تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

                         برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه

الخوف ... والثورة ... والعشق الممنوع

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

1 نوفمبر 2011

لو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. جفت الأقلام وطويت الصحف.                     صدق الحبيب صلي الله عليه وسلم.

 

اعقلها وتوكل............... ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

لقد نجحت إدارة المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير المستنيرة بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في رفع مؤشر الخوف لدي الشعب المصري بدرجة ملحوظة حتى بدأت نبضات الفعل الثوري في الخفوت تدريجيا. ولكن هيهات هيهات، فلن تتعدى هذه الإستراتيجية مجرد تعطيلٍ لسرعة قطار الثورة حثي تتحقق أغراض خفية غير معلنة، يستنتجها بعضُ المحللين مثل تعطيل التحول الثقافي الديمقراطي المدني المنافي للثقافة العسكرية، واستمرار الحكم العسكري لفترة رئاسية انتقالية، وتبرئة مبارك وعائلته، والحفاظ على النظام السابق حتى التحقق من الخروج الآمن لشبكة جميع اللصوص الذين نهبوا ثروة مصر، والمحافظة المؤسسية على مكتسبات المؤسستين العسكرية والشرطية، والمحافظة على الهيبة والشرف العسكري بصفة أن مبارك كان القائد الأعلى للمؤسسة العسكرية، وهو برغم جرائمه التي جسدت الخيانة العظمى يمثل رمزا عسكريا يجب ألا يهان، وأخيرا الاستجابة للضغوط الرجعية لدول الخليج (باستخدام الجزرة) أو للضغوط القهرية من جانب إسرائيل والدول المساندة لها (باستخدام العصا).

الإنسان يخاف. غريزة طبيعية للبقاء. يخاف من شيء، كعدو مفترس، أو يخاف على شيء، كفقدان حياته أو فقدان مكتسباته وثرواته أو ضياع مستقبل أولاده. وقس علي ذلك بصورة عامة، أي الخوف من شيء أو الخوف علي شيء. وعادة ما يخاف الإنسان من شيء (أو أشياء) على شيء (أو أشياء). وتنطلق إستراتيجية المجلس العسكري المعطلة أو المجهضة للثورة من الخوف على شيء أكثر منه من الخوف من شيء. يخاف المجلس العسكري على  مكاسبه العسكرية التي تهددها السيطرة المدنية للدولة، ويخاف على سيادة الثقافة العسكرية من سيطرة الديمقراطية والثقافة المدنية، ويخاف على شرف المؤسسة العسكرية من محاكمة رموزها.

وإذا كان المجلس العسكري يخاف على أشياء سبق ذكرها، فهو يحاول دفاعا عن نفسه إثارة الخوف من جانب الشعب، وعلى رأسه الثوار الأحرار والقوى الثورية والنخبة المثقفة والإعلام الحر بدرجة أعلى من الخوف الذي يعاني منه المجلس العسكري نفسه، وبذلك يضمن السيطرة على تلك القوى المثيرة لخوفه هو. تحاول إدارة المرحلة الانتقالية إثارة الخوف لدي الشعب من أشياء معينة أساسا وعلى أشياء معينة بصورة ثانوية.

تتبع إدارة المرحلة الانتقالية إستراتيجية إثارة الخوف لدي الشعب الثوري باتباع آليات معينة تتمثل في الإرهاب (بعدو مفترس) مثل قانون الطوارئ، والمحاكمات العسكرية، والأحكام السريعة، وإطلاق كلابها من البلطجية والقوى المندسة، وعدم هيكلة وزارة الداخلية، واستمرار نشاط أمن الدولة من خلال الأمن الوطني. وهناك آلية أخرى تتمثل في إضفاء بيئة من الضبابية الكثيفة بحيث تجعل الشعب لا يرى مستقبلا واضحا، ومن ثم يعاني من الخوف من المجهول، وهي ربما تكون أقوى آليات زرع الخوف، وهي التي تجعل الطفل يقول لأمه أنا لا أرى ولا أعرف، أما أنت يا أمي فتعرفين، ومن ثم فيلقي بنفسه في أحضان أمه مستسلما لقراراتها، وهي التي تجعل الشعب أيضا يقول لحكومته أنا لا أرى ولا أفهم، أما أنت يا حكومتي (وخاصة لو كانت مجسدة في قوة عسكرية) تعلمين، فيلقي بنفسه في أحضان حكومته مستسلما لقراراتها ومطمئنا إليها ونازعا الخوف من جانبه.

إذن، الخوف الآن من جانب الشعب والقوى الثورية هو أقوى أعداء الثورة، وهو الآلية المتبعة لإجهاض الثورة. كيف نقاوم تلك الآلية الشرسة، وكيف نمحو الخوف المعوق لانطلاق الثورة وتحقيق مطالبها؟ الإجابة في كلمتين بسيطتين، المعرفة والأخلاق.

