الرئيس التالي للبرادعي حول الأربعين
مع رجاء نشر هذه الرسالة
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754 2/7/2011
يعلم الله سبحانه وتعالي السر في سن الأربعين، إذ بُعث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأربعين، وقال سبحانه وتعالي في حق الصديق أبي بكر رضي الله عنه، حسب جمهور المفسرين، " وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الأحقاف 15). وكثيرا ما أقول لطلابي "من بلغ الخامسة والخمسين من عمره ولم يثمر خيرا في حياته فهو عقيم كذكر النخيل"، أي خمس عشرة سنة بعد الأربعين، من لم يثمر بعدها خيرا فالله يكون في عونه.
تعليقا على مقالتي السابقة "أبنائي الشباب.. هل أنا على حق؟" جاءتني رسالة من أحد علمائنا البارزين في الخارج، العزيز أ.د. حسن بدير مهندس أنظمة الطيران بولاية كاليفورنيا الأمريكية تعظيما لدور الشباب في المرحلة القادمة من بناء مصر الحبيبة، حيث اقترح الدكتور حسن أن يكون من أحد المشروعات الوطنية لبرنامج الدكتور البرادعي الانتخابي أن يدرب على الأقل ثلاثة من الشباب حوله بحيث يكون الرئيس الذي يليه شابا لا يتعدى الأربعين من عمره.
أليس هذا باقتراح عبقري؟ هو ليس غريبا على من يعيشون ويتشربون ثقافة الديمقراطية ويعملون في مجتمعات الكفاءة، مثل هذا المجتمع الذي توج زنجيا علي كرسي رئاسة الجمهورية لأقوى دولة في العالم. هؤلاء الذين يتشربون الديمقراطية ويعيشونها، كما عاشها الدكتور البرادعي في عمله بالخارج، وكما عشناها نحن أثناء دراستنا بالخارج أيضا، يستقبلون من الألفاظ ما لا يليق بمحدثيها الكبار الذين يفترض فيهم أن يكونوا نماذج للقيم الإسلامية، حيث يقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح حول ما يدعيه من إفلاس مرشحي الرئاسة أن أحدهم مستورد، يقصد البرادعي، والثاني يقترب من الـ 75، وأصغرهم 59 سنة وهو الصباحي. أي دعاية هذه، وأي إسلام هذا يا رموز الإسلام؟ إذا كان محمد عبده والأفغاني مستوردين فنعم الاستيراد. وإذا كان العمر هو معيار الكفاءة فقط فقد عشنا حينئذ في المجتمعات البدائية والبدوية التي يتحدد مقام الفرد فيها بالمعايير الموروثة كالجنس والعمر والأسرة. والله لا أستطيع أن أقول مثل هذه الأقوال الجارحة لمتسول يسألني صدقة. وقد جرحت فعلا بالأمس عندما رد على مقالتي السابقة إنسان يقول "أنت لست في السبعين أنت فوق الثمانين، اترك الأمور تسير على ما يرام، كفاية بقى، إنتو عاوزين إيه؟ فرددت عليه بآية قرآنية، فرد علي ثانية يقول "كفى اترك السياسة للسياسيين". وأنا أقول لعنة الله على السياسة، تلك التي تؤثر على الناس بهذا الشكل، إلا من رحم ربك.
المهم، عودا للشباب الذين قلنا من قبل أن نسبتهم تمثل 60% على الأقل (18-35 سنة) من شعب مصر، ويمكن أن تزيد هذه النسبة إلى 80% لو اعتبرنا الشباب يمتد حتى 45 سنة. إذن فكيف يستبعد 80% من المجتمع من المشاركة الفعالة في حكم المجتمع؟ هذا ما أدركه البرادعي وشعر به الشباب فدعموه وآزروه. وكيف لا وقد كان الشباب والفقراء هم أول من آمن بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ورسالتة، والقياس مع الفارق طبعا، حتى أن دار الأرقم بن الأرقم، ذلك الشاب بن السادسة عشر، كانت مدرسة النبوة الأولى، ثم انظر إلى أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير وأسامة بن زيد والزبير بن العوام وأنس بن النضر وعبد الله بن جحش وغيرهم كثير وما قاموا به من بناء الأمة الإسلامية في صدر الإسلام.
وتأييدا لفكرة الدكتور حسن بدير لا أريد أن أذكر أسماء شباب عباقرة لمن يرفضون فكرة الدكتور حسن بدير ويقولون باستعلاء "شوية عيال بيلعبوا، هو حكم البلاد لعبة؟"، أقول لهم انظروا اليوم إلى مثال واحد فقط حتى تتجسد لهم الفكرة، فهم غالبا ما لا يفهمون الأفكار المجردة. أقول لهم انظروا إلى الشاب زياد العليمي، وإن كنتم لا تعرفوه فراقبوه، فالإعلام الواعي يتناوله في هذه الأيام. شاب ثوري ينايري، عاقل منطقي، مهذب مثقف، مخلص بشوش الوجه، خفيض الصوت مشرف التمثيل، يزن عشرات من أمثال بعض ممن يهرولون اليوم إلى رئاسة الجمهورية، وأمثاله كثيرون، وصدق من قال أن مصر ولادة.
الدكتور البرادعي لا يدعي أنه المهدي المنتظر، فلسفته إتاحة الفرصة لانطلاق الشعب وعلى رأسه الشباب بطاقات البناء، فهو يؤمن باللامركزية، ويؤمن بالمشاركة الشعبية وليس بقيادة القطيع. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا في ظل دولة ديمقراطية مؤسسية تحكمها الكفاءة والعدالة الاجتماعية حتى تتحقق كرامة مصر وشعبها الصابر.
كل ما أتمناه أن تتوجه القلة من شباب المترفين، زوار كوستا وكارفور، والكثير من شباب النزعة الوهابية المستوردة، وهي مستوردة حقا، إلي موقع الوسطية والاعتدال الذي يشغله الغالبية العظمى من شباب مصر ويتوحدون ويتعانقون من أجل بناء مصر الشابة الفتية القوية بإذن الله، ولا رجعة إلى الوراء إن شاء الله، فنور الشمس قد بدد الظلام وكشف الخونة واللئام، وريدا رويدا سينسلخون من جسد مصر الحبيبة، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ. وصدق الله العظيم.
ساحة النقاش