تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه

الابتلاء العظيم بعد الثورة

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

20 أكتوبر 2011

نعلم جميعا أن من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.

نقول بعد أن نصلي على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ورسل الله أجمعين، أن الثورة الينايرية المستنيرة قد وضعتنا جميعا في موقف، والقياس مع الفارق، يشابه موقف الحاج العائد من حج مبرور. بعد أن من الله عليه بهذه النعمة العظمى، وهي الغفران التام لكل ذنوبه الفاحشة وغير الفاحشة، ماذا سيفعل هذا الحاج العائد من أجل رضاء الله سبحانه وتعالى وشكره. إنه اختبار تعظم صعوبته من المفارقة بين كرم عطاء الله وقدرتنا المحدودة لرد هذا الفضل العظيم.

لقد شاركنا جميعا فيما وصلنا إليه من حال مخزٍ بعد ثلاثين سنة من الحكم البائس للدكتاتور المعروف، كنز إسرائيل وعبد أمريكا السعيد، فجاءت نعمة الله العظمى وقامت الثورة وأزاحت عنا هذا الكابوس اللعين. فماذا نحن فاعلون الآن؟ هذا هو الابتلاء العظيم.

لقد حكَمَنَا خلال تلك الفترة شيوخ عجزة، منهم من يدعي الشباب بمكياجات النساء والحبة الزرقاء، ومنهم من يمشى على ثلاث، إلى أن أنقذنا الشباب في 25 يناير معلنا أن عظام الدول يمكن أن تحكم بزنجي أفريقي الأصل في مقتبل الفترة الشبابية. وأنا شخصيا، دون قَسَم، قد عملت في جامعة أمريكية في نهاية الستينات كمدرس بعد حصولي على الدكتوراه يرأس هذه الجامعة بروفيسور شاب عمره 34 سنة كان يدعى بيتر أرماكوست. ثم ما أبهج سريرتي ما رأيته الأسبوع الماضي من أداء عشرة من شباب مصر المرشحين لعمادة كلية الزراعة جامعة الإسكندرية في عرضهم الرائع لرؤيتهم لتطوير الكلية والتعليم الجامعي، حيث ظن البعض منهم أن هناك ما يمكن أن أضيفه لهم بصفتي شيخا طاعنا متخصصا في التنمية والتطوير بعد مراجعتي لبرنامجهم، فإذا بيَ أقول للبعض منهم "لقد أضاف لي برنامجك ولا أستطيع أن أضيف عليها شيئا،" وخجلت من إضافتي الهزيلة للبعض الآخر. كانت عروضا رائعة لشباب غير متخصص في العلوم الاجتماعية، ولكنه مدفوع بروح الشباب في الوقت الذي يعي فيه، ويعلم كيف يبحث ويزداد وعيه، ويقول مُرَحبا بالشيوخ، ليس لغرض كسب أصواتهم، إن برنامجنا هذا يعتمد على التعاون بين خبرة الشيوخ وفتوة الشباب وقدرتهم على العمل. الشباب لا يخجل من طلب العون والاستشارة من الشيوخ، أما الشيوخ فعادة ما تأخذهم العزة بالإثم ولا يطلبون عون الشباب، بل قد يدفع الغباء بعضهم إلى القول "خلونا نشوف العيال دول حيعملوا إيه"، وهذا هو الاتجاه السائد بين الفلول وسدنة النظام المباركي الفاشل تجاه شباب الثورة والذين يحبون أن يطلقوا عليهم "ثوار" كما لو كانوا مجرمين أو متمردين. ولذلك فأحمد الله سبحانه وتعالى لأني أشم ريح تطور هائل بتصدر الشباب لقيادة التعليم الجامعي وانطلاقه نحو مستقبل ثوري أفضل بإذن الله بوعيهم وجهدهم الرشيد ورغبتهم في التلاحم والتعاون والاستفادة من خبرة الشيوخ.

والآن ماذا يفعل الآخرون تحت هذا الابتلاء العظيم، وخاصة من هم في موضع التأثير والمسئولية ورد الجميل؟

<!--مبارك وعائلته واللصوص الهاربون: لو كنت مبارك لقمت من على سريري، وكتبت إقرارا هو وعائلته مكتملون بالتنازل عن جميع ثرواتنا وأموالنا لخزينة مصر، وقدمت اعترافا بتقصيري وإفسادي الحياة السياسية، وسلمت نفسي للمحاكمة من جديد بعد هذا الإقرار وذلك الاعتراف. ثم أقضي بقية عمري في الاستغفار. أليس هذا هو العقل الرشيد وأقرب الطرق إلى الحق والجنة؟

<!--المجلس الأعلى للقوات المسلحة: أدرك أن الحاكم الذي يدعمه شعبه، لا يمكن أن تقهره أمريكا أو إسرائيل أو أي ضغوط أخرى عظم ما عظم من شأنها. وأدرك أن الحاكم أو الإمام العادل هو أول من يظله الله بظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله. ثم أدرك أن السيطرة على هذه الفوضى الأمنية والسياسية والقضائية والاجتماعية هي من صنع بقايا النظام السابق، سواء منهم من في السجون أو من في المناصب القيادية العليا حتى الآن في مختلف مؤسسات الدولة، وأن هذه السيطرة هي من مسئولية المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ثم أدرك أن إدارة الدولة ليست من مهمة الجيش أو قدراته، ومن ثم فأقوم بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية مطلقة السلطات تحت حماية القوات المسلحة لتقوم ببناء مؤسسات الدولة حتى انتخاب الرئيس المدني القادم. هذا هو الابتلاء العظيم.

