تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه

الدين المستحق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

22 أكتوبر 2011

قد أكون مَدينا إلى أخي، وهنا فالدين مُستحق لأخي فقط، وقد أكون مَدينا لنقابة معينة، وهنا فالدين يكون مستحقا لتلك النقابة فقط. أما أن يكون الدين مستحقا إلى مصر وشعبها، فيكون دينا هائلا للغاية.

المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدين لمصر وشعبها بالانتقال السلمي الفعال وحماية الثورة وتحقيق مطالبها. وبعد مرور تسعة أشهر باتت مصر عاجزة عن الخروج من عباءة النظام الدكتاتوري الفاسد، ليس هذا فحسب بل وبدأت تتفتح لاستقبال الطغاة والفاسدين عائدين إلى مواقعهم البرلمانية في أول خطوة من الخطى المرتبكة غير المنطقية التي سنها المجلس العسكري رغما عن إرادة الشعب والخبراء والقوى السياسية، وهي خطوة الانتخابات البرلمانية المهددة بطغيان بلطجية هؤلاء الطغاة الفاسدين وأذرعهم الأخطبوطية.

لقد أوحى الله إلى مصر أن تمن على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بجنود هم خير أجناد الأرض، جنود لا يكادون يحصلون إلا على لقمة عيش تتراوح بين العدس غير المطحون والملوخية بأوراقها وما شابه ذلك، حيث شبعنا من ذلك، على سبيل المثال، دون شكوى أو ألم ونحن في صحراء فايد نتدرب في كلية الضباط الاحتياط في بداية الستينات، وقد مات زملاء لنا من عنف التدريب في الحر الشديد. ولا تحب مصر بشيمتها الكريمة أن تعد ما تمُن به على أبنائها وخاصة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يكفيه أن يقارن نفسه بنظرة موضوعية بزملائه من قدامي الموظفين والعاملين الشرفاء في مؤسسات الدولة الأخرى، باستثناء اللصوص الذين نهبوا مصر ظلما وعدوانا وإجراما. بارك الله لكم فيما رزقكم من خلال قيامكم بسداد دين مصر بتحقيق مطالبها الثورية بحكم الأمانة والحكم العادل، وبحكم شعب قضى الله أن يرفع عنه الظلم والاستبداد والدكتاتورية والقهر والخوف بإطلاق ثورة يناير المستنيرة، فلا تجهضوها أو تعطلوها، وبحكم أطفال جوعى، وأمهات معذبات حيارى، وشباب يائس مكبل، وشيوخ ضعاف ذابلين، وبحكم آمال دبت في شعب ثائر لا يبغي سوى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. بحكم هذا الدين المستحق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة نطالبه بالحسم في إطلاق هذه الدولة على طريق المؤسسية المدنية، وتسليم الدولة إلى حكومة مدنية مطلقة السلطات من خلال النظر في الإجراءات التالية:

<!--"قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد"، هذه هي العبارة التي أعطت المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة، ولا أقول شرعية، إدارة شئون البلاد. الشعب كله يعلم أن المخلوع لا يمتلك سلطة التفويض أو التكليف، وأن هذا الأمر مخالف للدستور، علاوة على التحيز المقصود من جانب الرئيس المخلوع بإعطاء شرف الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، مما جعل الشعب يشكك، ولا زال يشكك في طبيعة العلاقة بين مبارك والمجلس العسكري. ومن ثم فيجب أن يترفع المجلس العسكري عن هذا الشرف، ويوليه الآن إلى مستحقه دستوريا وهو الشعب من خلال إحدى الصور المدنية المقترحة على الساحة الآن سواء كانت مجلسا رئاسيا، أو حتى حكومة إنقاذ مطلقة السلطات، ويظل المجلس العسكري والجيش المصري حاميا ومنظما وميسرا Catalyst لعملية الانتقال إلى الدولة المؤسسية المكتملة قبل يونيو 2012.

<!--إن ما يؤكد على تلك العلاقة التشككية بين الدكتاتور المخلوع  والمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المحاكمة الهزلية لهذا المخلوع وعائلته، والتي تستحق بحق الدخول في موسوعة جينيز كأولى وأعظم المحاكمات الفاخرة لدكتاتور مخلوع تعدت لقب "السبع نجوم"، والتي ستنتهي بالبراءة قطعا بعد شهادة السيد المشير المعروفة، خاصة وأن التهمة الموجهة إلى هذا الدكتاتور هي مجرد الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين. كما يؤكد تلك العلاقة أيضا ما يتبين كل يوم من إجهاض تدريجي للثورة ومطالبها وإعادة تأسيس النظام العفن باستغلال البارونات الفاسدين والطفيليين الجشعين من أعضاء الحزب الوطني المنحل ورجال الأعمال مصاصي الدماء وسارقي ثروة مصر وأحلامها، كل ذلك تحت ستار القانون المفترى عليه.

