شد القلوع يا برادعي
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
28 نوفمبر 2011
يظهر علينا المشير مرتين في أسبوع واحد، ونراه يجتمع بالقوات المسلحة التي ستقوم بتأمين الانتخابات بنسبة 90%، وينطق أمام الشعب لقب "البرادعي" بعد آآآآآ طويلة، كما لو كان لا يتذكر لقب هذا المخلوق، ثم يصلح موقفه ويقول "الدكتور البرادعي" ومعه "السيد" عمرو موسى اللذان اجتمع بهما، وأكد أن الاجتماع كان بناءً على طلبهما. لماذا يحترم عمرو موسى بذكره لقب "السيد" وينسى لقب "الدكتور" ناهيك عن نسيان اسم هذا المخلوق لفترة الـ آآآآ الطويلة قبل أن يقول البرادعي؟
بالرغم من مليونية الجمعة الهائلة أول من أمس، والتي رافقتها تظاهرة العباسية التي أطلق عليها مليونية أيضا، لولا أن فضحت صور جوجل إيرث هذا الادعاء الكاذب، بالرغم من ذلك كله يصر المجلس العسكري بعناده على استمرار دعم تشكيل حكومة الجنزوري ورفض مطالب التحرير بتشكيل حكومة إنقاذ يرأسها أحد رموز الثورة الطاهرين أمثال البرادعي، أو أبو الفتوح أو حمدين صباحي، ويستعرض المجلس العسكري قوته في تأمين الانتخابات مستغلا إصرار جميع فئات الشعب المصري على التوجه للانتخابات إصرارا من جانب الإخوان السياسيين على إظهار قوتهم على حساب البسطاء المخدوعين بالتمسح بالدين، هذا من ناحية، وإصرارا من جانب القطاع الأكبر من الشعب الواعي للتوجه للانتخابات، من ناحية أخرى، حيث يحاول أن يحد من تلك الهجمة الوهابية الطائشة في مجتمع معبأ بالاستعداد للفتنة الطائفية.
في ظل هذا القهر لمطالب الثورة وآمال الطليعة الحرة من مثقفي مصر وأحرارها صبية وشبابا وشيوخا، نساءً ورجالا، نلاحظ جميعا أن الثورة ونضارتها ينحسران مؤقتا في تلك الظروف التاريخية الكئيبة، والتي تصل فيها سوء الإدارة من جانب المجلس العسكري إلى قمتها، فإننا نحتاج إلى أن نؤكد على النقاط التالية من أجل أن نحيي روح الثورة وأن نوقف الجهود الحثيثة من جانب هذا المجلس لإجهاض تلك الثورة والانتقام من الثوار بداية من البرادعي إلى أصغر طفل محمول على رقبة أمه في ميدان التحرير:
<!--أخاطب البرادعي للمرة الأولى كرمز قيادي للثورة، وليس كشخص أحاول أن أظهر فضله على الثورة بداية من مخاطبة مبارك، وانتهاءً بمواقفه الصلبة المستمرة حتى لقاءاته بالمشير والمجلس العسكري، وأخاطبه ليس لغرض إظهار إخلاصه وكفاءته ومعارفه وقدراته السياسية والإدارية لبناء الدولة، أخاطبه هنا أن يشد المئزر ويشمر عن ساعديه ويختم حياته بطلا مصريا يسجل في تاريخ مصر، وأن يستمر في جهوده الهائلة مع إخوانه العظماء لتنتصر هذه الثورة على أعدائها في الداخل والخارج ولتصل إلى تحقيق مطالبها التي أرادها الشعب عيشا وكرامة وعدالة اجتماعية تقضي على هؤلاء الحيتان الذين يجثمون علي عرش مصر يمصون دماء شعبها ويهدرون ثرواتها.
