تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

 

Subject: خلق الإرادة السياسية الصالحة

الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.

إن لم يعجبك قولي فأرشدني،

وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،

أو بلوكمي، أو سبام مي.

أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]

خلق الإرادة السياسية الصالحة

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

العلم له حدود، وعليه قيود، لا يستطيع بسببهما أن يقتحم العمل التنفيذي ويفرض كلمته على السياسيين والتنفيذيين لتنفيذ السياسات الرشيدة للتنمية وبناء المجتمعات. ويمثل هذا الوضع مشابهة، والقياس مع الفارق، مع الكتب السماوية وقيمها من ناحية وسلوك الناس من ناحية أخرى. فالدول المتقدمة اليوم قد حققت ما وصلت إليه لتمسكها بأسباب التقدم التي سنتها الكتب السماوية وخاصة في عصور بناء النهضة في هذه الدول. والدول المتخلفة لا تزال متخلفة لعدم التزامها بأسباب التقدم وقيمه، أي بالعلم والبحث العلمي من ناحية، والإيمان من ناحية أخرى، بالرغم من ادعائها اعتناق الأديان السماوية وارتفاع درجة التدين بها.

يتناول علم الاجتماع التطبيقي أشكال السلوك الجماعي وتقنيات التعاون بين الأفراد والجماعات من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادي والرفاء الاجتماعي والرضاء النفسي للسكان. وبقدر قوة العمل الجماعي – الذي يطلق عليه علميا "رأس المال الاجتماعي" Social capital تتقدم المجتمعات وتتعالي هيبتها. فالمجتمع الياباني والكوري والألماني أمثلة واضحة لمجتمعات جبلت وتربت وتعلمت في ثقافة احتراف العمل الجماعي حتى يقول المثل الشعبي في اليابان "اللي يطلع من الصف يندق". وكم نحن العرب بصفة عامة والمصريين بصفة خاصة في أمس الحاجة إلى تعلم العمل الجمعي وممارسته بدءًا بالاقتناع به ثم ممارسته للحوار بيننا وانتهاءً بالسلوك الجماعي الرشيد ووضع السياسات الواعية للتنمية.

ولكل خبر مبتدأ، ومبتدأ التنمية هو الإصلاح المؤسسي الذي يقتنع بالتنمية المؤسسية وليس بتنمية المسكنات المتمثلة في منهج التنمية بالمشروعات والمعونات. وأول التنمية المؤسسية هي تنمية المؤسسة السياسية بصفتها العقل المدبر والجهاز المركزي العصبي للمؤسسات الخمس (الحكومة والاقتصاد والتعليم والدين والأسرة). وعندما تصاب الرأس من المؤسسة السياسية بالوهن والشيخوخة، وفقدان الوعي وانعدام الإرادة، وحب الدنيا تفتَقد كل أسباب الحياة المجتمعية الفتية، ويتآكل المجتمع من ضعف مناعته، وتهاجمه الطفيلات من أمعائه، والوحوش والأعداء من خارجه، وتنهار الحضارة، ويخبو صراخ المخلصين وهم يتحشرجون... النجدة ... النجدة ... إنها الخيانة العظمى. وهنا يتذكر الذاكرون "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة." صدق الله العظيم.

 ومن المصادفة العجيبة أنه أثناء كتابة هذه السطور تم استدعاء الوزير سامح فهمي وهو مجتمع في مجلس الوزراء وسط ضوضاء إعلامية تنم عن وشوك حدوث تغيير وزاري، فظن البعض أن المهندس سامح فهمي سيكلف بتشكيل وزارة جديدة، وظننت أنا شخصيا أنه سوف يعين نائبا لرئيس الجمهورية، ويبزغ الفجر، ويعاد بناء الدولة والدستور والمؤسسية السياسية وبقية المؤسسات بالتبعية، فإذا بنا نقرأ في صحف اليوم التالي أن السيد المهندس سامح فهمي قد استدعي لإخباره أن إسرائيل تريد مزيدا من الغاز المصري.... !!!

