Subject: فصاحة عبد الكافي وذكاء الليثي
الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.
إن لم يعجبك قولي فأرشدني،
وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،
أو بلوكمي، أو سبام مي.
أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]
فصاحة عبد الكافي وذكاء الليثي
مع رجاء نشر هذه الرسالة
بقلم
8 يوليو 2011
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
صال بنا وجال ليلة البارحة الدكتور عمر عبد الكافي في حوار أداره بذكاء الإعلامي المجاهد عمر الليثي. ولا شك أن الملايين، شبابهم قبل شيوخهم، قد بهروا بفصاحة "الشيخ" وإعلامه الديني البليغ. صال بنا برفضه للدولة الدينية، وبعرضه لقداسة القرآن والسنة النبوية المطهرة، وتمجيده لفقه الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما، وتوافق عثمان واجتهاد علي رضي الله عنهما، وافتقادنا للاستماع ولغة الحوار حيث نتحدث سبعة أضعاف ما نسمع، بينما يسمعون في أوربا أربعة أضعاف ما يتكلمون، واعترافه بأننا جميعا، بجميع توجهاتنا السياسية والإيديولوجية، مسلمون، ومن ثم فلنجتمع على كلمة سواء، ونتوحد ونتعايش مسلمين ومسيحيين، ونتخلص من أمية السلوك التي اعتبرها النتيجة الحتمية للفقر الأخلاقي الذي يمتد إلى الطبقة الحاكمة لشعوب الأمة الإسلامية، ورؤيته لسلوك الناس علي أنه أمر يمكننا أن نتحكم فيه، وهو أمر ليس للدولة دخل فيه.
بنشأته البيئية الإسلامية وحصوله على الدكتوراه في العلوم الزراعية، ثم بانخراطه في دراسات عليا إسلامية ومزاولة الدعوة على مر عمره المديد بإذن الله قد تفقه الدكتور عمر عبد الكافي في المعارف الإسلامية. ولكن اسمحوا لي، لغرض حميد في نفسي، أن نقارن نشأة الدكتور عمر عبد الكافي بنشأة شيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي. أيضا في بيئة إسلامية، بل وفي قرية دفن بها آخر الصحابة، نشأ الدكتور القرضاوي، ثم بامتياز مستديم دخل الأزهر من بابه حتى أعماق أروقته، وزاول الدعوة حتى الآن بتميز نادر المثيل. والغرض الحميد من هذه المقارنة هو سؤال أتوجه به للقارئ: من منهما، وبسبب نشأته وتعليمه، يُتوقع أن يكون الأكثر "ثورية" اليوم؟ دكتوراه الزراعة أم دكتوراه الأزهر؟ هذا سؤال أوجهه بالرغم من إدراكي لعدم الارتباط الحتمي بين الثقافة والشهادة، وفي ذلك فليسأل العقاد.
إذا كان البرادعي هو الأب السياسي والاجتماعي للثورة، فالقرضاوي هو الأب الروحي للثورة. هذه إجابتي على هذا السؤال باختصار شديد. الشيخ القرضاوي ثوري بمفهوم عصره بدرجة امتياز أيضا كعادته. وهذه الروح الثورية لا تتعارض مع فقهه الديني والتزامه الخلقي الأسمى.