<!--لا تكتئب أيها البرادعي العظيم أمام هذه الصحوة المؤقتة للمجلس العسكري والانتهازيين والفلول والمنتفعين من أوضاعهم التي لا زالوا يشغلونها في النظام المصري الحالي. لا تكتئب، فقد كانت هذه الفترة اعترافا بعظمتك وحقك في قيادة هذا البلد العظيم. لقد ازدادت أسهمك مما أثار أعداءك، أعداء مصر الكنانة، وتلفظوا إثر ذلك بالألفاظ القميئة التي حرمها الله على لسانك العفيف. لا تكتئب فقد شعرنا الآن أن أصبح هناك ائتلاف واضح بينك وبين رموز عظيمة أخرى مثل عبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي، وحسام عيسى، ومحمد غنيم، وهشام البسطويسي، ويرافقهم عظماء آخرون كثيرون أمثال هؤلاء الذين وقعوا على خطاب حكومة الإنقاذ الوطني الموجه لسيادة المشير. إن هؤلاء العظماء هم الذين يطمئنونا مع شباب مصر وشعبها العظيم على مضي هذه الثورة قدما رغم تلك المعوقات والمطبات والعثرات التي تقابلها.
<!--هل تعلمون أن الدكتاتور ينم عن شخصية ضعيفة؟ الدكتاتور لا يتحمل الاختلاف من شدة ضعف شخصيته، ولذلك فهو يبطش بمرؤوسه ومعارضيه. أتذكرون السادات عندما فقد أعصابه وأصيب بهوس "قف مكانك، قف مكانك، قف مكانك" مما اضطر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي وجه له نقدا بسيطا، وقال له "ما أنا واقف أهه". لقد ربت دكتاتورية الحكم العسكري في الستين سنة الماضية الشعب المصري تربية دكتاتورية، أو بالتعبير المهذب تربية أبوية، بمعنى أن أصبح الأبناء يؤمرون فيطيعون ولا يعترضون ولا يفكرون فيما يؤمرون به، لأنهم إن فعلوا ذلك يقابلون بإرهاب وقهر من جانب الآباء والحكام. ولذلك يستغل المجلس العسكري هذه السمة في الشعب المصري البائس، ويمارس الدكتاتورية في المرحلة الانتقالية لهذه الثورة المباركة، خاصة في ظل ثقافته العسكرية، ثقافة الأمر والائتمار والطاعة العمياء.
<!--لك الله يا شعب مصر، أنت مصاب بمرض سكاني يسمى ارتفاع نسبة الإعالة، وهو انخفاض نسبة العاملين المنتجين وكثرة نسبة الذين يعولهم هؤلاء العاملون المنتجون، وهو مرض نتج عن الحكم الفاسد للعسكريين عبر الستين سنة السابقة. المصيبة الأكبر الآن بعد الثورة تبين وجود مرض مشابه يمكن أن نسميه ارتفاع نسبة الإعالة العقلية، حيث أن الذين يدبرون هذه الثورة ويدفعونها إلى الأمام أقلية عاقلة من سكان مصر والغالبية العظمى إما لا تهتم أو مصابة بالانتهازية وسرعة التدافع لالتهام التورتة الثورية أو مصابة بالفوبيا والخوف الرهيب من السلطة أو من المجهول مما يدفعهم إلى العمى وعدم الإدراك السليم بحيث يقولون مثلا من هو البرادعي؟ أو من هو المجلس الرئاسي؟ ومن هم مرشحو الرئاسة؟ ومن ثم يرتمون في أحضان الأفاعي الجاثمين على أمور مصر طامعين في الاستقرار على حساب الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة والشرف الإنساني.
<!--حراس الثورة وأبطالها في ميادين مصر وجميع أرجائها، أنتم تكتبون التاريخ، وأنتم تبنون لأنفسكم بإذن الله قصورا في الجنة فاستمروا، ولا تبالوا بالمغرورين، ولا تبالوا بالجهلاء، ولا تبالوا بمصاصي الدماء، ولا تبالوا بالمنافقين، ولا تبالوا بالمتقعرين، ولا تنسوا مارتن لوثر كنج، ذلك الفرد الواحد، والذي في فترة لم تتعدى عشر سنوات، وبعد استشهاده ببضع وأربعين سنة فقط اعتلى كرسي رئاسة أعظم جمهورية في العالم زنجي شاب يدعى باراك أوباما. اعلموا أبناءنا وأحفادنا أن الثورة مغدقة، وثمارها لاحقة، والله من وراء الشرفاء.
ساحة النقاش