ونريد أن نشير هنا إلى نقطتين أساسيتين: الأولى، أن علم الاجتماع يؤكد على أن الخلافة والإعمار والتنمية لا يمكن أن تتم إلا باكتمال دورة المعرفة، معرفة المسميات Epestime، والمعرفة الفنية أو الكيفية أو التقنية Techne، والمعرفة النظرية أي معرفة الأسباب والنتائج Theoria، وأخيرا معرفة الحكمة Sophia أي معرفة الخير والجمال والاستدامة وتصميم الحياة الحكيم الذي يرضاه المولى سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين. هذه أنواع المعرفة كما قسمها قديما فلاسفة الإغريق، وهي ما تحث عليه الأديان السماوية ويأمرنا بها الله سبحانه وتعالى. تقوم إسرائيل بإنفاق 4.7% من ناتجها الوطني الكلي، الذي هو أكبر من الناتج المصري بكثير، على البحث العلمي والمعرفة، ونحن نصرف 0.2%  فقط معظمها أجور للباحثين، وأوقفنا تقريبا البحث العلمي سواء في أكاديمية البحث العلمي أو الجامعات أو مراكز البحوث الأخرى. ولذلك أرجو أن يكون هناك دافع للقوى الشعبية والجماهيرية وللنخبة الثقافية وصفوة الطبقة الوسطى للتحرك من أجل الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي دون الانتظار لكرم الحكومة وإخلاصها، كما أرجو أيضا نعمل جميعا، ونجتهد كثيرا كما أمرنا المولى سبحانه وتعالي ورسله، وإن مع العسر يسرا، ويوما ما عسى أن يكون قريبا، ستشرق الشمس مرة أخرى، ونعود إن شاء الله مهدا جديدا لحضارة المستقبل، مستقبل المؤمنين العلماء.

أما النقطة الثانية فهي عرض اجتهاد نحو حل المعضلة السياسية التي تتمثل في عدم وجود الإرادة السياسية المخلصة للتنمية الحقيقية، بدلا من النقد وجلد الذات، وذلك من خلال اقتراح بعض أساليب المناصرة أو المدافعة لتحقيق وخلق تلك الإرادة السياسية الصالحة. ونظرا لأننا أطلقنا عليها كلمة "معضلة" فلا تزال هناك حدود لما يمكننا فعله.

وفيما يلي بعض النقاط الأساسية التي تدخل في نطاق المناصرة أو المدافعة من أجل تحسين الإرادة السياسية المخلصة ورفع مستوى "الذكاء الحكومي":

ربما يجب في البداية أن نؤمن ونستجيب لنداء هندي شاشتار Hindy Schachter (1997) لكي ننظر إلى أنفسنا على أننا ملاكا للحكومة، ولسنا مجرد زبائن للخدمات العامة. هذا ويدافع بوكس Box (1998) عن نموذج الحكم بالمواطنين Citizen government model وذلك من أجر تسيير أمور المواطنين. كذلك يقدم كل من كنج و ستايفار King and Stiver (1998) نموذجا حكميا مرتبطا بنموذج بوكس حيث يضع المواطنين في مركز عملية الحكم ليلعبوا دورا حقيقيا أصيلا في وضع السياسات. وكذلك يدافع كل من كريسليب و لارسون Chrislip and Larson (1994) عن توجه أساسي للسياسات العامة يتمثل في العلاقة التعاونية التشاركية بين المواطنين من ناحية والموظفين العموميين المنتخبين من ناحية أخرى والمديرين العموميين (كبار التنفيذيين) من ناحية ثالثة، حيث تمثل تلك العلاقة بين المواطنين والموظفين المنتخبين والمديرين العموميين العمود الفقري لهذا التوجه الحكمي.

ومن بين هذا الثالوث الأخير يفصل كل من نالبانديان Nalbandian (1994، 1999) و جوليمبيوسكي و جابريس Golembeiwski and Gabris (1994) و روبرتس Roberts (1997) في مناقشة الإصلاح الحكومي من خلال التركيز على دور المديرين العموميين. ومن المعروف أن القيادات العامة لن تغير اتجاهاتها نحو الإصلاح الحكومي إلا تحت ضغط كاستجابة لتغير جوهري ضاغط في مطالب المواطنين من الحكومة، وفيما يتوقعونه منها من ناحية وكذلك استجابة أيضا لتغير حقيقي في أدوارهم في عملية الحكم نفسها أي في سلوكهم السياسي بوجه خاص.

