البرادعي وعمر موسى بين رجل الدولة والسياسي
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
قسم التنمية الريفية كلية الزراعة بالشاطبي
0127435754 2/4/2011
عندما يختلف البرادعي مع شخص ما فإنه يقول "يا عمرو/أو يا منى: أعتقد أنك وأنا لم يعد أمامنا إلا أن نتفق على ألا نتفق." أما عندما يختلف عمر موسى مع نفس الشخص فإنه يقول: "أنا أتفق معك تماما إلا عندما لا أتفق معك." رجل الدولة كما يراه أرسطو هو الذي يسعى بكل همة إلى بناء القيم الأخلاقية في المواطنين استعدادا وسلوكا. أما السياسي، وليس هذا نقلا عن أرسطو، فهو لا يولِي هذا الأمر بالا. ومن ثم فإن رجل الدولة يتمتع بحرية كاملة في التعبير عن مواقفه الشخصية بجانب مواقف حكومته بدرجة أكبر بكثير مما يتمتع بها السياسي. هذا بالإضافة إلى أن رجل الدولة يمكنه أن يكون صريحا واضحا شفافا دون عواقب سلبية على مكانته، أما السياسي فيضطر كثيرا إلي اكتساب مهارة "الزفلطة أو المراوغة" أي الهروب السريع من المآزق، وذلك نظرا لأن علم السياسة هو علم الزفلطة أو المراوغة The science of muddling through ، وهي عبارة قرأتها في شبابي ونسيت مصدرها.
ولذلك فبينما نرى أن رجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة، نجد أن السياسي يفكر في الانتخابات القادمة. ومن ثم فعندما يقول البرادعي أني أريد بناء دولة في فترة واحدة من رئاسة الجمهورية أرى أن عمرو موسى سوف يقوم ببناء الأسس التي تدعم استمراره في كرسي الرئاسة لفترة أخرى.
رجل الدولة يتحمل المسئولية ويواجه المشكلات الحرجة، أما السياسي فإنه يوكل حل هذه المشكلات إلى غيره وينسب الأخطاء إلى غيره كرئيس الوزراء أو البرلمان. ولذلك يهتم رجل الدولة بالديمقراطية المستنيرة، أما السياسي فيرى الحل و"التزفلط" دائما في ديمقراطية الجهل (مثل الالتزام الأعمى بالـ 50% عمال وفلاحين). ومن ثم فأثق أن البرادعي سوف يقوم بتنفيذ البرامج التي قد لا تكتسب شعبية ملحوظة ولكنها ضرورية لتقدم الدولة وحداثتها ولمصلحة فلذات أكبادنا من الأجيال القادمة، كما سوف يقوم بإحداث التغييرات التي تقضي على الفساد ومكاسب الفئات المنتفعة. أرى أيضا أن البرادعي كرجل دولة سوف يهتم بمصلحة الدولة بينما يهتم عمرو موسى بمصلحة الحزب المنتمي إليه بعد مصلحته الشخصية. هذا ويتمتع البرادعي بأنه شخصية غير انتهازية، تفهمية، حمولة، عادلة، منطقية، لبقة، رقيقة، واسع الفكر وشامل النظرة وعالمي التوجه في عصر العولمة الذي زُرعنا فيه. إن السياسي عندما يحتل منصب الرئاسة فإنه سوف يتصرف من خلال النفعية، وسوف يحكم من خلال قوة الحث والدفع، أما رجل الدولة فسوف يحكم من خلال الإلهام والقدوة والالتزام بالقيم والمبادئ العامة، ذلك لأن السياسي في حكمه يعتمد على الحث والإقناع مخاطبا العقل الذي يمكن أن يُخدَع أحيانا، أما رجل الدولة فإنه يعتمد على مخاطبة القلب الذي لا يمكن خداعه قبل مخاطبة العقل. ولذلك فإني أرى أن البرادعي لن يؤمن بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، بينما أرى أن عمر موسى سوف يضعه في الاعتبار، وسوف يضحي بالحرية من أجل النفعية. إن البرادعي سوف ينضم إلى قائمة رجال الدولة العظام في العالم أمثال ونستون تشرشل الذي لم يلجأ إلى القوة الغاشمة لقهر البريطانيين، وجورباتشوف الذي فكك أكبر تجمع سياسي قهري دون إطلاق رصاصة واحدة، وغاندي الذي هزم الإمبراطورية البريطانية دون إشارة غضب واحدة. سيكون البرادعي نموذجا ناضجا في الستينات من عمره لشاب واع توفى في الرابعة والثلاثين من عمره ولكنه ناضل من أجل شعب أراد له الكرامة والعزة والاستقلال والحرية لا يقاد كقطيع من الأغنام، إنه الزعيم الخالد مصطفى كامل. وعموما، وهذا يكفيه، فقد سجل البرادعي لنفسه أنه أول المحركين للثورة الينايرية المستنيرة، أكمل الله أطوارها وأتم نعمته على شعب مصر الصابر.
ساحة النقاش