برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه
العقلية العسكرية والحكم الرشيد..إلى 2013؟
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
26 أكتوبر 2011
بشرنا سيادة اللواء محمد العصار، في آخر ظهور تليفزيوني له في برنامج العاشرة مساء، وبعد تسعة أشهر من الثورة، بتحرك العجلة وبداية الشروع في الانتخابات البرلمانية الحالية، ثم الشروع في بناء الدستور، ثم إعلان الترشح لمنصب الرئاسة في اليوم التالي لإقرار الدستور، وتحديد منتصف 2013 كميعاد للانتهاء من الدستور، ثم الشروع في انتخابات رئاسة الجمهورية وتسليم السلطة ثم العودة لثكناته. وأقر سيادته بأن الجيش ليس له طموحات سياسية، ومؤكدا على مدنية الدولة. وبشرنا كذلك بأن القوات المسلحة تقوم لأول مرة في التاريخ بالتنمية السياسية وليس فقط بالتنمية الاقتصادية التي قامت ولا تزال تقوم بها حتى الآن.
وبذلك وبعد أن كان مقررا للفترة الانتقالية ستة أشهر فقط، نجد أنها قد تضاعفت خمسة أضعاف لتصبح سنتين ونصف. وما دامت القوات المسلحة، ممثلة في مجلسها الأعلى، قد وكلها الرئيس المخلوع لإدارة شئون البلاد، وحيث أنها قد انحازت للثورة وشرعيتها، فهي إذن تمتلك شرعيتين: الشرعية الدستورية أو القانونية (الاحتكام للقانون)، والشرعية الثورية (الاحتكام لتحقيق مطالب الثورة). ونظرا للتناقض البنائي والوظيفي بين النوعين من الشرعية، فإننا نجد المجلس الأعلى قد اختار الشرعية الدستورية دون الشرعية الثورية مما أدى إلى الصعوبة البالغة في تحقيق أهداف الثورة نظرا للاعتماد على دستور ساقط وقوانين حارسة للاستبداد والفساد من صنع ترزية القوانين المعروفين. ولا نعلم حتى الآن سر اختيار تلك الشرعية دون اختيار الشرعية الثورية، حيث يعتبر هذا الخيار في حد ذاته مخالفا لمبادئ الحكم الرشيد التي سوف نتناولها بالعرض للنظر فيها من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وإذا كان الأمر كذلك فكيف تكون التنمية السياسية التي يتحدث عنها سيادة اللواء العصار؟
ويختص حديثنا، بالنسبة للمجلس العسكري، بالحكم الرشيد للدولة، وليس حكم الشركات أو الحكم المحلي أو الأقاليم أو العالم. وفيما يلي سنذكر بعض معالم الحكم الرشيد للدولة، ومدى تطبيقها بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى نشخص مناحي القصور توطئة لابتغاء رشد الحكم وفاعليته:
<!--توافر الإرادة السياسية المخلصة: الإرادة السياسية تقتضي درجة من الشجاعة العالية بناء على القدرة على اتخاذ المخاطرات المحسوبة. أما الإخلاص، فهو رأس الحكم، والعدالة سنامه. وهنا ترتبط القيم الدينية بالسياسة في مبتدأ الأمر. وإذا لم يتوافر هذا الشرط في الحاكم فقد فتح إذن الباب على مصراعيه للفساد والانحراف عن الحكم الرشيد.
<!--مبدأ المشاركة: وهو ضرورة مشاركة أطراف متعددة (من الجنسين رجالا ونساءً) في الحكم الوطني تمثل القوات المسلحة طرفا واحدا فيها فقط بجانب بقية الأطراف التي تشمل الحكومة (وعنها وعن رئيسها حدث ولا حرج)، والمؤثرين من الملاك الصناعيين والزراعيين والتجاريين، والنقابات والاتحادات المهنية والعمالية والفلاحية، والتعاونيات، والمنظمات غير الحكومية، والجامعات والمؤسسات البحثية، والمؤسسات الدينية، والأحزاب السياسية، والمؤسسات التمويلية، والمؤسسة الإعلامية، والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرها، والهيئات المانحة، والشركات عابرة القارات... وغير ذلك. هل يقتنع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بهذا المبدأ وقد نشأ على المركزية العسكرية وثقافة الأمر والائتمار والتدرج السلطوي الهرمي؟ ثم إذا اقتنع بذلك، فنظرا لممارسته المفاجئة للحكم، فهل لديه من التدريب والقدرات ما يمكنه من تحقيق ذلك؟ وإذا فعل ذلك هل يتبقى من وقته جهد وطاقة للقيام بمهمته الأصلية الجليلة العويصة، وهي التنمية العسكرية وحماية البلاد؟؟
<!--تأمين الحقوق الإنسانية: الحقوق الإنسانية هي الحريات الإنسانية الأساسية التي لا يجب على أي حكومة أن تتعدى عليها أو تنتقص منها دون اعتبار للجنس، أو اللون، أو الديانة، أو الانتماء الحزبي والإيديولوجي، أو الموطن، أو أي خاصية موروثة أخرى كالمهمشين وأصحاب الاحتياجات الخاصة. وتتمثل هذه الحريات في الحريات المدنية والسياسية (حقوق الحياة، وحرية التعبير والرأي، وعدم التعرض للتعذيب، والمحاكمات العادلة، وعدم التمييز، والتنقل، والمشاركة السياسية، وحق التجمع والتظاهر السلمي) بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (مثل حق العمل، وحماية الملكية، والعلاج، والتأمين، والتعليم، والتعبير الفني). إن المجلس العسكري أمامه فرصة ذهبية لإنجازات هائلة تكتب له بأحرف نورانية في صفحات التاريخ، إذا ما قرر إرجاع الحقوق الإنسانية هذه للمصريين، والتي انتهكت بدرجة من الوحشية والتجبر في عصر الدكتاتور الطاغية. إن عنوان رائعة فيكتور يوجو "البؤساء" لم تعبر عن الفقراء والمعذبين في الأرض والمظلومين بقهر الطبقة الثرية المنعمة الظالمة في فرنسا في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وإنما تنطبق تماما على شعب مصر في عصر مبارك.
