أبنائي الشباب.. هل أنا على حق؟
مع رجاء نشر هذه الرسالة
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754 30/6/2011
أنا الآن في السبعين، يعني في نهاية المشوار، بينما أنتم بإذن الله مشواركم طويل. يسره الله لكم، ووهبكم السعادة والقدرة وحسن الخلافة، ورحم الله شهداء الثورة، وطوبى لهم.
هل تعلمون أنكم تكونون مصر الحبيبة؟ يعني تكونون 60% على الأقل (18-35 سنة) من شعب مصر، ويمكن أن تزيد هذه النسبة إلى 80% لو أطلنا الحسبة وحسبنا الشباب لغاية 45 سنة؟ يعنى اللي عامل مشاكل مصر كلها هم نحن ... الذين فوق الخمسين سنة، الذين نحكمكم ونبحث عن مصالحنا قبل مصالحكم. ولكن الإنسان الفقير لا يحكم ولا يحكم آباؤه، ومن ثم فهو المسكين في هذه المعادلة، وأصبح 40% من سكان مصر الحبيبة الأحباء يعيشون تحت خط الفقر. أما أولاد عظماء القوم، أو دعنا نقول الأغنياء، فقد يتمتعون بما يوفره لهم آباؤهم من السيارات وأغذية التيك أويي والأندية والفيلات والنوادي ولا حسد. ولكن هذه الثروة إذا ورثت فغالبا ما تزول وتتطاير كأبخرة المصانع ودخانها، ويبقى شباب الطبقة الغنية أيضا يبحث عن مصر، وعن ما يعطيه لمصر، وهو قد تعود على الأخذ، كما يبحث عن عمل يكمل به مشواره الطويل فلا يجد إلا بطالة ومجتمعا متخلفا يتذيل قائمة دول العالم كما هو الحال حاليا، وكما رسخه مبارك، حاسبه الله، ونظامه الشيطاني الذي لا يخجل من بث سمه حتى الآن.
إذن، فالشباب الفقراء والأغنياء على السواء هم في سفينة واحدة في النهاية. والآن يا أحبتي، بعد ثورتكم المستنيرة، قد أنعم الله علينا وعليكم جميعا بفرصة الخروج من نفق ظلمة وظلمات التخلف والمعاناة. في عالمي الخاص وهو التعليم الجامعي، أقول لكم أن قلبي يتقطع وأنفاسي تختنق عندما أرى فتاة جميلة أو شابا رائعا تخرجا بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف ثم لا يجدان وظيفة معيد أو حتى وظيفة عادية، وهنا أقصى ما أستطيع عمله هو أن أساعدهما على الالتحاق بالجامعات الأمريكية أو الكندية لدراسة الدكتوراه دون أدنى مصاعب لأن الدول المتقدمة تلتقط هذه المواهب وتقدم لهم منحا ممتازة حتى ولو كانت هذه المواهب أجنبية وذات ديانة غير مسيحية.
أنتم، صدقوني، ستكونون العامل الحاسم في بناء مصر كدولة قوية ديمقراطية تتلألأ في منطقة الشرق الأوسط بجوار هذا الثعبان الأقرع الذي يركض على حدودنا الشرقية يعيث في منطقتنا، بل وفي العالم كله، كل صنوف الفساد.
العامل الحاسم في تحديد مستقبلكم ومستقبل مصر هو شخصية رئيس الجمهورية المقبل بعد الثورة، لأننا كمجتمع سنبقى لفترة طويلة نسبيا بالرغم من الديمقراطية الجديدة لا نصلح رئيس الجمهورية ولا نقومه كما كان يفعل المسلمون الأوائل مع أبي بكر وعمر. وإني أعذركم تماما للموقف الذي تتخذونه عند اختياركم الآن لمرشح معين من المرشحين الحاليين لرئاسة الجمهورية، حيث أن هذا يتوقف على عوامل كثيرة منها دور الأسرة ودور العبادة، ومنها جماعة الزملاء والأصدقاء، ومنها الحماسة لأيديولوجية معينة مثل اللبرالية أو العلمانية أو نزعة الإسلام السياسي أو غير ذلك، ومنها أيضا الإعلام، ومنها أيضا اللامبالاة، بل ومنها، صدقوني، التعصب لشخصية معينة دون مبررات منطقية مثل التعصب للزمالك أو للأهلي تماما، وهي نزعة نفسية لها مبررات لا داعي لذكرها الآن.