نستنتج مما سبق أن تفعيل العلاقة بين المواطنين والموظفين المنتخبين والمديرين العموميين أو كبار التنفيذيين بحيث تنطلق القوة الكامنة في كل من هذه الفئات الثلاث هو الذي يمثل التحدي الأكبر للعلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين وذلك من أجل تحسين الإرادة السياسية المخلصة ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين واللحاق بعظام الدول وبما يليق بمصر وتاريخها ومكانتها. ولذلك يتمثل نداء المناصرة أو المدافعة من أجل تحسين الإرادة السياسية المخلصة في ثلاثة خطابات، خطاب للجماهير وخطاب للموظفين المنتخبين (ممثلي الشعب) وخطاب للمديرين التنفيذيين. وقبل أن نتحدث عن كل من هذه الخطابات الثلاثة هناك كلمة موجهة إلى الجميع تتعلق بالتقوى وإخلاص العمل من أجل الآخرين ومن أجل ترسيخ الحق والعدل وقيم الخير التي هدانا المولى سبحانه وتعالى إليها وفصلها لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

التقوى ... التقوى ... كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته بداية من الحاكم إلى الخادم في بيت سيده. ومن ثم فأولى خطوات الإصلاح السياسي لابد وأن تكون تقوى الله، وتذكر يوم الحساب، وتذكر جهنم والخلود في الجنات، وتذكر الموت ومفارقة الأحباب من الأقارب والأصدقاء. ولو كانت الدنيا ذات شأن لأفاض الله منها على حبيبه وحبيبنا المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، ولأنها حتى لا تعادل جناح بعوضة فقد وهبها الله لفرعون وقارون وهامان. إن أهل النعيم الخالد هم المثمرون المغدقون لأعمال تنفع الرعية، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. والتقوى وليدة الإيمان، والعاقل هو المؤمن الذي في أدنى مراتب المنطق يأخذ بقول الرجل المؤمن من آل فرعون حين قال: "...أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم به إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب" (غافر:28).

النتيجة الحتمية للتقوى والإيمان هي سهولة اعتناق القيم والمعايير العليا وتحقيق الغايات السامية للمجتمع الإنساني. ومن أصدق من الله قيلا؟ ثم من هو أصدق البشر قيلا؟ لا أصدق من الله ورسله أجمعين ابتداءً بنوح وانتهاء بمحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. إن الأديان السماوية هي مصدر القيم والمعايير، ولا نقبلها من الرأسماليين أو الشيوعيين. ونذكر فقط مفهوم العدالة كمثال واحد منها لنوضح الهُدى في هدْي الله والضلال في قول البشر: في الرأسمالية العمل ضرورة لكسب العيش لمن لا يملك وليس ضرورة لمن يملك ويسود معيار "لكل على قدر عمله وإرثه" أما المفلس غير القادر فمصيره الجوع والمرض والجهل والانقراض. وفي الشيوعية العمل وظيفة اجتماعية يتقاضى الفرد احتياجه فقط دون زيادة، ويسود معيار "من كل على قدر طاقته، ولكل على قدر حاجته." الفرد هنا محروم من الملكية الفردية ومحروم من الثروة مقابل عمله الجاد ومهارته الفائقة. أي عدالة هذه أو تلك؟ أما في القيم السماوية فالحاجة هي معيار العمل والفائض من حق العامل أيضا حيث يسود معيار "لكل على قدر عمله، ولكل على قدر حاجته." الفرد يبدع ويعمل باجتهاد ويصبح من الأثرياء معتقدا أن المال ملك لله مستخلف فيه، فيه حق معلوم للسائل والمحروم ومستحث على الصدقات والإنفاق بشكل لم يسبق له مثيل في فكر البشر أو في أنظمتهم. وفي نفس الوقت فالإنسان الفقير أو غير القادر له حق الحياة الكريمة دون من أو أذى في المجتمع الإنساني. إذا انطلقنا من قيم كهذه فلن يكون حالنا كما هو الآن، قليلون يمتلكون الثروة والجاه والسلطان بغير حق، والسواد الأعظم من الشعب لا يجد لقمة العيش إلا بالزحام في طوابير طويلة قد تتحول في آخرها إلى سراب لا خبز فيه ولا ماء.

