مواجهة الأزمة الكبرى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة: استثمار الكنوز وتحطيم القيود
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع 11 سبتمبر 2011
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
إنه بالفعل في أزمة حقيقية، المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لم يكن أميرا ثار على والده الملك الفرعون من أجل الحرافيش، ولم يكن حرفشا (أو حرفوشا) ثار على الملك من أجل قومه الحرافيش، ولكنه كان الأمير الأكبر الذي أهداه الملك سلطان الحكم بعد أن أسقط الحرافيش الملك مكتفين بفرحة الحرية العارمة، ومنتشين بنهاية الظلم المؤلم وبزوغ أنوار فجر العدالة الاجتماعية، غير عابئين، في براءة الطفل، بسلطان الحكم.
كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثلاثين عاما أكبر الأمراء المنعمين في بلاط الملك، يشاركه الأمير الأوسط، وزارة الداخلية، أو بمعنى أدق المجلس الأعلى للشرطة أو ما يناظره، ثم هناك الأمير الأصغر وهو مؤسسة الرئاسة بحرسها الجمهوري. يخدم هذا الثالوث مجموعة من ملأ فرعون الطفيليين من رجال الأعمال والإقطاعيين الحكوميين والسياسيين، والحرافيش يئنون في سجون الفقر والجهل والمرض. رحم لله ملهم الأحرار نجيب محفوظ.
الفضيلة العقلية العظمى للمجلس العسكري أنه لم يقمع ثورة الحرافيش التي فوجئ، كما فوجئ العالم كله، بحجمها الخرافي الذي تعدى العشرين مليونا، أي الشعب بأكله بالفعل إذا استبعدنا النساء والأطفال تحت 15 سنة.
وهنا كانت الأزمة الكبرى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي تتمثل في الولاء، أهو للملك الفرعون الذي عاش منعما في ظلاله ثلاثين عاما، أم لهؤلاء الحرافيش المقلقين الذين خرجوا بأمر الله من مصباح علاء الدين؟ وفي أول بياناته العسكرية اتخذ المجلس قراره بالانحياز لثورة الحرافيش وتصميمه على ترك إدارة البلاد وتسليم الحكم لسلطة مدنية في ظرف ستة أشهر. وتتابعت الأحداث ولا زلنا "محلك سر" بعد مرور ثمانية أشهر من هذا البيان. (أنظر هذا الرابط http://kenanaonline.com/users/mngamie/posts#http://kenanaonline.com/users/mngamie/posts/314374)
تلوم وسائل الإعلام وزير الداخلية بسبب الانفلات الأمني حيث ناقشت نخبة بالأمس "ماذ تفعل لو كنت وزير الداخلية؟" ووجهوا نفس اللوم أيضا إلى رئيس الوزراء وحكومته، في حين أن السؤال الحقيقي هو بندان لا ينفصلان: (أ) ماذا تفعل لو كنت محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ (ب) ما ذا تفعل لو كنت محل الشعب وخاصة الثوار بداية من حركات كفاية وأمثالها، والحرافيش من أصغر شاب في ميدان التحرير إلى أكبر شيخ فيه مرورا بالبرادعي وصباحي والأسواني وجودة وأمثالهم من الملهمين الثوريين، وانتهاءً بالغافلين من حزب الكنبة وأبناء مبارك. مقالنا هذا حول البند الأول: ماذا تفعل لو كنت محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ الإجابة بندان: الأول استثمار الكنوز، والثاني تحطيم القيود.
استثمار الكنوز: الكنوز التي يمتلكها المجلس الأعلى للقوات والمسلحة والتي تتطلب تفعيلا من أجل الإدارة الفعالة لتحقيق مطالب الثورة والانحياز لها تتمثل فيما يلي:
<!--القدرة على التخطيط الاستراتيجي (والتي تجلت بوضوح في حرب 73).
<!--تمتع الجيش بالحب الأصيل الحقيقي للشعب (الشعب والجيش إيد واحدة).
<!--طاعة الشعب واستعداده للتضحية والفداء لو تم استدعاؤه لتحقيق مطالب الثورة وغاياتها. (خير جند الله عسكرا وشعبا).
<!--القدرة على التصنيع الحربي.
