هُيام
و إذا بى أجول نواحى الطريق أبحث عن هذا العازف الذى يجعلنى أحلق دون أن أدرى. إنه موجود فى
ركن ما من مخيلتى و ربما موجود أيضا فى حيز ما من الحياة، يكاد إيمانى بوجوده يخلقه و تكاد لهفتى
عليه أن توجده، أعلم أنك موجود فى مكان ما من فضاء تلك الأمكنة المبهمة فى فراغات عقلى.
إن الذى خلقك فى فكرى لقادر على أن يمنحنى إياك حقيقة مجردة من جنون الوهم و غفلة الظنون. ربما
تكمن سر جاذبيتك فى غموضك فدائما ما نمل الشىء الواضح و نرحل عبر غموض نرغبه بشدة رغم صعوبته،
و لكن يبدو أننا نعشق المستحيل لأنه يضعنا فى تحد مع الحياة و يخلق لنا مروجا من الخيال الخصب إذا ما خذلتنا الحياة.
أنتبه من حوار معك ﻷجدك أمامى جالسا على مقهى الفنون تعزف ألحان " نوران" و على أنغامك تغنى
داليا حسناء بصوت شجى يشبه نبرة مختنقة فى حلقى. فكثير ما صمت حتى ظن الكلام أنى عجزت عن
البوح و الحديث، لم يكن يعرف أنى ﻻ أتقن أحاديثى إلا عندما ألتقى بعينيك لتثير فى أخبارا و أخبارا أرغب
فى أن أقصها عليك و هى تفقد جمالها إذا كانت لغيرك و هذا هو السبب وراء صمتى العتيق.
جلست على طاولة مجاورة لك و غبت عن ذاك الشاب الذى كان يرافقنى فى خطواتى، ففى وجودك أنسى
كل الكائنات و ﻻ ألتفت إلا إليك عندما توقظنى رائحة عطرك من سباتى، هو أيضا كان لك و بك.
يسلبنى عزفك كل ما تبقى لى من حضورى، أكاد أقسم و أصرخ فيمن حولك أنك مذمار من مذامير داود
أعاده الزمن إلينا ليحيى فينا أصالة الفن و تفرد الابداع، فما أنت إلا وحى السماء و إلهام العلياء، ما أنت إلا
إنتشاء الوجد لحظات الهيام، و قليل هم الذين يمكنهم أن ينعموا بنشوة الإحساس فهى خاصية يمتلكها
أتقياء الوجدان.
أصبحت أخشى هذا الخيط الرفيع الوهمى الذى يفصلنى عن الحقيقة، الذى يضعنى على خط فاصل بين
عالمين: عالم الواقع و عالم الخيال، رغم أنى أدمنت السير عليه بخطى بطيئة حذرة من شىء ما ﻻ أعرفه و
لكنى أحسه، هو يشبه الخوف المحمود الذى يتسلل معى عندما أقدم على المضى إلى دنياك.
و مازال للهيام بقية
بقلمى ... حنان