تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

Subject: دينا عبد الرحمن وثقافة الحكم العسكري

 الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.

إن لم يعجبك قولي فأرشدني،

وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،

أو بلوكمي، أو سبام مي.

أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]

دينا عبد الرحمن وثقافة الحكم العسكري

مع رجاء نشر هذه الرسالة

                                          بقلم                                         

25 يوليو 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

كان الشاويش "رزق البنداري عطية" يقف أمامنا  نحن طلاب السرية السادسة بقامته القصيرة وساقيه المقوستين وجسده النحيف وصوته الأجش يعطينا "داخلية" أي محاضرة تربوية ونحن في وضع انتباه مشدود كي يروضنا ويحولنا من ثقافة الطراوة والرخاوة والترف، ثقافة المدنية أو الملكية، إلى الثقافة العسكرية. كان هذا في صيف عام 1962م وفوق سخونة رمال معسكر كلية الضباط الاحتيا ط بفايد، وكنا من رواد المجندين المؤهلات العالية في ذلك الوقت. وكان يحل له استخدام الألفاظ الجارحة مثل "عيل .. شخاخ.. نمرة .." ويقول لنا "كل واحد يعلق كرامته على باب القشلاق ويحط البكابورتوس بتاعه فيها".

كانت روح الشباب تجعلني أبتسم لمنظر الشاويش رزق، فكان يلحظني، فيكون الطابور الزيادة أو الحبس خميس وجمعة من أصدقائي بعد أن أحول مكتب إلى أركانحرب الوحدة. وأرجو أن  يكون هذا الأسلوب في ترويض المجندين قد ولى أو أن يتم إقصاؤه إن كان لازال موجودا بعد ثورة يناير إن شاء الله.

لقد أخذت الرائعة دينا  عبد الرحمن اليوم أو الأمس إما داخلية صغيرة  أو طابور زيادة أو حبس خميس وجمعة، وهي آخر الضحايا لسلسلة مثل هذه الإجراءات التي يتعرض لها أفضل الإعلاميين في الشهور الأخيرة، وذلك لمجرد تحاورها الصريح الجريء مع اللواء دكتور عبد المنعم كاطو وتخميناته الشخصية. وشكرا للمجلس العسكري على تخفيض هذه العقوبات بعد أن كانت سجنا بالقانون بل وأكثر من ذلك لكل من يتجرأ بالتعرض للذات المباركية أو أسرة الطاغية قبل الثورة. ولو كنت مكان المجلس العسكري لحولت هذه العقوبات إلي جوائز ومكافآت.

أولا، تحية للإعلامية القديرة دينا عبد الرحمن وأمثالها – وهم معروفون – من المجاهدين من أجل الحرية والكرامة والعزة والعدالة الاجتماعية. هؤلاء هم نماذج للمثقف الحق الذي يتميز باعتناقه لرسالة سامية من أجل وطنه وشعبه. أما الإعلامي الذي لا يمتلك مثل هذه الرسالة فهو مجرد مثقف منقوص الهوية يطلق عليه علماء الاجتماع لقب  "البيروقراطي الوظيفي" Job bureaucrat أي الموظف الارتزاقي والذي ندعو له أن ينعم برزقه، ولكن يا ليته لا ينافق السلطات، وينقطنا بسكوته، ولا يحارب المثقف الحق، الإعلامي ذا الرسالة الوطنية.

كنت قبل كتابة هذه الرسالة سأشرع في كتابة مقال بعنوان "إعلاميو مصر ... اللي يحب النبي يزق"، ولكن أتت واقعة دينا عبد الرحمن فجيشت مشاعري نحو كتابة المقال الحالي. ولذلك فلي رجاءان، أو التماسان، أحدهما للإعلاميين والآخر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