<!--القوى السياسية القديمة والمستجدة: أنتم الآن تذكروني بالأيام المباركية التعيسة عندما كنت أنزل لأشتري خبزا فأجد نفسي في طابور عرضه مثل طوله، أي مربع من اللحوم البشرية الممتزجة نساءً ورجالا يتقاتلون من أجل الفوز بحفنة أرغفة تعاف الخراف أن تأكلها. وكانت المشاجرات والأحداث تحدث آنذاك إلى أن قتل فرد آخر بمفك، فتوقفت منذ ذلك الحين عن زيارتي لطوابير الخبز، وبدأت في شراء الخبز غير المدعم. الوحدة والإيثار هما اللذان سيقوداننا إلى دولة المؤسسات الحقة، وليس هذا بالبعيد، عندها سيمد ميدان العمل السياسي ذراعيه مفتوحتين لاستقبال كل الفئات والطوائف دون استبعاد أو إقصاء أو تخوين. ثم أيصح أن يمتد هذا الهراء والاقتتال إلي صلب المؤسسة القضائية "القاعدة والواقفة،" كما يقولون؟

<!--العاملون بالخارج: أنتم 10-12 مليون من فاكهة مصر اليانعة، وخيرة عقولها المستنيرة. ما ضاع حق وراءه مطالب. المواطنة حقكم، والدستور يدعمكم، والمشاركة السياسية واجبكم، فجاهدوا ونحن معكم، ونرجوكم ألا تقطعوا الـ 11 مليار دولار عن مصر، إذا فاض بكم الكيل، فلا تزر وازرة وزر أخرى.

<!--المشغولون بقضايا الدين والتدين: ذنوبنا جميعا لو أحصيتموها وخاصة بالنسبة لكم من ترون أنكم "أولياء الله في الأرض" ستبلغ عنان السماء، طهروها أولا وانفذوا بجلدكم، ثم انظروا حولكم، ولا تقفوا كما فعل، رواد طوابير الخبز، أمام بناء الدولة والانسياب السلس للمرحلة الانتقالية الثورية، ثم افعلوا ما شئتم بعد ذلك. إن الله مع الصابرين.

<!--الإعلاميون الأحرار: منذ إبراهيم عيسى قبل الثورة، ومرورا بدينا عبد الرحمن، وانتهاءً بالحبيب يسرى فوده، بعد الثورة، والعطاء ينمو رغما عن الهجمات الشرسة بين الحين والحين سواء من السلطات الإدارية أو الزملاء المرتزقين أو عامة الشعب من الجاهلين. لا تتركوا الميدان، فأنتم قوة دفع هائلة لتحقيق مطالب الثورة الإنسانية. وارحمونا من رؤية الفلول، فالحديث مع عامة الشعب كما تفعل منى الشاذلي أحيانا أجمل بكثير من سموم هؤلاء الفاسدين وغبائهم "الثقافي" و"العلمي" المدعى، مثل هذا المخلوق السمين الذي لا أعرفه يقول "أنني بصفتي اقتصادي أتحدث بالإحصاء،" والإحصاء لغة المخادعين كثيرا، حيث يقول أنه من سنة 2003 إلى 2009 دخل سوق العمل 100 ألف في الحكومة، و خمسة ملايين شَغًلَهُم رجال الأعمال،  موحيا إلينا ببراءة رجال الأعمال، ولا يقول القطاع الخاص، وهو لا يعلم تركيبة القوة العاملة المصرية والتي لا تشغلها هذه الفئة السارقة من رجال أعمال سيادته.

<!--شبابنا ملاك الثورة: لقد سجل الله الثورة باسمكم في شهره العقاري، فلا تتنازلوا عنها لتجار السوق السوداء. أنتم 70% من شعب مصر. نحن مولون وأنتم مقبلون. الأمل، والعمل دون كلل أو ملل، والالتفاف واجب حول رموز الوطنية كالبرادعي ورفاقه، والإعلاميين المخلصين غير الارتزاقيين، وهم والحمد لله كثر، وحول جيشنا الحبيب، وشرطتنا الطاهرة، وقضائنا العادل الشريف، وشعبنا البائس الفقير. ثم مسك  الختام لبلوغ المراد، الرجاء وحسن الظن بالمولى القدير. وليعتبر الطغاة بما يحدث لأمثالهم. 

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

92,238