إن القيم السماوية العليا ستحقق لنا مقومات المجتمع الفعال حيث تشتمل على العدالة، التشارك والتلاحم العضوي المتكافئ Partnership بين الحكومة والشعب والمتسم بالاحترام والتقدير، حب العمل والاجتهاد فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، الحرية التي تطلق ملكات الإبداع والابتكار وتحقيق القفزات الهائلة في الإنجاز والتنمية، العلم والمعرفة في سبيل خشية الله وتحقيق التقدم والارتقاء، الشورى والديمقراطية والتمكين واللامركزية وتفويض السلطات وتوفير الإمكانات والمحاسبة والشفافية، القوة (قوة رأس المال البشري أي الفرد، وقوة رأس المال الاجتماعي، وقوة رأس المال الثقافي، وقوة رأس المال الاقتصادي، والقوة التكنولوجية والعلمية والعسكرية) والعزة والثقة في نصر الله ومعيته، الصبر والحلم والرفق وعدم الجهل، صلة الرحم والتحاب بين الناس والتكافل الاجتماعي والتعاون والإيثار وحب الفقراء والمساكين، صيانة النعم والنظافة والمحافظة على البيئة، الاقتصاد والوسطية في الإنفاق دون بسط كلي لليد ودون أن تكون مغلولة إلى الأعناق، توقير الكبير والعطف على الصغير، قدسية الأسرة وحقوق الجيران، الأمن والأمان، كراهة الترف والمترفين والاستهلاك التفاخري، الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، تقديس الأنفس والأموال والأعراض والممتلكات وعدم التعدي عليها، تنمية الضمير الجمعي ومحاسبة النفس، الثواب والعقاب بدءًا بالولاية وانتهاءً بالقصاص والخوف من النار وعذاب القبر والرجاء في الجنة ولقاء الله سبحانه وتعالى. هذه قيم إنسانية سماوية عليا ما علمنا إياها إلا الأديان السماوية دون مزايدة على متصل "العلمانية/الوسطية/الأصولية الدينية". والآن نعود إلى الخطابات الثلاثة من أجل تحسين الإرادة السياسية المخلصة.

أولا: خطاب الجماهير: يعتبر اكتشاف الأساليب الناجحة لإشراك الجماهير في حكم وتشكيل مجتمعاتهم من أهم تحديات الألفية الثالثة. ومن أجل ذلك يجب أن تعي الجماهير كلا من النقاط التالية:

<!--العمل الجماعي هو مفتاح النجاح في تحسين الإرادة السياسية الصالحة وتحقيق الحكم الديمقراطي. العمل الجماعي والقدرة الاجتماعية هما ما يطلق عليهما علماء الاجتماع  "رأس المال الاجتماعي"، وهو يختلف عن رأس المال البشري (الفردي) والذي يمثل قدرة الفرد نفسه، وكذلك عن رأس المال المادي المتمثل في الموارد الطبيعية والمادية والمصنوعة. وقد وجد أن رأس المال الاجتماعي هو أعظم هذه القدرات، فهو على سبيل المثال يساوي أربعة أضعاف قدرة رأس المال الفردي في تحقيق المستوى المعيشي الأفضل (Gamie and Nomeir، 2003).

ويتكون رأس المال الاجتماعي من عناصر عديدة منها المشاركة في العمل الأهلي والتطوعي، وكفاءة التنظيم الاجتماعي والإداري والمنظمات الاجتماعية وفاعليتها والقدرات القيادية والثقة المتبادلة بين الجماهير والحكومة.

<!--يجب على المواطنين أن يدركوا أن مشاركتهم السياسية من ناحية ومشاركتهم النشطة في العمل الأهلي أي في الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة سوف يقوي من قطاع المجتمع المدني ويفرض كلمته على القطاع الحكومي بالمساعدة في التنمية من ناحية وتحقيق الإرادة السياسية المخلصة ورفع مستواها من ناحية أخرى.

ثانيا: خطاب الموظفين المنتخبين (ممثلي الشعب):

<!--يجب أن يتذكر ممثلو الشعب أنهم قد أقسموا قسما غليظا من أجل مصلحة الشعب والوطن، ومن ثم فيجب ألا يكرسوا نشاطهم نحو هندسة حسابات الحصول على الأغلبية في الانتخابات وبناء التحالفات السياسية وتوسيع قاعدة المؤيدين، بل يجب عليهم أن ينشغلوا بتحقيق أهداف سامية مثل اكتشاف وبناء قاعدة المواطنين المشاركين معهم في عمليات الحكم والسياسة.

