تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

Subject:انحسار الاندماج الشعبي وحتمية الاندماج السياسي للعبور الثوري العظيم

الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.

إن لم يعجبك قولي فأرشدني،

وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،

أو بلوكمي، أو سبام مي.

 انحسار الاندماج الشعبي وحتمية الاندماج السياسي للعبور الثوري العظيم

                                         بقلم                                          

22 سبتمبر 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

 

أظنك قارئي العزيز قد سمعت عن "الاندماج النووي". هو عملية تجمع عدد من النُوَيًات (جمع نواة) لتندمج وتكون نواةً واحدة. كتلة هذه النواة الجديدة أقل قليلا من كتلة النويات الأصلية. الفرق بين الكتلتين يتحول إلى طاقة تساوي مقدار معينا حسب معادلة خاصة للعالم أينشتاين. المهم أن وهج النجوم والشموس وبريقها وعدم انهيار تلك الأجرام الهائلة يأتي من تلك الطاقة الاندماجية الرهيبة الناتجة عن اندماج ذرات الهيدروجين وتحولها إلى هليوم. هذه سنة من سنن الخالق سبحانه وتعالي مقتضاها "الاتحاد قوة"، "الاندماج عزم وتآزر"، "والوحدة خير من الفرقة والتشرذم". ولاحظ أن هناك انشطارا نوويا ينتج عنه طاقة أيضا، ولكن هذه الطاقة طاقة مخربة على عكس طاقة الاندماج النووي التي تحفظ وجود الأجرام واستمرارها في هذا الفضاء السرمدي الفسيح.

وصلتني بالأمس رسالة إلكترونية محولة، أي مجهولة المصدر، يتأسف لها المحول وقائلا "لا تعليق". وبقراءتها تأكدت أنها من أحد مهاويس المتطرفين من تيار الإسلام السياسي الذي يسيئون إليه كالدبة التي قتلت صاحبها وهي تقتل الذبابة. آخر جملة في هذه الرسالة تعبر عن شخصية صاحبها التي تشبه تماما شخصية "حميدة الهابلة"، كما كانت تسمى بالقرية، والتي كانت تهيم في قريتنا الدقهلاوية قديما تسب خلق الله أجمعين، رحمها الله وشفى مرضى الخلق أجمعين. تقول تلك الجملة الأخيرة لذلك المتطرف "أتمنى موت البرادعي الآن مثلما تمنيت مجيئه أولا" مدعيا أنه العدو الأول للثورة لمجرد تأييده للقائمة النسبية المطلقة، وأنه لو أنصت الناس له سيسلم السلطة للعسكريين ونرجع مرة أخرى إلى حكم العسكر. طبعا سأتركك أنت قارئي الحبيب لكي تستمتع بهذا الذكاء الخارق والتطرف الأعمى لهذا العبقري المتوهج. ليس هذا الإنسان إلا حالة متطرفة من واقع التفرق والتطاحن الذي أوصلنا إليه البطء الشديد لإدارة المرحة الانتقالية الثورية الحالية وعدم تحقيق مطالب الثورة وغاياتها.

لو استمر هذا التشرذم الحالي على هذا المنوال تغذيه الأنانية والغباء السياسي والتدافع من أجل مغانم الثورة ودوافع المعاتيه من خلق الله فإنه سوف يؤدي إلى الانشطار "النووي" الاجتماعي لقوى الثورة، ويعود النظام الدكتاتوري السابق بنسخة هتلرية أعتى وأشد.

أنظر قارئي الحبيب إلى الثمانية عشر يوما الأولى من الثورة، وما حدث فيها من اندماج نووي اجتماعي شعبي هائل أطاح برأس الدكتاتور وكتب ميلاد هذه الثورة المستنيرة. ولكن للأسف الشديد تناقصت تلك الحالة الاندماجية الرائعة، والتي لا يحسن وصفها إلى الأدباء الرومانسيون العباقرة، تناقصت تدريجيا بفعل البطء الشديد في إدارة المرحلة الانتقالية وعدم التحقيق الجدي لمطالب الثورة، وسحبت السجادة من تحت أقدام الشعب لتوضع تحت أقدام القوى السياسية بثوارها وفلولها وأحزابها التي لا تعد ولا تحصى.

من أجل ذلك وضعت القوى السياسية في موضع اختبار تاريخي مفصلي هائل ليقود هذه الدولة الصابرة إما إلى العبور العظيم نحو النور والحرية والقوة والمنعة والعدالة الاجتماعية والكرامة والعزة المصرية، وإما إلى الدكتاتورية الهتلرية، ولحظتها سيقفز مبارك عفي البدن من سريره الأنيق ويخرج من التريننج المكوي الجديد ليسعدنا بخطبه الملهمة وكارزميته الفريدة ونعود مرة أخرى إلى الكمون البائس في ظلمات التخلف والاستبداد.