يعود المجاهد عمر الليثي ليصمم على سؤال للشيخ عمر عبد الكافي عن دور الإخوان والإسلاميين في السياسة، فيقول الرجل بحكمة، نوافق عليها كما نوافق على رفضه للدولة الدينية، أن الإخوان المسلمين يجب أن يتوجهوا للدعوة فقط لكفاءتهم "الخطيرة"، علي حسب تعبيره، في تحقيق ذلك. ولكنه في نفس الوقت يسمح للإسلاميين السياسيين بكافة فصائلهم بتكوين أحزاب، وهو محق في ذلك. ولكن الصدمة التي أصابتني، ومن أجلها كتبت هذه المقالة، هي ليست دعمه للمرشحين الإسلاميين الثلاثة، أبو الفتوح والعوا وأبو إسماعيل، وإنما هي نصيحته لهم بنصيحة سياسية انتخابية، على أصول دينية عن حديث الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام، أن يؤمر الثلاثة أحدهم للقيادة. ومن ثم فهو ينصحهم بأن يتنازل اثنان للثالث، بل والأدهى من ذلك أن يقوم الثالث هذا باختيار أحد الاثنين الآخرين ليكون نائبا لرئيس الجمهورية. ألا يعلم فضيلته أن السياسة ليست من شيمها هذا الإيثار الفضيل الذي يرجوه؟ ثم من سوف يختاره من الإسلاميين بعد ذلك لرئاسة الوزارة؟ ثم تعُج الوزارة بالإسلاميين السياسيين، ثم ينتهي الأمر أن نصبح دولة دينية، ذلك الأمر الذي رفضه الشيخ عبد الكافي في البداية. فأي تناقض هذا وقع فيه شيخنا الكريم؟ وهل يكفي ما قاله الشيخ عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من آذي ذميا فهو خصيمه يوم القيامة بأن يقنع المسيحيين ويطمئنهم للمرشحين الإسلاميين في هذه المرحلة الدقيقة من عمر مصر والتي يجب أن تخلو تماما من تصفية الحسابات؟
يتعجب الشيخ لمن ينادون بالتغيير الشامل لبقايا النظام السابق، ويدعونا للعمل والبناء وترك القضاء ليقوم بعمله، ونترك الأمور على أعنتها ليتم المجلس العسكري مهمته بإنهاء المرحلة الانتقالية ثم عودته لثكناته. وبمعنى آخر لا يختلف الشيخ عبد الكافي عن فلسفة وتوجه الإسلاميين السياسيين، ولا يقلقه أبدا استمرار حكم النظام الشيطاني السابق في أجهزة الدولة كافة، وتنعم الجناة الحقيقيين بالضمانات القانونية، واستمرار محاكمات الثوار بالمحاكمات العسكرية، وانعدام ظهور أي بوادر للعدالة الاجتماعية، واستمرار الإدارة المركزية بالنمط الدكتاتوري التقليدي، أو قل بالنمط العسكري، المتشرب لثقافة الأمر والائتمار، والهيمنة والانصياع.
من معالم الاحتفاظية العجيبة في فكر الشيخ عبد الكافي أن النخبة، التي قارنها بسيدنا موسى في أرض مدين، تحتاج لعشر سنين لتتأهل لمهمة جديدة، وأما الدهماء أو العوام، ممثلة ببني إسرائيل الذين تاهوا في الأرض أربعين سنة، فتحتاج إلي أربعين سنة لكي يتأهلوا وتظهر ثمار الثورة. الثورة يا سيدي الفاضل، ثورة، تغير القيم والمعايير والقوانين، وتغير التنظيم، وتغير الوسائل والآليات، وتغير البيئة المحيطة الإقليمية والعالمية. ولا ننسى أن الثورات لا تبدأ بالانفجار الثوري أو اعتلاء السلطة والحكم، فهذه هي المراحل الأخيرة من الثورة، ولكنها تبدأ بوجود ظروف الظلم والقهر المؤدية إلى التوتر، ثم ظهور التوتر، ثم بناء الإيديولوجية البديلة، ثم ظهور الظرف المشعل للثورة ثم اعتلاء السلطة، فهي تستغرق بالفعل العشر سنين أو الأربعين سنة التي يتحدث عنها، ولسنا بحاجة إلى انتظار مزيد من الوقت.
كنا نتوقع من الشيخ بقيمه الإسلامية، التي تعلو الدستور وتعلو المجلس العسكري والحكومة، أن يطالب المجلس العسكري بتحقيق مطالب الثورة موفيا بوعوده ومؤديا لأماناته، ولينظر كلاهما اليوم (8 يوليو) إلى الشعب في ميدان التحرير وميادين مصر كلها وكأننا لا زلنا قبل الخامس والعشرين من يناير. ألهذا الحد يعز مبارك وحاشيته؟ ويهون الشعب وأرواح الشهداء في المقابل، وتهون قيم الحرية والعدالة والكرامة والتنمية؟ قلها يا شيخنا العزيز إذا لم يكن المجلس العسكري وحكومته قادرين على الوفاء بوعودهما فليتنازلا بشجاعة الجندي المقدام لمجلس رئاسي ثوري شرعي يكون حكومة إنقاذ ثورية تتم بهما مسيرة الثورة، وإلا فبماذا يجيبون يوم القيامة إذا الثورة سألت بأي ذنب وُئدت، وبأي حق عُطلت الحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية. أتقولونها مدنية وتريدونها دينية يا فضيلة الشيخ؟
مش كيــــــــــــــده والا إيـــه، ورحمة الله على فناننا القدير فؤاد المهندس وهمسة عتابه.
ساحة النقاش