<!--القدرة على استخدام القوة بما فيها قانون الطوارئ لتحقيق الأمن وسيادة القانون.
<!--وجود ثروة علمية وفنية تحت الاستدعاء لتنفيذ مشروعات مصر الكبرى (العسكرية والمدنية).
تحطيم القيود: يتعرض المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقيود هائلة بعضها، كأي إنسان عادي، هو من هوى الأنفس، والبعض الآخر موضوعي أي خارجي، منها ما يلي:
<!--المميزات والإغراءات الشخصية والمؤسسية للمؤسسة العسكرية منذ ثورة 52.
<!--الولاء الشخصي للرئيس السابق، وهذا أمر طبيعي لا ينكره إلا ناكر الجميل.
<!--العلاقات الإيجابية مع رموز النظام السابق (فريق العمل) مما أدى إلى ضعف القدرة على مواجهة وزارة الداخلية لإعادة هيكلتها.
<!--الغيرة على شرف المهنة العسكرية التي لوثها مبارك بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة كرمز لها.
<!--عدم ثقة السواد الأعظم من الشعب في فعالية الحكم السياسي العسكري.
<!--معاهدة السلام مع إسرائيل التي تدعم النظام السابق.
<!--إغراء المعونة الأمريكية (1.3 مليار دولار) معظمها موجه للجيش في صور مختلفة.
<!--الضغوط الإسرائيلية والأمريكية والغربية والخليجية العربية المؤيدة لنظام مبارك.
<!--تحقيق مطالب وأهداف الثورة بالتبني وليس بالإرادة الذاتية.
<!--ثقافة الإدارة العسكرية المعتمدة على الأمر والائتمار والطبقية والطاعة العمياء وضعف المشاركة والحوار، وهي ما تناقض ثقافة الإدارة السياسية التنموية.
<!--انشغال القوات المسلحة في أعمال مدنية كثيرة مما يؤثر على واجبها الرئيسي وهو العمل العسكري.
<!--الارتفاع التدريجي المستمر لمنحنى عدم رضاء الشعب عن الأداء الإداري للمرحلة الانتقالية الثورية.
الخلاصة: هل يستطيع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تفعيل كنوزه واستغلالها وتحطيم قيوده المذكورة أعلاه؟ من يتأمل هذا التحليل يرى صعوبة فائقة في إمكانية المجلس الأعلى لاستغلال كنوزه وتحطيم قيوده. يبدو أن مبارك وكهنته (صفوت وسرور وزكريا بالذات) قد ورطوا المجلس العسكري في مستنقع لا يعلم مدى عمقه إلا الله. وهذا شأن شياطين الإنس. فما الحل إذن؟ وسيلتان أو بديلان، أنا شخصيا أفضل الأول، ولكن لا مانع عندي أيضا من الثاني، ولكن بعد الاعتذار والاستئذان والتعويض المادي والمعنوي الكريم لأسر الشهداء والجرحي.
البديل الأول: يعتمد على مبدأ "الرجوع إلى الحق فريضة وليس مجرد فضيلة" وهو وضع دستور جديد، ثم انتخاب رئيس للجمهورية وحلف لليمين أمام القضاء أو المجلس العسكري أو على المصحف الشريف أمام شيخ الأزهر، ثم تشكيل حكومة، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد إقناع السياسيين الانتهازيين من التيارات الإسلامية والأحزاب الكرتونية القديمة وإهمال فلول النظام من الحزب الوطني وحلفائه. ثم يجرى احتفال شكر للقوات المسلحة عند انسحابها من السلطة المدنية تدريجيا.
البديل الثاني: الانتهاء من محاكمة مبارك والإعفاء عنه إذا أدين، ومعه أيضا آخرين ممن قد يراهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة (فهم بالتأكيد ليسوا أكثر ذنبا منه)، ثم تطبيق البديل الأول المذكور أعلاه، وذلك من أجل التحول من محلك سر، (أو ربما للخلف در) إلى "للأمام مارش"1. وهل تستحق مصر وشعبها الصابر غير ذلك؟
<!-- راجع هذا الرابط بعنوان "من محلك سر إلى للأمام مارش":
http://kenanaonline.com/users/mngamie/posts#http://kenanaonline.com/users/mngamie/posts/314374
ساحة النقاش