معن بشور
أيّاَ كانت مشاعر المواطن العربي إزاء نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية والتي أعلنت فوز الدكتور محمد مرسي رئيس حزب العدالة والحرية وأحد قادة الإخوان المسلمين، فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر كم تبدو مصر "بهية" وهي تمسك بيد أهلها أربع مرات وخلال أشهر وتأخذهم إلى صناديق الاقتراع بكل حرية بعد أن حرموا من الانتخاب الحقيقي لسنوات عديدة.
كما لا يمكن لأي مراقب إلا أن يبدي إعجابه بشيوخ قضاة مصر وهم يعقدون مؤتمراً صحفياً يوضحون فيه، وبالتفصيل الممل أحياناً، كل ما أثير من طعون واعتراضات، متجاوزين بترفع نبيل كل ما تعرّضوا له من تهجمات ظالمة انطلقت من افتراضات خاطئة وعبّرت عن ثقافة الرأي الواحد الذي لا يقبل رأياً آخر، والصوت الواحد الذي لا يسمح لصوت آخر، وهي الثقافة التي تمرغت بها حياتنا السياسية والحزبية لعقود متتالية حتى كدنا نعتقد أن لا ثقافة غيرها، وأن لا خطاب سوى خطاب الإقصاء والإلغاء والتشهير.
أهل الثورة في مصر انتصروا بخيارهم حين نجحوا في إبعاد من اعتبروه ممثلاً للنظام القديم، ولو بالتفوق عليه بأصوات محدودة، في نتيجة تستحق الوقوف طويلاً أمامها، أما المتخوفون من همينة فئوية أو حزبية فقد نجحوا بالمقابل في أن يوصلوا في جولة الإعادة، كما في الجولة الرئاسية الأولى، صوتهم القائل إن مصر هي لكل أبنائها، ومكونات مجتمعها، ولن تكون بالتأكيد ملكا لجهة أو حزب أو فريق.
وإذا كان ممكناً ترجمة هذه الثنائية المتنافسة انتخابياً، والمتقاربة في أصواتها، إلى معادلة سياسية قادرة على تأمين الاستقرار لمصر، وعلى صون وحدة مجتمعها العريق في تنوعه، وعلى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، وما أكثرها، فإن هذه المعادلة تقول: الرئاسة لمرسي وما يمثل، والحكم لائتلاف واسع يعكس التوافق بين القوى الفاعلة في مصر، والمرجعية للدستور الذي يشترك كل المصريين في صوغه.
لقد أسقطت الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى، فكرة "الجماعة المحظورة" عن الإخوان المسلمين في مصر وأقرت أنهم مكوّن رئيسي في النسيج الوطني المصري له إسهاماته وكفاحه وشهداؤه، فهل سينجح الرئيس العتيد وإخوانه بالمقابل في إسقاط كل انطباع أو تصور أو توجس من أنهم سينشدون الاستئثار أو التفرد أو إقصاء الآخرين!.
في كلام الرئيس مرسي بعد انتخابة ما يطمئن من هذه الناحية، كما في موازين القوى الداخلية ما يشجع على هذا السلوك، الائتلافي، بل إن ما ينتظر مصر من تحديات في الداخل والخارج يحتّم على الجميع اعتماد منهج جامع يهيئ مصر لمواجهة أزمات يضيق بها المواطن، وللاضطلاع بدور يتوق إليه أبناء الأمة كلها، وقد أحسّوا لعقود باليتم منذ أن نجح أعداء مصر والأمة في إخراج أرض الكنانة من تاريخها والجغرافيا مع معاهدة كامب ديفيد التي إذا لم تسمح الظروف اليوم بإلغائها، فلا يجوز أن تضغط هذه الظروف لتكريسها، خصوصاً أن شعب مصر منذ رفض بالإجماع التطبيع مع الكيان الصهيوني قد حدّد موقفه من تلك المعاهدة، وأن معارضي النظام السابق، وفي مقدمهم جماعة الإخوان المسلمين، قد ناضلوا طويلاً ضد تلك المعاهدة المشؤومة ومفاعيلها.
وإذا كان الرئيس محمد مرسي وإخوانه قد اعتمدوا الائتلاف الواسع طريقاً لحكمهم، فإن القوى ذات المنبت العقائدي أو التاريخ السياسي المختلف، أو حتى المتناقض، مع الرئيس العتيد وإخوانه مدعوة أيضا إلى احترام صندوق الاقتراع، كما إلى التمسك بروح الائتلاف والتوافق التي لن تنهض مصر بدونها، والتي هي شرط الانتقال الجاد إلى نظام ديمقراطي حقيقي يؤكد أن الشعوب حين تخرج من قمقم الاستبداد والفساد والتبعية لا يمكن أن تعود إليه، وأن ما يجري في مصر اليوم من ترجمة لمفاعيل ثورة يناير سيكون له إشعاعه في الوطن العربي والعالم.
وبقدر ما هو الائتلاف بين المصريين واجب وطني اليوم، فإن التصالح بين النظرات إلى تاريخ مصر أيضا ضرورة على أكثر من صعيد.
فثورة يناير هي استكمال لثورة ناصر، وقد دعت مثلها المصريين إلى أن يرفعوا رؤوسهم عالية، كما هي استكمال لثورة عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول، بل هي استمرار لجهاد الشهيد المقدم أحمد عبد العزيز أول شهيد إخواني مصري على أرض فلسطين، وملهم لجمال عبد الناصر أيام حصاره في الفلوجة، بل إن هذه الثورة هي عبور تاريخي لمصر يجسد العبور التاريخي لقناة السويس في 6 أكتوبر 1973، بل إن نهضة مصر اليوم هي بنت نهضة بدأها مفكروها النهضويون وجسدها محمد علي وابنه إبراهيم باشا واغتالها أعداء مصر والأمة. <!--EndFragment-->
نشرت فى 30 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
276,757
ساحة النقاش