الإخوان السياسيون وفوضى مبارك:
إخراج المجلس العسكري
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
21 نوفمبر 2011
هو متباطئ، هو متواطئ، هو غير ثوري، هو ركن ركين من أركان النظام المباركي البائد، نعم هذا كله صحيح. ولكن لا يمكن أن يكون المجلس العسكري مفتقدا للرؤية، ولا يمكن أن يكون معدوم الإستراتيجية، ولا يمكن أن يكون مراهقا سياسيا، فهم في النهاية ثمانية عشر مخضرما من عقول متعلمة ومثقفة، وإن كانت في الغالب ثقافة عسكرية مبنية على الطاعة والأمر والائتمار والشعور بالتميز والخصوصية.
كانت العيون إبان الثورة المستنيرة تذرف الدمع عشقا وتأثرا بنداء "الشعب والجيش إيد واحدة" وكانت الثقة في المجلس العسكري في قمتها من جانب الشعب المصري شبابا وشيوخا، رجالا ونساءً. ومع السلوك الواقعي والفعل المرئي غير الثوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة واستمراره على مدى العشرة شهور السابقة بدأت تلك الثقة في الانحدار التدريجي، وحذرنا من ذلك مرارا وتكرارا، حتى انعدمت تماما تلك الثقة بعد أحداث السبت الدامي التاسع عشر من نوفمبر والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من خمسة وعشرين شهيدا وإصابة أكثر من ألفي شاب من أبنائنا وأحفادنا الطاهرين، زهور الكنانة اليانعة. وتكررت هتافات الميدان الثورية "الشعب يريد إسقاط المشير.... وارحل ارحل ..." وإلى آخره من هتافات مماثلة لتلك التي أصمت أذن مبارك قبل إرغامه على التنحي.
"إما أنا وإما الفوضى"، تلك وصية النظام السابق بكهنته العتيدين، صفوت وزكريا وفتحي وحبيب، تلك الوصية التي بدأت منذ الثانية الأولى من أداء المجلس العسكري عندما فاجأنا بالترحيب بالتيار الإسلامي السياسي واستدعاء متطرفيه وإطلاقهم من المعتقلات والسجون والمنافي، ثم استدعاء المستشار البشري والعقل المتكهرب صالح ليهندسوا خطة مبارك بتعديل المواد الدستورية الكئيبة. أين الفوضى هنا؟ هي تنصيب الإخوان السياسيين والتيار الإسلامي على حكم مصر، أو بمعنى أدق التهديد وإظهار النية قولا وسلوكا في تنصيبهم على مقاعد الحكم حتى يفزع الشعب المصري في الداخل وتزمجر العواصم الأوروبية والأمريكية في الخارج مثيرة الفوضى والبلبلة حتى يتوب الشعب المصري ويرضخ لإملاءات المقاول المباركي، المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتنفيذ استعادة النظام السابق بأركانه دون تدمير لرموزه الذين أجبرتهم دواعي تنفيذ الخطة على البقاء في سجون تكاد تكون منتجعات سباعية النجوم.
كان الإمام البنا فطنا عندما تراجع بناءً على نصيحة النحاس باشا عن تقديم مرشح الإخوان آنذاك، ثم شكلت وزارة النحاس 1950 وأفرجت عن الجماعة التي كانت متهمة باغتيال النقراشي عام 1948، والذي تسبب في اغتيال الإمام البنا عام 1949. وبدأت الجماعة في ارتكاب الخطأ تلو الخطأ دون تعلم من دروس التاريخ، حيث عادت لتفرض إيديولوجيتها على ثورة 52 وجمال عبد الناصر، فرفضت الاشتراك في الحكم فأدخلهم عبد الناصر السجون بتهمة اشتراكهم في اغتياله بالإسكندرية، ثم عادت الجماعة عام 1965/1966واتهمت بقلب نظام الحكم وأعدم الشيخ سيد قطب وآخرون من رموز الجماعة، ثم عادوا عندما أفرج عنهم السادات ليضرب بهم اليساريين والشيوعيين كأداة لتحقيق مآربه هو شخصيا، ثم عادوا ليستخدمهم حسني مبارك كفزاعة تحت مسمى "الجماعة المحظورة" ليستتب بها حكمه الدكتاتوري واستقراره الفرانكنشتاني ليمتص ثروة مصر ودماء شعبها، ثم تعود مرة أخرى لتهرول وراء دعوة المجلس العسكري بعد ثورة يناير المستنيرة ليستخدمها كوسيلة فعالة لإحداث الفوضى كما ذكرنا أعلاه.