<!--يجب أن يعمل الموظفون المنتخبون على خلق الثقة بين الجماهير والحكومة من أجل تقوية رأس المال الاجتماعي في مجتمعاتهم المحلية. والمعروف أن المفتاح الرئيسي لخلق الثقة هو الشفافية Transparency والمحاسبية أو المساءلة Accountability.

<!--ضرورة قيام ممثلي الشعب بتشجيع المواطنين وحثهم على المشاركة السياسية والمشاركة النشطة في العمل الأهلي من خلال إنشاء الجمعيات الأهلية والمشاركة النشطة فيما هو موجود منها.

ثالثا: خطاب المديرين العموميين (كبار التنفيذيين):

<!--يجب أن يعلم المديرون التنفيذيون أنهم هم الذين تقع عليهم رسالة التحول من نظام الحكم السلطوي الأبوي التقليدي إلى نظام الحكم الديمقراطي، أي حكم المجتمع المشارك Engaged community governance، أي حكم الشعب بالشعب، والذي يتعدى مجرد المشاركة السياسية مثل الانتماء الحزبي والتصويت. ويعتمد نظام الحكم السلطوي التقليدي على أهمية الخبير المهني Expert/professional، والفصل بين القوى المؤسسية والوظيفية، والفصل بين الأدوار والواجبات والمسئوليات، بينما يعتمد نظام الحكم الديمقراطي على دمج المواطنين في جميع عمليات الحكم. وتنحصر روابط المواطن بالحكومة في نظام الحكم التقليدي في الانتخابات وإحصائيات الرأي العام ودراسات الرضا وجلسات الاستماع وأنشطة النقابات والجماعات المنظمة والاتصال الفردي، كل ذلك دون استشارة المواطن ودمجه الحقيقي في الحكم  (ليسي و جبسون Lacy and Gibson ، 2002).

<!--إن نقطة البداية في سبيل الحكم الديمقراطي تتمثل في إدراك مفهوم معين وهو أن "شئون الشعب هي شئون الشعب" Public's business is public's business. ومن ثم فيجب على كبار التنفيذيين وممثلي الشعب أن يشجعوا المواطنين على المشاركة الجادة، ويدعوهم إلى المشاركة وأن يمدوهم بالمعلومات والمعرفة التي تمكنهم من المشاركة الحقيقية المفيدة. إن المشاركة الحقيقية تمكن المواطنين من تحديد ووضع أهداف مجتمعهم المحلي ويضعوا أجندتهم الخاصة، ويقوموا بتنمية المبادرات والاقتراحات الإستراتيجية لتنمية مجتمعهم، ويشاركوا في إجراءات تنفيذ ورصد التقدم والتطور وتقييم نتائج برامجهم التنموية.

<!--يجب أن يعلم المديرون التنفيذيون أنهم هم الذين يلعبون الدور المحوري المتمثل في إغلاق الفجوة بين الواقع والنظرية وذلك فيما يتعلق بالحكم الديمقراطي.

<!--يجب أن يقوم المديرون التنفيذيون بإرشاد الموظفين المنتخبين (ممثلي الشعب) وقيادتهم في دهاليز المشاركة الشعبية الحكمية في الوقت الذي يقومون فيه أيضا بتطوير وتبني ورعاية عمليات المشاركة المدنية في الحكومة مع الالتزام بأخلاقيات المهنة.

<!--يجب على كبار التنفيذيين مثل المحافظين ورؤساء المدن وهم بسبيل تفعيل المشاركة الشعبية الحكمية أن يشكلوا لجانا استشارية من المواطنين Citizen advisory committees أو لجان تداول في قطاعات معينة تمدهم بالنصيحة حول قضايا معينة مثل خطة استخدامات الأراضي أو تنمية الأحياء والمناطق العشوائية والقرى أو الترفيه أو النقل أو التنمية الاقتصادية بل حتى الموازنة والتمويل. ويمكن أن يتم التوسع في نطاق المشاركة الشعبية ليتعدى مجرد اللجان الاستشارية ليشمل أعدادا كبيرة من المواطنين من خلال ابتكار وسائل جديدة لتحقيق ذلك مثل إجراء الدراسات المتعلقة بالتخطيط الإستراتيجي للمحافظات أو المدن أو القرى.