ومن قبيل تخصصي، في التنمية وبناء المجتمعات، أدعوكم بكل تواضع لأن تتوحدوا حول موقف معين يساعد على بناء مصر وسعادتكم ومستقبلكم فيما يتعلق إن شاء الله بالتصويت لاختيار رئيس الجمهورية بعد الثورة. وقبل هذه الدعوة أقول لكم حاولوا أن تخلعوا حلة الإيمان الحالي بمرشح معين، وأن تلقوا جانبا سترة التعصب أو الانحياز لأي تيار سياسي أو ديني أو اقتصادي، وأن تنظروا وتتمعنوا فقط فيما أدعوكم إليه:
المسرح الآن، في هذه المرحلة الانتقالية المفصلية، هو لعبة سياسية. ولا يتحمل مصير مصر الآن اللعب بالسياسة. ولكن السياسة شر لابد منه. إسلاميون انطلقوا من معاقلهم الدعوية ليلعبوا سياسة، وسياسيون محترفون يلعبون سياسة، وأراجوزات أصحاب قنوات فضائية يلعبون سياسة. ومن بين هؤلاء جميعا نجد شخصية واحدة ليست سياسية ولا تلعب بالسياسة وإنما تتمثل في رجل دولة قرر، من قبل هذه المسرحية السياسية، أن يساهم في بناء مصر مراهنا عليكم أنتم أيها الشباب. ومهد للثورة الحالية وقال لمبارك "ارحل" واعترف بالإخوان المسلمين كجماعة مصرية غير محظورة وبدأ جهاده الذي يستمر فيه حتى الآن وهو الدكتور البرادعي.
من أجل مصر وتمكين هذا الرجل من بنائها، ونحن الشيوخ وأنتم الشباب معه، كتبت ثلاثين مقالة وهذه هي الواحدة والثلاثين. وخلاصة القول أن شخصية الدكتور البرادعي تتمتع بالإخلاص الشديد والإيمان العميق بمبادئ الثورة حيث أنه الأب الروحي لها والمفجر لأحداثها والمأمون على رعايتها، كما يتميز بالحكمة، وهي أعلى مراتب المعرفة، وكذلك يتميز بالقدرة والكفاءة الإدارية الرهيبة التي ظهرت في إدارته لألفين وخمسمائة عامل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم يتميز بالسماحة التي ستجمع شتات النسيج المصري السياسي المهلهل حاليا دون أن يتمزق بمثل أيدي المرشحين العصبيين المتعصبين المتهورين المتعافين على غير أساس، ثم أنه هو الذي سينضج الديمقراطية بمصر بمعدل أسرع بكثير مما يقدر عليه سواه لأنه عاش الديمقراطية فعلا، وهو الذي سيحقق العدالة، عماد الحكم، وعندها سنأمن جميعا، ونعمل كما يعمل اليابانيون، وهو الذي يداوم على العمل حاليا ويقدم المبادرات العملية البناءة وبقية المرشحين يفرحون بمؤتمراتهم ووعودهم العنترية في قضايا جزئية مثل كامب ديفيد، والغاز، ومقاضاة الجيش والحكومة لو تبنيا "الدستور أولا"، وإصدار قانون يمنع "بالروح وبالدم نفديك يا ريس"، وأمور كثيرة مضحكة أخرى. وصدق المثل القائل "الإناء بما فيه ينضح". ولا يعلم الكثيرون أن البرادعي خبير بأمور التنمية وبناء الدول لأن عمله كان مرتبطا بتقييم التنمية في دول العالم، وهذا يعطيه رؤية وحكمة تفوقان بإذن الله ما تمتع بها العبقري مهاتير محمد في ماليزيا.
وجوهر القول: البرادعي، من دون جميع المرشحين للرئاسة، هو العدو اللدود لمبارك ونظامه الشيطاني، والذي لا زال يحكم حتى اليوم من خلف القضبان ومن قمة أجهزة الدولة. لمــــــاذا؟ الإجابة واضحة، النظام المباركي الشيطاني يلتهم مصر، والبرادعي يؤمن بقدر مصر وشعبها.
صدقوني، دعنا نؤجل رغباتنا وأجنداتنا الخاصة، أيا كانت، فقط لما بعد رئاسة الجمهورية الأولى بعد الثورة، بعدها ستكون مصر في وضع متين يتحمل اختلافاتنا وطموحاتنا الخاصة ويكون الشعب قد نضجت ممارسته للديمقراطية. أما الآن فلنتوحد حول البرادعي ونعطيه الفرصة للانطلاق لتكون مصرنا الحبيبة أول نمر من نمور الشرق الأوسط الحقيقية بجانب إسرائيل، ذلك الثعبان الأقرع، حليف مبارك ونظامه الشيطاني.
ساحة النقاش