تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

Subject: الخلطة السحرية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة

 

الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.

إن لم يعجبك قولي فأرشدني،

وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،

أو بلوكمي، أو سبام مي.

أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]

الخلطة السحرية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة

مع رجاء نشر هذه الرسالة

بقلم                                         

13 يوليو 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

لقيطة لا زالت آخر العنقود، أجمل ما ولدت كنانة الله في الأرض، مصر الحبيبة. لقيطة لا زالت ثورة 25 يناير المستنيرة. قاوم الفرعون السابق وحاشيته ميلاد هذه الشمس الحنونة، بل وحاول قتلها تماما كما كان يقتل فرعون مصر أطفال بني إسرائيل. ولكنها هبة الله لمصر التي بشر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بخيبة أمل كل من يحاول ظلمها.

اليوم تمر الثورة في مخاض لإتمام مرحلتها الأخيرة وهي مرحلة اعتلاء السلطة. الشعب هو الأب الحقيقي لهذه الثورة، ولكن الفرعون السابق، ولحظة انهياره، أوكل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته قائده الأعلى إدارة البلاد. وفي الوقت نفسه أوكل الشعب المصري لنفس هذا المجلس الأعلى تبني هذه الثورة إلى أن يُرَمم جسده وتُستَرد مؤسساته التي أفسدها بل ودمرها أسوأ حكام مصر على الإطلاق، مبارك وحاشيته.

وكم كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة كريما كعهده دائما في معاملة أمه كنانة الله في الأرض، وهو خير أجنادها. كم كان كريما أن قبل هذا التبني، كما تعهد بإتمام مطالب الثورة التي من بينها، بل وعلى رأسها ترميم الجسد المصري وإعادة بناء مؤسساته في مرحلة انتقالية تستطيع إتمام المهمة بعدها الحكومة المدنية للشعب.

مرت ستة أشهر كانت حصيلتها أن لم يتحقق بند جوهري واحد من مطالب الثورة، وذلك بسبب الإدارة المركزية الضبابية وثقافة الحكم العسكرية التقليدية، وبسبب ضغوط هائلة على المجلس العسكري تتمثل في مبارك (المخلوع المدلل) وعائلته، وأمريكا بوعودها وصفقات دباباتها لمصر أخيرا ووعودها بالسلام والاستقرار مع إسرائيل، ودول الخليج المريضة بالحساسية ضد ربيع الثورات العربية، ورجال الأعمال الذين يوهمون المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنهم يقيمون اقتصاد الدولة، ثم أباطرة الشرطة الذين كانوا يغرقون في نعيم الحياة على حساب أفراد الشرطة وضباطها الصغار، كل هذا بجانب الإقطاع الحكومي (أصحاب الهُبَرِ) بوجه عام، وهو الذي لابد أن يدخل أيضا في عملية التطهير المطلوبة. هذه القوى الضاغطة بطبيعة الحال، يمكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يزيحها عن كاهله، بإرادته هو، وليس بإرادة الضغط الشعبي، وذلك بمعنى أن المجلس العسكري يمكن أن يفكك هذا التحالف الرجعي استجابة لوعوده بإتمام مطالب الثورة.

وبسبب افتقاد الروح الثورية لدي المجلس العسكري، إضافة إلى تلك الضغوط السابقة، كانت الستة أشهر السابقة ثرية بالمليونيات والتظاهرات، وآخرها مليونية 8 يوليو التي أعلنت بوضوح مشاعر طوائف من الشعب المصري، وتحولها من الموقف الإيجابي نحو المجلس العسكري إلى تهم التباطؤ الشديد بل وحتى تهم التواطؤ الخفي مع قوى النظام القديم. وأنا هنا لا أنضم إلى سجالات التهم أو الدفاع عن المجلس العسكري أو غيره، فكل يؤدي واجبه ولا شكر على واجب، وإنما أناشد المفكرين والسياسيين أن يركزوا على اقتراح الحلول، حيث لا أرى إلا المناضل المخلص الحق الدكتور البرادعي في دائرة المبادرين المقدمين دائما لحلول ومنافذ للخروج من الأزمات الحالية ابتداءً بمطالبه السبعة الشهيرة القديمة قبل الثورة ومرورا باقتراح المجلس الرئاسي، ثم تركيزه على الوفاق الوطني والعلاقة بين الشعب والمجلس العسكري واقتراح المبادئ فوق الدستورية التي وافق على تبنيها أخيرا المجلس العسكري الموقر.