<!--الشفافية: هل يعلم أحد شيئا عن أحوال مصر اليوم؟ فقدان المعايير، وغياب القانون، والانفلات الأمني، وحجز المعلومات هي القاعدة الآن. أصبحت كلمة الضبابية لغة التخاطب والتحية بين المصريين اليوم. "صباح الضبابية"، "الله ينورها في وشك"، "هي مصر رايحة على فين؟" أين هذا من الحكم الرشيد؟
<!--المسئولية (المحاسبية): دون الشفافية والانضباط القانوني والأمني لا يمكن أن تكون هناك مسئولية. الحاكم مسئول، والمنظمات مسئولة، وكل مسئول، حتى الخادم في بيت سيده. والمسئول مسئول أمام كل من يتأثر بقراراته. هل سئل حسني مبارك عن شيء سوى قتل المتظاهرين؟ هل سئل عن الانحطاط الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي قبرت مصر فيه في عهده؟ هل فعلنا ذلك حتى نسأل المتظاهر ونحاسبه عسكريا عندما يعبر عن رأيه؟
<!--التوافق أو الإجماع النسبي: عندما يسعى الحكم إلى التفريق وضرب هذا بذاك، فهذه جريمة دولة، أما أن يعجز عن تحقيق درجة من التوافق والإجماع النسبي بين المصالح المختلفة لمختلف الطوائف والجماعات فهذا عرض من أعراض افتقاد الحكم الرشيد. أين موقف الحاكم (المجلس العسكري) مما عانته وتعانيه مصر الآن من فوضى وصراع فئوي مصلحي. عادة ما يلقي الحاكم باللوم على المحكومين المتشرذمين في حين أن تحقيق التوافق هي من مسئوليات الحكم الرشيد.
<!--الاستجابة: هل تستجيب الدولة (المجلس العسكري والحكومة) لمطالب الشعب؟ هل يستجيب المجلس العسكري لمطالب القوى السياسية؟ كمثال واحد فقط، طالب المهندس حسب الله الكفراوي في لقاء تليفزيوني بأن يصدر المجلس العسكري قرارا بالتنفيذ الفوري للحد الأدنى والحد الأقصى للأجور بادئا بتطبيق ذلك على القوات المسلحة. هذه نصيحة من سياسي مخضرم، يعلم أنها سوف تحقق طفرة كسب ثقة هائلة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحقيق مبدأ الاستجابة للحكم الرشيد. فهل من مجيب يا مجلسنا الموقر؟
<!--العدالة والرعاية الشاملة: العدل أساس الحكم، والرعاية الشاملة تضمن عدم استبعاد أو إهمال أي فئة بسبب الفقر أو الضعف أو التهميش أو أي سبب آخر. الاحتقان الديني الطائفي، وإهمال المواطنين في المناطق النائية الطرفية، وعناء الفقر، وعوز ، كلها مظاهر غياب العدالة والرعاية الشاملة.
<!--الكفاءة والفعالية: لو تحققت المعالم السابقة للحكم الرشيد تتحقق الكفاءة والفعالية. الكفاءة تتعلق بتحقيق الأهداف دون هدر يذكر، وبأقل تكلفة ممكنة. أما الفعالية فهي مدى تحقيق أهداف الشعب ومطالب الثورة. ونظرا لعدم تحقيق مطالب الثورة حتى الآن، فنحن في أزمة حقيقية يعاني منها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحقيق الحكم الرشيد. إن إدارة الدولة ليست من مهمة الجيش أو قدراته، ومن ثم فيجب تسليم السلطة إلى حكومة مدنية مطلقة السلطات تحت حماية القوات المسلحة لتقوم ببناء مؤسسات الدولة حتى انتخاب الرئيس المدني القادم، وليخجل المنافقون من أنفسهم، أصحاب ائتلاف دعم المشير طنطاوي لرئاسة الجمهورية.
ساحة النقاش