<!--يجب أن يعمل كبار التنفيذيين على تحقيق الشفافية والمحاسبية (المساءلة) كمبادئ أساسية لأدائهم الإداري والمنظمي، ولا يكتفون فقط بإظهار وإعلان الكفاءة (أعظم الإنتاج بأقل القليل) وإعلانهم اتباع المبادئ الإدارية الصحيحة مثل الإدارة بالأهداف MBO أو الإدارة النوعية TQM أو غيرهما.

<!--يجب على كبار التنفيذيين العمل على بناء الثقة بين الجماهير والحكومة من خلال تحقيق الشفافية والمحاسبية، كما يجب عليهم بذل الجهد لاكتشاف القيادات المحلية الطبيعية والرسمية الصالحة وتحسين القدرات الإدارية والتنظيمية لمنظماتهم وما يتبع لها من منظمات فرعية حتى المستوى المحلي القروي أو الأحياء، ذلك كله من أجل تقوية رأس المال الاجتماعي الذي يمثل ركنا ركينا من بناء الحكم الديمقراطي والمشاركة المجتمعية المحلية وتحسين الإرادة السياسية المخلصة.

<!--يجب على كبار التنفيذيين إدراك القيمة العظمى للامركزية في تحسين الإرادة السياسية المخلصة وتحقيق الحكومة الديمقراطية. ومن ثم فعليهم تشرب ثقافة اللامركزية من خلال التعلم الذاتي والتعرف على الخبرات والممارسات والخبرات الناجحة للآخرين في هذا المجال.

<!--يجب على كبار التنفيذيين أن ييسروا قدر إمكانهم بصورة رسمية أو غير رسمية قيام المواطنين بإنشاء الجمعيات الأهلية والنقابات والمؤسسات الخاصة وذلك لدعم وتنمية قطاع المجتمع المدني الذي سوف يؤدي إلى مساعدة الحكومة في جهود التنمية وتحقيق فلسفة الإنتاج الجماهيري بالجماهير وليس مجرد الإنتاج للجماهير، ومما سوف يؤدي أيضا إلى تحسين الإرادة السياسية المخلصة. ويذكرنا بار و جيتس Parr and Gates (1989) أن المشاركة الشعبية تظهر أهميتها بصورة خاصة عندما ينخفض مستوى ثقة المواطنين في الحكومة وينخفض مستوى الشفافية والمحاسبية من جانب الحكومة. وعندما يشعر المواطنون بالتوتر، كما يقول كريسليب  و لارسون Chrislip and Larson (1994: 15)، فإنهم يكونون على استعداد للتعاون فيما بينهم نظرا لانعدام وسائل أخرى لتحقيق مصالحهم. ولا شك أن ذلك هو أحد الأسباب التي دعت بعض المواطنين إلى الاعتقاد بأن مطالبهم ومصالحهم لن تتحقق إلا من خلال تنظيم جماعات نشطة غاضبة في صورة إضرابات أو اعتصامات (مؤسسة كيتارينج Kittering Foundation، 1989).

<!--يجب أن يعلم كبار التنفيذيين وممثلو الشعب والقيادات المجتمعية المحلية أهمية اللجان المحلية على مستوى الحي أو القرية في خلق روح وقدرات المواطنين بالنسبة للمشاركة والاندماج في الحكم ومن ثم تحسين الإرادة السياسية المخلصة (بيري و بورتني و تومسون Berry, Portney and Thompson، 1993). وفي الوقت الذي تقوم به المجالس المحلية بهذا الدور في المجتمعات الغربية نجد أن جمعيات تنمية المجتمع المحلي في مصر بالرغم من تبعيتها لوزارة الضمان الاجتماعي (الشئون الاجتماعية سابقا) يمكن أن تقوم بهذا الدور مرحليا في مصر. ولذلك فيجب على كبار التنفيذيين الاستعانة بالخبراء والمستشارين المتطوعين للمساعدة في تفعيل تلك الجمعيات عن طريق تقديم كافة أساليب التحفيز والدعم المادي والفني وتفويض السلطات وحرية اتخاذ القرارات (عناصر اللامركزية).

