تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

المتمسحون بالإسلام بين الوئام والانتقام

وبدائل المسيرة الثورية

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

01227435754

20 نوفمبر 2011

افترض أنك الآن رب أسرة (المجلس العسكري) تريد أن تقوم ببناء منزل لأسرتك (مصر) فإنك تستأجر مكتبا هندسيا يخطط لمنزلك ويضع أساسه (الدستور)، وهنا يأتي دورك كرب منزل لتحدد للمكتب الهندسي رغباتك ورغبات أسرتك بالنسبة لهذا المنزل مثل عدد غرف الاستقبال بالنسبة للنساء والرجال إذا كانوا منعزلين أم لا، وجود مسبح للأطفال أم لا، لون الطلاء أبيض ليرضي الزوج مع اللون الوردي ليرضي الزوجة... وهكذا ثم تتأكد من أن هذه الطلبات تحقق لك الشكل والبناء المطلوب للمنزل بناءً على رغبة رب الأسرة والزوجة والأطفال بل والشغالة أيضا إذا وجدت.

إذن فإن مسئولية المجلس العسكري الحاكم الآن هي تحديد المبادئ الأساسية للدستور واختيار جمعية وضع الدستور مع تحقيق مطالب الشعب والقوى السياسية المختلفة. الدور الخاص بالقوى السياسية هو فقط التعبير عن مطالبها بالنسبة لتلك المبادئ والقواعد. أما أن تصمم فئة أو فصيل معين مثل المتمسحين بالإسلام (الإخوان والسلفيين) على رفض تحديد تلك المبادئ أو القواعد فهذا يتعدى قواعد المنطق سابق الذكر في المثال الموضح أعلاه. هم يذكرون مطالبهم فقط، فإذا كانت مثلا إقامة دولة دينية فليقولوا ذلك، وبذلك تتضح نواياهم. وهنا تؤكد الدراسات الاستطلاعية والإعلانات الشعبية والسياسية علي إرادة الشعب في بناء دولة ديمقراطية مدنية دستورية وليس بناء دولة دينية.

أحبتي أيها المتمسحون السياسيون في الإسلام: أنتم لستم رسلا من عند الله إلي مجتمع كافر. أنتم الذين أطلقتم على الناس العاديين لبراليين وعلمانيين، وكفرتم منهم أفرادا وأفرادا، وهؤلاء الناس مسلمون، ويعلم الله أنه قد يكون منهم من هو أكثر تدينا وأرفع درجات من آخرين. القفز على السياسة في هذه المرحلة من تحرر مصر يشعل المزيد من نيران الفتنة الطائفية كما يضع أناسا في مواقع التنمية والبناء والعبور العلمي والحضاري لا يتميزون بالكفاءة اللازمة لذلك، وإنما يتميزون فقط، إذا صح القول، بأنهم أكثر ورعا أو فقها دينيا وهي كلها مزايا لا تصلح إلا للدعوة والارتقاء بالأخلاق التي انحدرت إلى المستوى الذي تدركونه، بالرغم من وجود هذه الجماعات الدينية، والتي بالتأكيد قد انتكست في تحقيق هذا الهدف بعد أن كانت في غاية الفعالية في عهد الإمام البنا.

هذا وقد أدت ثورة 25 يناير المستنيرة إلى نسف الآلة القمعية الاستبدادية لعقود من الحكم العسكري لأرض الكنانة. وما ظننا أننا على بداية المسيرة التنموية والحركة العلمية لبناء مصر الحرة، القوية الحديثة بشعبها وجيشها، إلا وأُصبنا بمُعَوقين كئودين، المجلس العسكري بانتماءاته وأريحياته مع النظام الدكتاتوري السابق ورفضه لثقافة الثورة ومكتسباتها، هذا من ناحية، ثم تيار المتمسحين بالإسلام، وعلى رأسهم "الإخوان المسلمون" الذين انشقوا عن أيديولوجيتهم وأهدافهم وتنظيمهم وبرنامجهم الأصلي صناعة المؤسس العظيم الشيخ حسن البنا، وتغيروا شكلا وموضوعا لدرجة أن الشق السياسي من برنامجهم التنموي أصبح يستحوز على ما يقدر بـ 60% من مواردهم المادية، ناهيك عن التواء موردهم البشري وفقدانه للإبداع العقلي. وأصيبت الجماعة وبقية المتمسحين بالإسلام بالهوس السياسي والاستغراق في البحث عن السلطة وإهمال الجانب الدعوي والاجتماعي والاقتصادي من برنامج المرحوم الإمام البنا. وقد تمثلت أعلى درجات الانشقاق تلك في تمزق الجماعة نفسها وظهور أحزاب مختلفة من بطنها، ورفد بعض رموزها واستبعاد الآخر، وتمزق الشباب من بين الجماعة نفسها بصفة خاصة.  

