تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

العوا ومني الشاذلي والثورة

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

كعصفور كناريا يخاطب نسرا مهيبا، أو قل كغزالة رقيقة تخاطب أسدا ضرغاما، قالت المحبوبة منى الشاذلي بهمس وتردد "هل أنت سي السيد في بيتك؟". وغابت الثورة والشباب والثوار والعشوائيات من أول لقاء مع أحدث المرشحين لرئاسة مصر بعد الثورة الأستاذ محمد سليم العوا، فيما عدا ذكريات هامشية حول تواجده بميدان التحرير.

ولا يمكن أن نعذر الأستاذ العوا على عدم وضوح برنامج له لنهضة مصر، حيث لا يجب أن يكون هذا البرنامج، حتى ولو لم يكتب بعد أو لو لم يشكل بعد، غائبا عن فكر ودوافع المرشح الرئاسي، لأن هذا هو الدافع الأساسي للترشح، وليس مجرد "نداء الوطن" كما يقول سيادته، فالوطن بُح صوتُه صراخا لجميع أهله وليس لإنسان معين.

أفاض الأستاذ ببلاغته المعهودة في محوري مصر وتركيا وإيران، من ناحية، والقاهرة ودمشق والرياض، من ناحية أخرى، ونسي إفريقيا وبقية الدول العربية بل ودول العالم كلها، ونسي أيضا أن سياسة المحاور تفشل دائما لأنها ليست مرنة وليست مستدامة، وتتأثر بتغير المصالح والتحولات السياسية، وما أكثرها في هذا العصر. وهذا ليس إلا من باب النقد البناء عسى أن تتبلور رؤية ناضجة مدروسة لدي جميع المرشحين للرئاسة، علما بأن هذه الرؤية لن تكون هي العامل المحدد الأساسي لانتخاب المرشح المعين، ذلك لأن الإنسان العادي يميل دائما للانتماء إلى فرد أو شيء معين لا يختلف كثيرا عن الانتماء للأهلي أو للزمالك دون مبررات منطقية، مثلما أنتمي أنا بصراحة مطلقة للدكتور البراد عي ودون معرفة سابقة به علي الإطلاق، إلا أنني لكي لا أظلم نفسي لدي من المبررات لذلك ما لم يقنعني أحد بعكسها على الإطلاق.

كما لا أدري لماذا أفاض الأستاذ في سرد تاريخ أجداد أسرته، دون حاجة لذلك ودون طلب من الأستاذة منى التي كانت تسأل عن الأحياء وليس عن الأموات، هذا ونحن بصدد الاستماع لبرنامجه الانتخابي أو رؤيته لنهضة مصر.

وبالرغم من غياب تام للرؤية الاقتصادية لنهضة مصر إلا أنني لا أكون موضوعيا إن لم أقدر تماما تماما نقطة المشروعات الصغيرة لتشغيل الناس ومواجهة الفقر، وإن كان ليس بالطريقة التي اقترحها سيادته وهي تخطيط الدولة للمشروعات وطلب الناس للتقدم لها، ولكني أعذره في ذلك فالأمر يحتاج في تطبيقه إلى متخصصين. وعلي قدر أهمية هذه النقطة فهي ليست برنامجا اقتصاديا للنهضة.

لقد لاحظت رهبة لم نعهدها لدي الإعلامية المحنكة الأستاذة منى الشاذلي، كما لاحظت نفس الرهبة في نظرة زوجتي وهي تشاهد الحلقة بجواري، وأما أنا فقد كنت مرتعدا بالفعل من أداء الأستاذ العوا بثقته الزائدة وإبهاره اللغوي وحسمه للأمور لدرجة أنه هدد، وأقصد هدد فعلا، أنه سيقاضي الحكومة إذا غيرت من موقفها تجاه الاستفتاء على التعديلات الدستورية علما بأن سويسرا تستفتي كل ثلاثة أشهر كما يقال. هل هي حرب أم منطق لجلب المصالح ودفع الضرر كما قال سيادته عن مفهوم الحكم؟ إذا كانت هذه الجبرية هي سمته وهو في أول لقاء له بعد إعلان ترشحه، فما بالكم به بعد أن يجلس على كرسي رئاسة الجمهورية؟