واستمرارا وانتهاجا لنهج البرادعي في تقديم الحلول، أركز هنا على نقطتين أساسيتين أهديهما للمجلس العسكري، نقطتين تمثلان المرتكز الأساسي والخلطة السحرية لعبور عظيم لهذه المرحلة الانتقالية. النقطتان هما التنفيذ الجدي الثوري لإجراءات العدالة الاجتماعية والديمقراطية.

هل تعتقد أيها القارئ الكريم أن المجتمعات كيانات مستقرة كبحر هادئ تغازل صفحة مائه الزرقاء الصافية صفحة السماء الزرقاء الصافية أيضا؟ أم أن تلك المجتمعات تعج بالصراع والنزاعات والقلاقل كـ "َظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ"؟ إذا كنت من النوع الأول فأنت تؤيد أصحاب النظرية الوظيفية في علم الاجتماع، وإن كنت من النوع الثاني فأنت تؤيد أصحاب نظرية الصراع. والنظريتان ليستا من البلاهة للدرجة التي لا تدرك إحداهما حجة الأخرى وصدقها، ولكن لكل تركيزات ومناهج معينة تركز عليها في مواجهة معضلات الحياة الاجتماعية.

المهم أن العدالة الاجتماعية تحقق الاستقرار والصفاء والوحدة الاجتماعية والصلابة المجتمعية، أما الديمقراطية فهي تحقق التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأديان والطبقات والأيديولوجيات والثقافات الفرعية المتباينة، كما تحقق كبح الصراع للدرجة الدنيا التي تحقق الاستقرار أيضا، وفي نفس الوقت تقوم بدور البهارات الاجتماعية التي تحقق الحيوية الاجتماعية والديناميكية والتغير والتقدم والتحديث. ودعنا نبدأ بإجراءات الديمقراطية أولا ثم بإجراءات العدالة الاجتماعية.

الديمقراطية: الديمقراطية التي ننشدها لا يجب أن تكون الديمقراطية التقليدية التمثيلية فقط والتي يعتمد فيها الشعب علي مجرد انتخاب ممثلين له ثم يتركهم على أعنتهم يفعلون ما يشاءون. في التسعينات من القرن الماضي قدم علماء أجلاء أمثال هندي شاشتار الذي نادي على أفراد الشعب أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم ملاك للحكومة، وليس مجرد زبائن للخدمات العامة. وقدم العلامة بوكس نموذج الحكم بالمواطنينCitizen government model ، وكذلك نادي هو وزميله ستايفار أن يضع المواطنين أنفسهم في مركز عملية الحكم ليلعبوا دورا أصيلا في وضع السياسات. وكذلك يدافع كل من كريسليب و لارسون  عن توجه أساسي للسياسات العامة يتمثل في العلاقة التعاونية التشاركية بين المواطنين من ناحية والموظفين العموميين المنتخبين من ناحية أخرى والمديرين العموميين (كبار التنفيذيين) من ناحية ثالثة، حيث تمثل تلك العلاقة بين المواطنين والموظفين المنتخبين والمديرين العموميين العمود الفقري لهذا التوجه الحكمي الديمقراطي. ومن المعروف أن القيادات العامة لن تغير اتجاهاتها نحو الإصلاح الحكومي إلا تحت ضغط كاستجابة لتغير جوهري ضاغط في مطالب المواطنين من الحكومة، وفيما يتوقعونه منها من ناحية، وكذلك استجابة أيضا لتغير حقيقي في أدوارهم في عملية الحكم نفسها أي في سلوكهم السياسي من ناحية أخرى. وهذا هو الذي يمثل التحدي الأكبر للشعب نفسه وللعلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين وذلك من أجل تحسين الإرادة السياسية المخلصة وتحقيق الديمقراطية الحقة.

إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية: لا يستطيع المجلس العسكري إصدار بيانات عسكرية بتنفيذ إجراءات تحقيق العدالة، ولكن تحققها حكومة ثورية مفوضة بكامل السلطات والقدرات.    كنت أتمنى أن أشترك مع الدكتور أحمد سيد النجار كبير الاقتصاديين النابهين بالأهرام في عصف ذهني قبل ذكر هذه الإجراءات مما يجعلني أتمنى أن يكون هو وزير المالية المقبل، وفيما يلي دلوي المتواضع في تشكيل باقة إجرائية لتحقيق العدالة الاجتماعية:

<!--عدم التمسك بالقوانين المباركية والتي سقطت بسقوط الدستور، وإحياء العمل بقانون الغدر، وإصلاح القضاء الذي لا يخلو من قصور خطير بشهادة شيوخ القضاة. وهذا سوف يحقق العدالة والنجاعة في القضاء الحالي ومحاكمة المتهمين محاكمة عادلة حقيقية.

<!--تنفيذ الضريبة التصاعدية لتصل إلى 45% وليس فقط 5% على الأرباح التي تزيد على 10 مليون جنيه.

<!--تقليل دعم الطاقة الذي يذهب للأغنياء (100 مليار جنيه) وزيادة دعم السلع الغذائية للشعب (البالغ 13 مليارا فقط) والاهتمام بالصحة والتعليم وأصحاب المعاشات، مع وجود 40% على الأقل تحت خط الفقر.

<!--ترشيد الإنفاق الحكومي، وتنفيذ الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور (1200 جنيه) بكل جدية بحيث تكون نسبة الحد الأدنى إلي الحد الأقصى 1 : 20.

<!--دعم الصناعات والمشروعات الصغيرة وإرجاع الدورة الزراعية وغير ذلك من أمور لا جدال فيها حتى تنشغل الدولة بالإنتاج وتتخلى عن المكلمة أو المكلمات في كل مجال.

<!--تطبيق اللامركزية بزيادة نسبة مخصصات الميزانية إلي المحليات من 5-6% إلى 20% على الأقل، مع تفويض سلطات اتخاذ القرار للمحليات، وتوفير التدريب والدعم الفني لها.

<!--الجدية في استعادة الأموال والثروات المنهوبة، وتخفيض ميزانية رئاسة الجمهورية إلى الربع كما يقترح حمدين صباحي، وخفض ميزانية وزارة الداخلية التي لا يعلم عنها أحد إذا كانت متضخمة، وتوجيه الصناديق الخاصة نحو تحقيق العدالة وقهر الفقر.

<!--إلغاء المستشارين الكثيرين بالحكومة والحفاظ على الحد الأدنى فقط بما لا يزيد عن مستشارين اثنين فقط لكل وزير، وتشغيل العاطلين.

<!--تطهير جراثيم النظام القديم وحظر نشاطها لمدة 5-10 سنوات على الأقل، وقطع أذرعها الأخطبوطبة، وبتر ذيولها المتمثلة في البلطجية المسـتأجرين المدربين، والجدية في هيكلة وزارة الداخلية وتحقيق أمن المواطنين والشارع المصري، وتوقيع العقوبات الرادعة بالمحاكمات العادلة ولو تطلب ذلك تطبيق قانون الطوارئ الذي سوف تكتب له حينئذ الحسنة الأولى منذ نشأته. حينئذ يمتلئ الفراغ الأمني.

<!--دعوة الأطباء والمدرسين لخفض أسعار خدماتهم، ودعوة الأئمة والدعاة والقساوسة لبث السماحة والمواطنة وقبول الآخر والتأكيد على عدم تدخل الأئمة والدعاة في السياسة في هذه المرحلة الحرجة.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

99,754