المشكلة الآن هي أن "المستألسين والمستسلفين"، وأقصد المتمسحين بالإسلام، أمام ضعف الإدارة الانتقالية للمجلس العسكري، أصبحوا يمثلون العقبة الأكبر أمام مسيرة تحقيق الثورة ومطالبها كما عبر عنها الشعب ببساطة شديدة "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية". المجلس العسكري أدرك أنه لا يمكنه الاستمرار في الحكم العسكري، وأصبح على استعداد لتحقيق مطالب الثورة شريطة تحقيق الوضع المتميز للجيش بصورة أم بأخرى بالإضافة إلى الشعور بالاستقرار والأمان بعد تسليم الحكم إلى السلطة المدنية، وهذا أمر مشروع ومفهوم. أما المتمسحون بالإسلام، اعتقادا منهم بأنهم يمتلكون الشعب الذي يوحون إليه بأن الإسلام لديهم فقط، وما عداهم فهم لبراليون كفرة، فأصبحوا يستغلون بذلك الكثير من أبناء الشعب المصري الطيب الذين لا يدركون أن الإسلام نفسه دين لبرالي، إذ أن اللبرالية ما هي إلا الحرية الفردية المسئولة التي تحددها قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وأن صفة المسئولية هذه تفترض أولوية المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية عند تعارض الاثنتين.

كانت تظاهرة جمعة 18 نوفمبر، استعراضا وإنذارا للمجلس العسكري والشعب المصري بأنه إذا لم تتحقق مطالب المتمسحين بالإسلام رفضا لوثيقة توافقية أساسية لهوية الدولة المصرية المدنية الحرة الديمقراطية والاستمرار في خريطة طريق استفتاء مارس، الذي تم ابتزازه بواسطتهم كما لو كان هو الطريق الأكيد لتسليمهم السلطة والحكم بعد الثورة، إذا لم تتحقق مطالبهم فإنهم سوف يشعلونها نارا. ولم يدرك المجلس العسكري الذي تبنى هذا الاستفتاء وتلك الخريطة أنه يمكن أن يتم التصادم مع هؤلاء المتمسحين بالإسلام، وهذا هو ما حدث الآن بالفعل.

البدائل المتاحة أمام المجلس العسكري: يبدو أن المحلل للموقف الحالي لمسيرة الثورة يمكنه إدراك أنه أمام مفترق طرق أربعة سأعرضها تنازليا، أي من الأقل أفضلية إلى الأكثر أفضلية :

<!--إعلان المجلس العسكري أن الأحوال المتضاربة والصراعات السياسية الحالية تصعب من إدارة البلاد ولذلك يعلن المجلس العسكري اختيار رئيس جمهورية عسكري يشكل حكومة يختارها بنفسه ويدير البلاد كما يتراءى له ولهذه الحكومة رغما عن القوى السياسية وتحقيقا لمطالب الثورة، وهنا يحدد رئيس الجمهورية العسكري وحكومته طريقة وضع الدستور والانتخابات البرلمانية. وهذا البديل هو الحكم العسكري المرفوض تماما.

<!--الاستمرار في خريطة الطريق المتبعة حاليا، وهي إتمام الانتخابات البرلمانية، ثم اختيار جمعية تأسيسية لوضع الدستور، ثم وضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية. وهذا هو اختيار المجلس العسكري الذي يرحب به قوى "الإسلام السياسي"، ويرى بقية الشعب المصري أنه اختيار مفروض عليه ويتمنى له النجاح دون مشاكل من الفلول والبلطجية.

<!--الاستمرار في الانتخابات البرلمانية الحالية والانتهاء منها، وبذلك يكون لدينا مجلس شعب ويؤجل مجلس الشورى حاليا، ثم تشكيل مجلس رئاسي يحكم البلاد، بدلا من المجلس العسكري الحالي، ثم انتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور، ثم وضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، وأخيرا تسليم المجلس الرئاسي السلطة للحكومة المدنية. هذا، ويقترح أن يتشكل المجلس الرئاسي من مجموعة يختارها المجلس العسكري بحكم الشرعية الدستورية التي يمتلكها ويمكن أن تتكون هذه المجموعة من المشير طنطاوي والفريق سامي عنان والدكتور محمد البرادعي والمستشارة تهاني الجبالي والدكتور محمد غنيم والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمد العوا ومصطفى النجار وزياد العليمي. ويمكن التوسع في عدده أيضا بحيث يمثل قوى سياسية وشعبية أخرى. هذا ويمكن أن ينتخب هذا المجلس الرئاسي من بين مرشحين يتقدمون له وتنتخبهم لجنة مائة أو أكثر مشابهة للجمعية التأسيسية لوضع الدستور.

<!--تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، وإنهاء صلاحيات المجلس العسكري، ثم إجراء الانتخابات التشريعية وفقا للدستور الجديد، الذي سوف يحدد طبيعة تكوين المجلس التشريعي الجديد وحسم قضايا مثل نسبة العمال والفلاحين والمرأة والأعضاء المعينين، وهذا هو اقتراح ما أسميه هنا "اقتراح الرجوع إلى الحق فريضة"، وهو الاقتراح الذي أرسلته مجموعة من رموز مصر وقادتها السياسيين إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

الخلاصة: إن الأحداث الدامية في ميدان التحرير والتي حدثت بالأمس والمستمرة حتى الآن تنذر بالخطر وتستلزم سرعة الحركة من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة على طريق البديل الرابع المذكور أعلاه إنقاذا لمصر وشعبها وهيبة جيشها العظيم، وتحقيقا لمطالب ثورة لن تتوقف، ثورة قضاها الله نعمة لشعب مصر بعد صبر وعذاب، وتحقيقا لأحلام الفقراء، وامتنانا لأرواح الشهداء.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

asmaaeldsouky

"لقد أسمعت من ناديت لو كان حيا ولكن لا حياة لمن تنادى" لقد يئس الناس من المسؤلين كما يئس الكفار من أصحاب القبور .

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,672