إلى متى سيستمر "الإخوان المسلمون" في ارتكاب نفس الخطيئة مساهمين في عرقلة بناء الدولة المصرية؟ إلى متى ستستمر هذه الجماعة في العمل كسلاح يستخدمه الطغاة لتحقيق مآربهم؟ إلى متى ستدرك الجماعة أن هناك دولة ومجتمعا مصريا يحتاجان إلى البناء والتنمية؟ أما آن الأوان أن تدرك الجماعة السياسية الإخوانية أن هناك أوراما ودمامل في جسد المجتمع المصري أنشأتها فيروسات حكم مبارك الطاغية تسمى "الفتنة الطائفية" ولا تتحمل جراحات الإخوان السياسيين الطائشة؟ ألا يشعر الإخوان السياسيون الآن أنهم بسذاجتهم السياسية لا زالوا يستخدمون كأدوات وأسلحة يوجهها الحكام الطغاة أينما شاءوا؟ إن الدور الحالي للإخوان السياسيين، ومن معهم من الإخوان المستسلفين، يمثل محكا واختبارا حقيقيا لمدى صدق الانتماء الوطني لهذه الجماعة وتفضيل المصلحة الوطنية على المصلحة الجماعية أو القبلية الخاصة بفصيلهم.
لقد تبين الآن ونحن في اليوم الثالث من بدء أحداث السبت الدامي، واندلاع مشهد الثورة الينايرية المستنيرة ليعود من جديد. لقد تبين أن القضايا الجزئية مثل الانتخابات البرلمانية، ذلك الطعم اللولبي، الذي كان يسعى ويهرول وراءه الإخوان السياسيون والإخوان المستسلفون، أصبحت تلك الانتخابات أمرا هامشيا بالنظر إلى التحولات الجذرية التي ستحدث في الأيام القليلة القادمة.
أدعو الله سبحانه وتعالى أن يلهم الإخوان السياسيون أن ينضموا إلى شعب مصر في ميدان التحرير، وأن يتوحدوا مع القوى السياسية الوطنية المخلصة، ويتحدوا على كلمة سواء تتمثل في المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني كاملة السلطات، وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، وإنهاء صلاحيات المجلس العسكري، ثم إجراء الانتخابات التشريعية وفقا للدستور الجديد، الذي سوف يحدد طبيعة تكوين المجلس التشريعي الجديد وحسم قضايا مثل نسبة العمال والفلاحين والمرأة والأعضاء المعينين، وهذا هو اقتراح ما أسميه هنا "اقتراح الرجوع إلى الحق فريضة"، وهو الاقتراح الذي أرسلته مجموعة من رموز مصر وقادتها السياسيين إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
الشعب يريد أمنا وعيشا وحرية وكرامة وعملا شريفا، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يمتلك الإرادة والشرعية لتحقيق ذلك. والوسيلة بسيطة وممكنة كما تبدو في السطور القليلة السابقة. إن الإعلان الواضح عن تلك الإرادة والبدء الفوري في تنفيذ تلك الوسيلة سيعيد الطمأنينة والأمان لشعب مصر وجيشها وشرطتها، ويتحرك قطار الثورة في ثبات ورسوخ، ويعود الحق ويزاح الباطل مع تاريخ الدكتاتور وكهنته الرابضين في سجون النعيم المصري ومنتجعاته. إن الأحداث الدامية في ميدان التحرير والمستمرة حتى الآن تنذر بالخطر وتستلزم سرعة الحركة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة إنقاذا لمصر وشعبها وهيبة جيشها العظيم، وتحقيقا لمطالب ثورة لن تتوقف، ثورة قضاها الله نعمة لشعب مصر بعد صبر وعذاب، وتحقيقا لأحلام الفقراء، وامتنانا لأرواح الشهداء.
ساحة النقاش