المهم الآن وخلاصة القول هو كيفية تحقيق الاندماج السياسي في مواجهة الثعابين ومصاصي الدماء المتربصين من قوى الثورة المضادة بعد أن أدت المرحلة الانتقالية إلى إحداث استقطاب جديد ومواجهة مصيرية بين القوى السياسية للثورة وقوى الثورة المضادة، وحيدت، وأقول إلى حين، القوة الشعبية الخارقة.

وأنا على يقين من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمكنه أن يُخرج مصر من هذا المأزق، وينحاز صراحة، وله الفخر، لتحقيق مطالب الثورة وغاياتها ويخط لنفسه مجدا تاريخيا لن ينسى في الدنيا، ويقيم لنفسه موقعا في أعلى هضاب الفردوس الأعلى. ولكن بسبب الضغوط الهائلة التي يتعرض لها المجلس الأعلى والتي تناولتها في مقال سابق كان الموقف الحالي هو المحصلة النهائية. وسأحاول كعادتي أن أحدد رؤيةً لتحقيق الاندماج السياسي المطلوب فورا:

<!--تأجيل اللذة والنشوة والمغانم السياسية: اكتشف علماء الاجتماع في الستينات أن تأجيل المتع Postponement of gratification كان من أهم عوامل التنمية والعبور نحو الحداثة. وهنا ننادي الإخوان المسلمين بصفة خاصة وحزب الوفد المتأخون وبقية الأحزاب القديمة أن يَصبروا على مكاسبهم الخاصة إلى ما بعد المرحلة الرئاسية الأولى بعد الثورة (4-5 سنوات)، ثم يمارسوا السياسة بألاعيبها وأوحالها ومكاسبها وانتهازيتها كما يشاءون بعد ذلك بعد قهر الثعابين ومصاصي الدماء أهل الثورة المضادة. وفي ذلك صالح مصر كلها، بل وصالح هؤلاء الفرانكنشتاينات أنفسهم إن كانوا يحبون أبناءهم وأحفادهم.

<!--نداء إلى مرشحي الرئاسة الأحبة والأفاضل، وعلى رأسهم عمرو موسى أن يرحم معدته من ساندوتشات الفول والطعمية والصلاة بالناس، وأن يتوقفوا عن دعايتهم الانتخابية المبكرة جدا جدا (والتي قد تنتهي على فاشوش)، ويستمروا في جمعهم وعصفهم الذهني وقدح بصيرتهم من أجل تحقيق الوحدة السياسية في مواجهة أعداء الثورة، وهم يعلمونهم جيدا أكثر منا نحن السذج غير المتخصصين في العمل السياسي.

<!--تشكيل "مجلس سياسي وطني" لا يزيد عدده عن عشرين عضوا، منهم أقدم خمسة من مرشحي الرئاسة والباقون من الأحزاب السياسية القديمة والحديثة ومعهم شخصيات عامة مستنيرة مثل الرائعتين تهاني الجبالي ونهى الزيني وعلاء الأسواني وفاروق جويدة وهناك الكثير والكثير من أجمل الجميلات والجميلين من أمثال هؤلاء، أناس يعتصرون حبا لمصر، ويزانون بعقول راجحة، وتحرسهم ضمائر تعرف الله ورسوله. مهمة هذا المجلس السياسي الوطني تنحصر في بندين: (أ) تمثيل القوى السياسية والشعبية والحديث باسمها والتحاور مع حاكمنا الموقر المجلس الأعلى للقوات المسلحة. (ب) تحقيق الاندماج السياسي من خلال ابتكار الآليات الفعالة لتحقيق ذلك سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي أو الاقتصادي أو الاجتماعي (النقابات والمجتمع المدني وتطهير أجهزة الدولة).

<!--الإعلام المستنير والتواصل الشبابي الفعال، وذلك برجوع الإعلاميين بصفة خاصة وشباب الثورة جميعا بمن فيهم حزب الكنبة والأغلبية الصامتة إلى روح الثورة وعظمة الاندماج السحري الذي احتضن الجميع في الشهر الأول من عمر الثورة، والتخلي عن التسالي والتعالي والاستذكاء والاستهزاء بالآخرين، فنحن جميعا في سفينة واحدة لا يعلم مخربوها من أعداء الثورة أنهم سيكتبون من الغرقى بدون شهادة، هم وأبناؤهم وبناتهم وأحفادهم من بعدهم. وبإذن الله الثورة ستغدق ثمارها، فساهموا في بنائها حتى تطيب ثمارها في عقولكم قبل معداتكم.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,740