أولا: بالنسبة للمجلس العسكري، يزول الخوف من جانب المجلس العسكري لو عرف (أو لو علم) أنه لو حقق مطالب الثورة وانحاز إلى الشعب دون سدنة النظام البائد، وهذا أمر أخلاقي، فإن الشعب سوف يرفعه على رأسه ويسجل التاريخ للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وللجيش المصري مجدا يُسطر بحروف نورانية أبدية. وليعلم أيضا وبما لا يدع مجالا للشك أن زمن سيطرة الحاكم، أو سيطرة مؤسسة معينة، جيشا أو شرطة أو قضاءً، تحت أي مبرر مهما كان قد ولى والحمد لله. فالشعب، جاهلوه قبل متعلميه، ونساؤه قبل رجاله، وشيوخه قبل شبابه قد ذاقوا الحرية وتعرفوا على طاقاتهم التي لا تقهر، ولن يرضى تسعون مليون مصريا بعد اليوم بظلم ولا قهر ولا استنزاف ولا عذاب ولا جحيم في ظل وجود قلة تنهش لحومهم وتهرس عظامهم وتطفئ آمالهم وتعذب عيالهم.

ثانيا: بالنسبة للشعب والقوى الثورية، وهذا هو الذي يهمنا في هذا المقال بالدرجة الأولى:

<!--لابد أن يتحول العشق الممنوع من جانب أعضاء حزب الكنبة، وما يقال عنهم الأغلبية الصامتة، وذلك للثورة والحرية والديمقراطية ومصر العزيزة الأبية ومصر القوية إلى عشق ظاهر شرعي معلن وذلك من خلال المعرفة والرجاء والأمل والإصرار.

<!--لابد أن يتأكد الشعب بثواره ونخبته وعامته أنه أكبر وأقوى من الحاكم مهما كانت قوته وجبروته، ولو أيقن الشعب ذلك زال الخوف لأن الأقوى لا يخاف من الأضعف. والدليل على قوة الشعوب صفحات التاريخ وزوال الحكام وبقاء الشعوب، وأقرب الدلائل على ذلك ما أحدثته ولا زالت تحدثه الثورات العربية في عهد الربيع العربي.

<!--أثبتت الدراسات العلمية النفسية أن 90% من القلق الناتج عن الخوف لا محل له، ولا تتحقق مسبباته. ولذلك إذا كنت خائفا، مثلا، من سيطرة فقه المرأة والحيض والنفاس ومنع البكيني ومنع الراقصات ومنع الخمور وقمع النساء وإجبارهم على النقاب أو الحجاب فاحتمال حدوث ذلك لا يتعدى 10% فقط. وإذا حدث لن يكون واقعا، بقدر ما سيكون هناك صراعا ثقافيا داخليا فقط. وليعلم حملة التأسلم السياسي أنهم معدومو الرؤية المستقبلية، ولا يشعرون أنهم هم أنفسهم بامتهانهم للسياسة إنما يمارسون الانتهازية والتآمر والتحالف والتنازل، وليس أدل على ذلك من أن السلطات المباركية والحالية أيضا تتلاعب بهم وتحركهم كيف تشاء.

<!--مهما تعرضت البلاد لفوضى ما بعد الثورة، ومهما تأخر المجلس العسكري في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، ومهما تشكلت الدولة ومؤسساتها بعد الثورة بحكومة مطعمة بالفلول ويسيطر فيها التيار السياسي المتأسلم، ومهما حدث من تنازلات لصالح المؤسسة العسكرية فالمستقبل مشرق والبداية نحو الحداثة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية قد تحققت، وعلينا أن نطمئن تماما ونتأكد أن شبابنا وأولادنا وأحفادنا لن يعيشوا الحياة البائسة التي ابتلانا سبحانه وتعالى بها بقهر الحكام وفسادهم، ولكي نعلم الآن صدق  كلمات المولى سبحانه وتعالي "إن مع العسر يسرا". وليس هذا بالكثير على مصر الحبيبة، فهي ليست أقل من دول أمريكا اللاتينية أو دول جنوب شرقي آسيا أو دول أوروبا الشرقية أو حتى بعض الدول الإفريقية، ونأسف لمصر الحبيبة فقد تخلفنا عنها كثيرا.

والْحَمد لِلَهِ الذِي بِنِعْمتِه تَتِم الصالِحات، واللهم أتمم علينا نعمتك التي أنعمت بها علينا، واغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم. وأعاد الله عليكم عيد الأضحى المبارك بالعزة والنصر.

 

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,648