أحبتي إعلاميو مصر: قامت ثورة 25 يناير كهبة من الله سبحانه وتعالي لشعب ذاق الأمرين وصبر ودعا الله سبحانه وتعالي فاستجاب له بأسباب من فعل البشر، أولها غباء النظام البائد في مواجهة الاحتجاجات الشبابية، ثم التلاحم الشعبي غير المسبوق، كل ذلك مقرونا بدور الإٌعلاميين الشرفاء ومعهم قناتا الجزيرة والعربية بصفة خاصة. أنتم أعلم مني بحكم تخصصكم ودراستكم، ولكن بحكم تدريسي لعدة مقررات في علم الاجتماع لطلاب الإعلام في جامعة مصر الدولية وغيرها أود أن أذكركم فقط بأهمية "تقدير الموقف"، والمتغير دائما، عند السلوك عامة والسلوك الإعلامي بصفة خاصة. المجتمع المصري الآن في حالة هياج غير متزن كالبحر الهائج أو الجسد المريض، تتصارع عناصره وطوائفه بأنانية وعنف جارفين، حتى أن  العضو  الواحد كالإخوان  المسلمين تتصارع عناصره الفرعية مع بعضها البعض. والسبب في ذلك هو انهيار المؤسسات أي المعايير والقوانين والتنظيمات الحاكمة لقطاعات الحكومة والاقتصاد والتعليم والأسرة والدين في فترات التغير الثوري أو الجذري أو السريع. وإذا جردنا هذه الأسباب من الأخص إلى الأعم نجد الحكومة "أي القيادة السياسية" هي المخ أو المركز  العصبي لهذا البنيان الاجتماعي والمؤسسي المريض. وبمعنى آخر لو صلحت الحكومة لصلح الجسد كله.

الحكومة الآن هي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والوزراء موظفوها كما كان الحال في العهد البائد. إذن، فيجب أن نتعامل مع المجلس العسكري بما يؤدي إلى إصلاح سياساته الحكمية. وبصراحة مطلقة أنتم أيها الإعلاميون الشرفاء تقومون بعملكم بصورة ممتازة وكل ما أرجوه الآن هو التركيز على الإبداع في تحقيق الوحدة الوطنية. ولا ينقص الإعلام إلا أن يساند الإعلاميون المرتزقة إخوانهم الشرفاء، ولا يعينوا الظالم على ظلمه من خلال النفاق أو المواقف المائعة أو المكاسب الرخيصة. وإذا كانت دينا عبد الرحمن قد فصلت من عملها بأمر رجل أعمالها، فهو أمر متوقع من أمثاله، ولكن سيرزقها الله  بما هو أفضل كما  حدث مع زملائها من قبل، "ونمسك الخشب".

أما أنتم حكامنا وسادتنا أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فماذا تريدون؟ هل يرضيكم وقف حال مصر الحبيبة؟ هل يرضيكم إهدار دماء الشهداء والجرحى المراقة على ثراها الحبيب؟ هل تستبدلون مبارك وكهنته الفاسدين بمصر وشعبها وشهدائها وأنتم حراس مصر وعمودها الفقري؟ إن استقلالكم الذي يجب أن يلي استقلال القضاء يمكنكم من كونكم مؤسسة لا يمسها الفساد، ومن ثم فيمكنكم أن تكونوا رمانة ميزان  القوى الاجتماعية والسياسية المتصارعة وقت الأزمات. لماذا لا ننصرف عما لا يليق بكم ولا بمسئوليتكم من التسويف والبطء والمشاركة في لغط الحديث والمداخلات الفردية مع الإعلام ومقارعة أبنائكم وبناتكم من الشباب والثوار الذين حرروا مصر ومعها جيشها من هذا الدكتاتور الفاسد؟

دعونا نأتي إلى كلمة سواء. لماذا لا تختاروا عشرة من بينكم يقابلون عشرة يقترحم الشعب أو تقترحونهم أنتم ممثلين للشعب على أن يكونوا من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية وآخرين، وتتخذون من القرارات ما يحقق مطالب الثورة التي وعدتم بتحقيها فورا؟ وأنا شخصيا أول الموافقين على ما ستصلون إليه من قرارات حتى ولو كان من ضمنها إرجاع حسني مبارك إلى رئاسة الجمهورية.... وعندها سأهاجر في أرض الله الواسعة.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

96,925