لقد أفاض الأستاذ في تاريخه طوال الأربعين سنة الماضية، مع كثرة العظماء أمثاله، ونسي أن الله سبحانه وتعالي هو الذي أنعم على هذا الوطن بتلك الثورة الحبيبة ليس بجهاد أمثاله، ولكن بدعوة مظلوم شقت طريقها إلى المولى سبحانه وتعالي وهو يتألم في إحدى مقابر العشوائيات أو وهو يذكر الله تبارك وتعالي في إحدى زنزانات النظام الشيطاني البائد، لا نصر الله أذنابه، وغاب عن حديثه ثقافة الثورة وأحلام الشعب الصابر وتطلعات الشباب الضائع، وكرامة المواطنين الطامحين، والموقع المتردي لأم الدنيا على جميع معايير التقدم والحداثة. ولا زال الأستاذ العوا يهدد في أحاديثه بمقاضاة الجيش والحكومة، شأنه في ذلك شأن الإخوان المسلمين، إن تراجعا عن إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها.

المرأة النموذجية في حديث الأستاذ العوا قد مثلها بزوجة الرئيس عبد الناصر، وهي ولا شك حقيقة لا نماري فيها، وكأنما نعيش اليوم في عالم الأربعينات من القرن الماضي وقت زواج الرئيس عبد الناصر، ولم ينس الأستاذ ذكر أن حرم سيادته تعمل لدرجة أنهما لا يكادا يريا بعضهما البعض. ولكن لم يتضح من حديثه أن هذا هو ما يريده لنساء مصر وهن الآن يساهمن في بناء مصر ونهضتها في كل الميادين، ولم يتضح له رؤية خاصة لمن يقال عنهن أنهن يمثلن نصف المجتمع ويربين النصف الآخر، ولكن ما نص عليه صراحة هو أن المرأة تقف وراء زوجها، دون إصرار على كيانها المستقل ودون حاجة لمساهمة فعالة في خدمة الوطن خارج نطاق منزلها.

لم يقنعنا الأستاذ كغيره من الإسلاميين السياسيين بأن المرجعية الإسلامية تضيف جديدا لحكم مصر الآن، ومن ثم فماذا يضيف برنامجه الإسلامي من جديد؟  إن البركان الذي تعيش مصر فوقه الآن بسبب الانفلات الأمني والتوتر الديني والانقسام الطائفي وقوى النظام الشيطاني السابق سوف ينفجر بمجرد جلوس رئيس موسوم بالنزعة الإسلامية على كرسي الرئاسة لأسباب من السهل تفهمها، وهو يحاول تناسيها، وسوف ينخرط الرئيس الجديد وحكومته في كتم هذا البركان، ويؤجل  بناء الدولة الصابرة واسترجاع كرامتها. وهنا تنطلق الزغاريد، كما أقول دائما، في إسرائيل وأمريكا، ويستمر مسلسل بناء الشرق الأوسط المهلهل الجديد ونحن في غيبوبة التطرف والنزعات التعصبية. وهنا نقول جميعا "يا ثورة ما تمت".

صدقت جماعة الإخوان المسلمين حين قررت عدم التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية هذه المرة وذلك لصالح مصر كما قال الأمين العام للجماعة وهو يعلن عن فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة في نفس اليوم. الخلاصة هي نداء لأصحاب نزعات الإسلام السياسي أن يؤجلوا إلى ما بعد الرئاسة الأولى للدولة بعد الثورة مساهماتهم محمودة المقصد في رئاسة الجمهورية إلى أن تبنى الدولة، ويشتد عود الديمقراطية، ويدرك الشعب مصلحته، فليست الديمقراطية خالية تماما من الشوائب، فاتعظوا يا أولي الألباب.

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 257 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

99,735