هل ينجح المتأسلمون في امتحان الشهامة الوطنية
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
قسم التنمية الريفية كلية الزراعة بالشاطبي
0127435754 18/5/2011
المسلم العادي تراه بشوشا هادئا يجذبك التعامل معه أيا كانت ديانتك أو جنسك أو عرقك، أما المتأسلم فقد يكون كذلك إلا أنه محتشد العاطفة، وما أدراك ما احتشاد العاطفة فهي تكون على حساب التوازن بين العقل والعاطفة. ولذلك فالمتأسلم قد يزكي نفسه سواء في المظهر أو في الكلام أو في السلوك متجها هذه الأيام نحو الثقافة البدوية. وكذلك يسعى المتأسلم للدعوة ولكن ليس بالضرورة بالحكمة والموعظة الحسنة. ثم، وهذا هو الأخطر، فإن المتأسلم يسعى بشيء من العاطفة أو الحماسة أو أحيانا من العنف نحو خلق الاقتصاد الإسلامي والمجتمع والسياسة الإسلامية أي الدولة الإسلامية فيما يسمى الآن بالولايات المتحدة الإسلامية أو دولة الخلافة أو ما شابه ذلك من ألفاظ لا تتساير اليوم مع مفهوم الدولة والعولمة والتوجه نحو العالم كوحدة واحدة بل كقرية واحدة، وإن كان الأخير هذا تعبيرا مجازيا.
يعج المسرح السياسي الآن بالأحزاب الدينية الناشئة أو المنشأة بالفعل، وقد انتشى المتأسلمون القياديون بالثورة والديمقراطية والحرية وإزالة المحظورات، فانطلقوا بعد حصار وأسر طويل في التعبير عن هويتهم وطموحاتهم، ولذلك فهم معذورون. وقد تسبب هذا الواقع السياسي بجانب التخريب الذي يقوم به أعداء الثورة ومنتفعو النظام السابق في إشعال مواقع الفتنة في مختلف أرجاء الجمهورية، وأخطرها مهزلة امبابة الأخيرة.
وأنا لا يهمني كثيرا مشكلات كهذه وكاميليا وعبير، كما لا يهمني انطلاق المتأسلمين، ولا يهمني أيضا الخسائر التي يتعرض لها المجتمع المصري اليوم بسبب هذا التخريب، فهذا كله متوقع بعد الثورة وخاصة إذا لم يقم الثوريون بقيادة زمام الأمور كما هو الحال في ثورتنا الينايرية المستنيرة، ولكن الذي يهمني هو بناء الدولة بما فيها من هياكل مؤسسية قوية وأداء مؤسسي وشعبي فعال. وبصراحة واضحة بقدر امتناننا للجيش وموقفه الرائع من الثورة، وهو المتوقع من أبناء مصر العسكريين المخلصين، إلا أن المجلس الرئاسي العسكري لا يؤدي الأداء المتوقع في هذا المجال إطلاقا، مع اعتذاري الشديد عن مرارة هذا الرأي.
المهم هنا أن المتأسلمين يسعون رويدا رويدا نحو رفع سقف مطالبهم لدرجة أن العديد من قياداتهم إما أنهم أعلنوا ترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو على وشك ذلك مثل الدكتور محمد سعيد العوا. ولا يختلف اثنان على رجاحة عقل هذين القياديين الجليلين. ولكن الاختبار الحق لهؤلاء القياديين وغيرهم من التابعيين المتأسلمين هو هل هذا هو الوقت المناسب لهذا الاحتشاد السياسي المتأسلم؟ مصر الآن في حالة شبه قصوى من التوتر الديني سواء بين الديانتين الأساسيتين أو بين الطوائف الداخلية لكل من هاتين الديانتين، والقياديون المتأسلمون يقنعون أنفسهم بأن الشعب والصناديق، وقد يكون هذا صحيحا بالفعل، سوف تؤيدهم وتعلن الاختيار الإسلامي. ولكن النتيجة النهائية هي بداية بناء مصر الحبيبة بعد الثورة باحتشاد عاطفي إسلامي سوف يثير قلاقل وأعاصير توقف تطور هذا الوطن الحبيب الذي يمكن أن يكون بحق دولة عظمى بقيادة حكيمة عادلة حازمة وشعب وموارد طبيعية وبشرية هائلة نريدها لأحفادنا وأولادنا حتى لا يحرمون العزة والكرامة الوطنية كما حرمناهما نحن من قبل.
الحل أيها الإسلاميون القياديون والإخوة الأحباب أن تتركوا الميدان اليوم، وهذه المرة فقط، لقائد عادل خبير ذي قدرة إدارية هائلة، مخلص ذي ضمير ووطنية وإخلاص نادر، غير باحث عن طموحات شخصية، غير موسوم باحتشاد ديني معين، مؤمن بالديمقراطية والدولة المدنية بحق، عاشق لمصر وترابها وفقرائها، متسم برؤية شاملة ليبني، ونبني معه، مصر في أول فترة رئاسية لها بعد هذا التوتر الديني الهائل، وبعد هذا الترهل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الرهيب الذي أصاب مصر بأبناء وطنها قبل أعدائها الخارجيين. ولكن من هو هذا القائد؟ هو من حسن حظ مصر المستقبل الدكتور محمد البرادعي. وكفى هذا الرجل ما ناله من ظلم وبهتان. فهل ينجح المتأسلمون في اختبار الشهامة الوطنية؟
ساحة النقاش