتاتوري الفاسد المفعم بالظلم وعدم العدالة الاقتصادية والاجتماعية، والمدجج بأسلحة القمع والاحتقار والامتهان لحق الحياة الكريمة لكل من الإنسان المصري والحيوان والنبات والبيئة المصرية على السواء، ذلك النظام الذي كان يتصور أن يدوم بقاؤه وهو يعيش في فضاء العالم يتناول إفطاره من باريس وغذاءه من لندن وعشاءه من طوكيو، والشعب لا يجد رغيف خبز يُؤكل أو كوب ماء يُشرب في زنازين الفقر والعشوائيات وأكوام الزبالة ومصارف المجاري التي لا تبقي حيا في مدينة أو قرية في ريف مصر المنكوبة بهذا الحكم الظالم. وهذه شهادة يؤكدها عدم تحقيق أي من مطالب الثورة في تلك المرحلة الانتقالية.

صنع الحكم العسكري في المرحلة "الانتقامية"، على حد تعبير الرائع الوطني الصافي الأستاذ جلال عامر، أطال الله عمره وأحسن صحته، صَنَعَ تحالفا شيطانيا، مرة أخرى بتدبير مستشاري السوء، بين قوى ثلاث، قوة العسكر المنتفعة بالنظام السابق، وقوة الرأسمالية المتوحشة، التي تخصصت في نهب ثروات مصر وامتصاص دماء شعبها، ثم أخيرا قوة التيار الإسلامي السياسي مقاول الأصوات الانتخابية وجلاب الدعم الشعبي المعتقد. وحُبِكت الخطة ونفذت بقهر وإصرار، دون مراعاة لأصوات العقلاء الأحرار من عقول مصر الماسية، ودون استجابة لمطالب الثورة والشعب وأرواح الشهداء الأطهار لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية والكرامة والحداثة لمصر وشعبها وعشاق ترابها.

الآن تمخض الحُكم العسكري للمرحلة الانتقالية فولد ثعبانا أقرعا ذا ثلاث شعب، رأس عسكرية ورأس رأسمالية وحشية، ورأس مستألسة مستسلفة. وربما يُشْهَد لهذا التخطيط الشيطاني بالبراعة في إنجاب أول تحالف جيني من طفرة جديدة، ولكن إن شاء الله أرى بحكمي المتواضع أن بذور فناء هذا التحالف قد غرست في بنائه. وتتمثل بذور الفناء هذه في وجود حد أقصى لا يستطيع التيار الإسلامي أن يتعداه من الانتهازية السياسية نتيجة أن أهله مسلمون فعلا ويحملون من التقوى ما لا يسمح لهم بمسايرة شياطين النظام البائد المتحالفين معهم، هذا بالإضافة إلى أن التمادي في الانتهازية السياسية التي بدؤوها بالفعل سوف يفقدهم الدعم الشعبي الذي ساهم في اعتلائهم لمقاعد الحكم الفاسدة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف يضطر المجلس العسكري أو من سوف يدفع به هذا التحالف الأقرع من رئيس للجمهورية وحكومة منتقاة به، إلى محاربة التيار المستألس المستسلف الذي سوف يسعى بالضرورة إلى تحقيق بعض المطالب التي تتنافي مع النظام الدكتاتوري البائد. وأعتقد أن الرئيس المصطنع بهذا التحالف الأقرع سيكون عمرو موسى، ذلك السياسي الذي يستطيع أن يتحالف مع الشياطين والملائكة في نفس الوقت بصرف النظر عن قيم الحرية والعدالة والكرامة.

إذا كانت بذور فناء التحالف الشيطاني الأقرع قد ولدت في بنائه، فهناك ما هو أقوى من تلك البذور الداخلية في القضاء على استمرار هذا التحالف، ألا وهي القوة الحقيقية لأحرار مصر وثوارها، شيوخها وشبابها من توابع الأحرار الكبار وتوابع التيار الإسلامي، هذه الطليعة التي ستدرك أن الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وحق الحياة للأحياء المصريين إن هي جميعا إلا تطبيقا لقيم الأديان السماوية الصافية وليس لرفع أعلام الوهابيين أو بالصراخ ضد التماثيل أو السياحة أو الديمقراطية. وتذكروا دائما شباب مصر وشهداءها، ثم تذكروا شعبها الذي إن خدع مرة لا يخدع مرتين، ثم تذكروا وجوه الحكمة والزعامة ورموز الوطنية المصرية الخالصة ورعاة العدالة والإنسانية والكرامة وجوه رجال أمثال البرادعي، وصباحي، وأبو الفتوح، والبسطويسي، وحسام عيسى، ومحمد غنيم، ومجدي يعقوب، وأبو الغار، وعبد الجليل مصطفى، وفاروق جويده، وأسامة الغزالي حرب، وحسب الله الكفراوي، وحسن نافعة، وخالد النبوي، وسعد هجرس، وطارق الغزالي حرب، وعلاء الأسواني، وعمار علي حسن، ومحمد سلماوي وآخرون كثيرون أمثال تلك القامات الوطنية الواعية، وتذكروا أيضا وجوه نساء أمثال نهى الزيني، وسكينة فؤاد، وليلي وأهداف سويف، وهبة السويدي، وشاهنده حسن ... وغيرهن كثيرات. هل يُعقل أن يُحكم هؤلاء بأناس أمثال مبارك وعز وصفوت وسرور وزكريا بعد ثورة يناير المستنيرة؟

والآن اذهبوا أيها المتأسلمون إلى قبة البرلمان، أما نحن الأحرار فلا نعرف إلا ميدان التحرير الذي لن يفتقدكم في هذه الحالة. لن نمنعكم من حكم مصر كما تشاءون، ولكن سيطاردكم الشعب بمطالبه الشرعية العادلة إلى أن يحققها أحرار منه يعرفون طريقهم إلى حكم العدالة، حكم الشعب، بعيدا عن التحالف مع أباليس السياسة، وبعيدا عن حكم هؤلاء الذين يظنون أنهم وكلاء المولى سبحانه وتعالي والذين يأملون في بناء دولة الدكتاتورية الدينية Theocracy، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لا يخطئ، أما ابن آدم فكله خطاء، وخير الخطاءين التوابون فتوبوا يرحمكم الله، والثورة مستمرة.

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 178 مشاهدة

ساحة النقاش

asmaaeldsouky

اسمح لى يا دكتور المجلس العسكرى تمخض هذه المرة فولد مقص دار يجيد تفصيل نوع جديد من العباءات بكل الموديلات بما يتناسب مع جميع الأذواق الموجودة فى الساحة ماعدا ساحة التحرير المجلس العسكرى يذكرنى بالصب الذى تفضحه عيونه وهو متخيل أنه لا يراه أحد . لنا الله فهو نعم المولى ونعم النصير انشاء الله .

mngamie

بارك الله فيك ، وصدقت يا أسماء، فعلا تشبيه جميل، ولكن تأكدي أننا في بداية المشوار، ولنعلم فقط أننا نسعى لتحقيق أهداف الثورة الحقيقية، ولنؤمن بالشباب قاطرة هذه الثورة، ولنؤمن أيضا بالنخبة الرائعة من شباب وكبار هذه الأمة وهم يحاولون بعزمهم وإصرارهم تحرير زملائهم وأبنائهم من شعب مصر الحبيب من زنازين التخلف والخوف والتنبلة.

أ.د. محمد نبيل جامع فى 3 ديسمبر 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

99,693