<!--يجب على كبار التنفيذيين والمديرين العموميين أن يتبعوا منهجية منطقية متسلسلة عند محاولتهم دمج الجماهير في الحكم الديمقراطي تتمثل في الخطوات التالية:

<!--توعية الجماهير بمفهوم الديمقراطية وخاصة لمن يسيئون فهمها من الناحية الأخلاقية والإسلامية بصورة خاصة، حيث ينظر إليها عامة الشعب على أنها حرية المعصية، وهنا يجب تذكيرهم بمقولة الشيخ الغزالي، رحمه الله، الذي يتحدث عن عدد من الإسلاميين قائلا: ".... (هذا العدد من الإسلاميين) ينظر إلى الديمقراطية نظرة غير واعية وغير دقيقة، ولذلك يخاصمها، فالديمقراطية في تصوره (هذا العدد) هي حرية المعصية. هذا كلام غريب وكلام باطل. الديمقراطية في مفهومها الأعلى هي إطلاق الحدود أمام المواهب البشرية في أن تستوي وتنضح وتؤدي وظيفتها في خدمة الأمة." (عبد السميع، 1992: 24). وكيف يمكن ذلك دون مشاركة ودمج فعلي للجماهير في الحكم أي في إدارة شئون أنفسهم بأنفسهم؟

<!--وضع وتحديد الهدف من جهود المشاركة الشعبية والدمج الجماهيري في الحكم، بحيث تكون أهدافا حقيقية وليس لمجرد تقليد الدول الديمقراطية. ومن ثم فيجب أن تكون تلك الأهداف أهدافا يشترك في وضعها القيادات الشعبية وممثلو الشعب وعناصر من عامة الشعب. ومن أمثلة هذه الأهداف تحسين الأداء ليتناسب مع احتياجات الناس، ضبط الخدمات لتتناسب مع رغبات الناس، تحديد معايير الأداء، تحديد الأولويات لوضع خطة الموازنة، وضع خطة للتمويل، وإعلام الجماهير عن إنجازات وثمار مشاركة الجماهير في التنمية.

<!--ضمان تمثيل وجهة نظر كافة فئات الجماهير من خلال جمع معلومات بطرق مختلفة ومن مصادر مختلفة.

<!--التوقيت المناسب واتباع المداخل الصحيحة للأغراض المختلفة. ومن ضمن هذه المداخل تحديد رغبات وتفضيلات الجماهير ومستويات رضائهم من خلال المسوح الاجتماعية أو الجماعات البؤرية Focus groups أو المقابلات الشخصية أو اللقاءات الجماعية، وهناك أيضا مدخل تكوين الجماعات أو اللجان المحلية الاستشارية أو جماعات المهام المحددة غير الرسمية. وهناك أيضا المدخل الإعلامي من خلال المطبوعات والإعلانات ولجان الاستماع المحلية والتقارير العامة وشبكة المعلومات الدولية والاتصالات الشخصية.

<!--تقرير كيفية استخدام المعلومات في صناعة القرارات خاصة وأن المعلومات الخاصة بالجماهير يجب أن توزن وتقارن بالمعلومات الموضوعية والعلمية والخاصة بالخبراء والتقنيين.

<!--إعلام الجماهير عن كيفية تطبيق إسهاماتهم وتبنيها، وذلك بعد رصد ومراقبة المعلومات المتحصل عليها من أنشطة المشاركة الجماهيرية وإعلام المشاركين بنتائج مشاركتهم وطلب استمرارية تلك المشاركة.