<!--أعلمنا اللواء محمد العصار في لقاء العاشرة مساءً يوم 19 أكتوبر، والذي نال من الحسرة ما نال، أن القوات المسلحة تقوم لأول مرة بــ "التنمية السياسية"، بعد أن كانت تقوم بالتنمية الاقتصادية، وذلك على مستوى العالم وتاريخ العالم. ما هذا الإبداع العبقري؟ بأي حق تقوم المؤسسة العسكرية بالتنمية السياسية. ما هي المؤهلات المتوسطة أو العالية أو الخاصة بالدراسات العليا، ومن أي جامعة أو مؤسسة حصلت عليها؟ هل يمكن لأطباء مصر، فرادى أو من خلال نقابتهم، أن تتصدى للتنمية السياسية؟ ولا تعليق بعد ذلك. سيدي اللواء العصار: إن مهمة القوات المسلحة هي التنمية العسكرية فقط. هي بناء جيش لا يقهر، بعنصره البشري، وتنظيمه الفعال، وعتاده الرهيب بما فيه من تسليح نووي وصواريخ عابرة للقارات غير قابلة للاعتراض وأمثال ذلك .. هذه هي مهمة القوات المسلحة، وليست التنمية الاقتصادية إطلاقا، وبالتأكيد ليست التنمية السياسية. التراث الشعبي العاقل يقول "أعط العيش لخبازه ولو ياكل تلاث اربع" ، ولا تنسوا المثل المتعلق بصاحب البالين.

<!--إن ما يحدث في مصر الآن يُصْدِق من حيث الشكل ما يقوله البروفيسور نووام تشومسكي عالم اللغويات والفلسفة والسياسة في إم آي تي MIT الأمريكي، حيث يقول إن أمريكا وحلفاءها يفعلون أي شيء ليمنعوا الديمقراطية الأصيلة في العالم العربي، لأن تعاملها مع دكتاتور فرد أمر سهل جدا. أما أن تتعامل مع شعب ديمقراطي حقيقي فسوف يطردها من المنطقة الحيوية بالنسبة لها. ومن أجل ذلك فهي أيدت الدكتاتور (مبارك) حتى اللحظة الأخيرة، وعندما سقط بفعل الثورة الينايرية المستنيرة فإنها تؤيد الحركة الجديدة بخطاب ديمقراطي مزيف، ثم تتخذ من الإجراءات ما يرجع النظام السابق تحت قيادة جديدة، وقد نفذت ذلك من قبل مع سيموزا في نيكاراجوا، ومع الشاه في إيران، وماركوس في الفيليبين، وشاوشيسكو في رومانيا، وموبوتو في الكونجو، وسوهارتو في اندونيسيا، وديفالييه في هاييتي، والآن مع مبارك في مصر حيث أرسلته إلي شرم الشيخ وتعيد النظام القديم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولكن إذا كانت تلك هي خطة الولايات المتحدة، فلتبحث عن خطة أخرى لأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوطنيته وتجسيده لشعب مصر لن يكون الأداة الحقيرة التي يتمناها تشومسكي أو أمريكا من أجل إرجاع الدكتاتورية لمصر الحبيبة.

<!--هل هذا الضباب الذي نعيشه الآن يخيم على الشعب المصري وقواه السياسية فقط؟ أم أنه يخيم أيضا على المجلس العسكري نفسه؟ هل يحتاج المجلس العسكري إلى خدمة يؤديها له الشعب ليخرجه من أزمة الخطة الأمريكية ودعوى نووام تشومسكي المحتملة؟ هل يحتاج المجلس العسكري في هذه الحالة إلى مليونية جارفة رهيبة تطالبه بتسليم السلطة إلى حكومة إنقاذ وطني مطلقة السلطات ويتخلص هو من هذا المأزق؟ إذا كان الأمر كذلك فالشعب تحت أمره، ورهن إشارته التي يعلم هو كيف يرسلها لأهله الساعين نحو حقهم في الحياة الكريمة والحرية وعبادة الله الواحد، والعمر واحد والرب واحد.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

92,243