والخلاصة إن نموذج الحكم الديمقراطي لا يمثل مشكلة حقيقية عندما يتعلق الأمر بتوضيحه وفهم معانيه بقدر ما نجد مشكلة حقيقية في كيفية إقناع الجماهير وممثلي الشعب المنتخبين وكبار التنفيذيين بوجود أسباب حقيقية وضرورة حتمية للمشاركة في عملية الحكم الديمقراطي، ذلك الأمر الذي لا يضمن أن يؤدي إلى فائدة حقيقية وإنتاج فعلي كما يتصورون. وهنا يأتي دور الإعلاميين والمعلمين، كل من يتخذ منبرا للإعلام سواء مرئيا أو مقروءا أو مسموعا أو تعليميا، إذ لا يجب أن يقتصر دور الإعلام على الخطاب الخبري (أي نشر ما يحدث وعرض المعارف) وإنما يجب أن يمتد إلى الخطاب التنموي متخليا عن مذاق التشفي والولولة والشخصنة عارضا ومناقشا وناشرا للحلول ومواجها للمشكلات مستضيفا لأصحاب الفكر التنموي الإبداعي العلمي والأدبي والثقافي بوجه عام. يجب على الإعلاميين والمعلمين نشر ثقافة اللامركزية والمشاركة والعمل العام والعمل التطوعي والمسئولية المجتمعية، فالديمقراطية ليست كلمات وإنما هي سلوك شعبي وعمل، وكذلك نشر مفهوم التعددية والتسامح والتعايش والحوار، وتعظيم قيمة الديمقراطية وإشعار المواطن بحقوقه وواجباته، وتعريف المواطن بأهمية المؤسسات التعليمة والصحية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية وكافة المنظمات الثقافية والتربوية المجتمعية المحلية. كما يجب على الإعلاميين والمعلمين توعية المواطن بالقيم والنظم السياسية المختلفة في العالم وخاصة الرأسمالية والشيوعية ومميزات القيم السماوية وعلوها على تلك النظم الوضعية. وبدءًا بالتقوي، لن تتحقق الإرادة السياسية المخلصة والحكم الصالح إلا إذا تعاون كل من الجماهير وممثلي الشعب والتنفيذيين والإعلاميين لإعلاء ثقافة اللامركزية ودمج الجماهير في حكم أنفسهم بأنفسهم، فهذا هو المسار الذي اتبعته الأمم التي أشير إليها بالبنان، والتي يضرب حاليا بها الأمثال، والتي تخطو على الدرب حتى تؤول إلى نفس المآل.

المراجع

Berry, J. M, K. E. Portney, and K. Thomson., The Rebirth of Urban Democracy, Washington DC: Brookings Institution, 1993.

Box, R. C. Citizen Governance: Leading American Communities into the 21st Century. Thousand Oaks, CA: Sage Publications, 1998.

Chrislip, D.D. and C. E. Larson. Collaborative Leadership: How Citizens and Civic Leaders Can Make a Difference. San Francisco: Jossey-Bass Publishers, 1994.

Gamie, Mohamed N and Mokhtar Ali Nomair. “The discouraging condition of human capital development in rural Egypt The 2nd Sustainable Development Forum (SDF-2) in Collaboration with the American University in Cairo, “Managing Development Through Global Cooperation,” Marioutt Hotel,  Cairo, Egypt, December 27-28. 2001.

Golembiewski, R. T., and G. T. Gabris. “Today’s City Managers: A Legacy of Success-Becoming-Failure”. Public Administration Review 54(6), 1994: 525-530.

Kettering Foundation. The Public’s Role in the Policy Process: A View from State and Local Policy Makers. Dayton, OH: Kettering Foundation, 1989.

King, C. S. and C. Stivers.. Government Is Us: Public Administration in an Anti-Government Era. Thousand Oaks, CA: Sage Publications, 1998.

Lacy, D. P., M. J. Dougherty, P. D. Gibson, and M. D. Miller. “Strategic Planning: Alternative Models To Empower Communities". Presented at the American Society for Public Administration Region IV Conference in Richmond, Virginia, September 30, 1993.

Nalbandian, J. Facilitating Community, Enabling Democracy: New Roles for Local Government Managers. Public Administration Review 59(3), 1999:187-197.

Parr, J. and C. T. Gates. “Assessing Community Interest and Gathering Community Support”. In International City Management Association, eds., Partnerships in Local Governance: Effective Council-Manager Relations. Washington, DC: International City Management Association, 1989.

Roberts, N. “Public Deliberation: An Alternative Approach to Crafting Policy and Setting  Direction”. Public Administration Review 57(2), 1997: 124-132.

Schachter, H. L. Reinventing Government or Reinventing Ourselves: The Role of Citizen Owners in Making a Better Government, State University of New York Press: Albany, NY. 1997.

 

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع
  • Currently 72/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 351 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

92,256