محمد شو

العالم بين يديك

وليد الزبيدي:

في عام 1931 زار المهاتما غاندي لندن وسأله أحد الصحفيين عن رأيه في الديمقراطية الغربية، فأجاب بكلمتين فقط، قال:"سمعت بها". وبعد أكثر من تسعة عقود على رأي غاندي بالديمقراطية، ما زال الكثيرون يسمعون بها، دون أن يلمسوا لها أثرا واضحا في حياتهم، وليس ثمة وجود للتطبيقات الواردة في فحوى هذه الكلمة.

ويصف فرانسيس فوكوياما الثورتين الأمريكية "سنة 1763" والثورة الفرنسية "سنة 1789" بأنهما أهم ثورتين ديمقراطيتين في العالم، في حين يرى المفكر الأمريكي المعروف تشومسكي، أن خطاب أمريكا الديمقراطي وجوهرها غير الديمقراطي لهما تأريخ طويل، ومن به ذرة من التفكير ألا يعير اهتماما لخطب الزعماء.

هنا أود مناقشة بعض الجوانب التي تخص الديمقراطية في ضوء التجربتين الأمريكية والفرنسية، ولا ننسى وصف غاندي لها، فقد دُشنت الديمقراطية الأمريكية بحملات غزو واحتلالات عابرة للقارات، وقبل أن تبدأ غزواتها التي تتواصل منذ قرنين، عمدت الديمقراطية إلى شن حملة إبادة غير مسبوقة ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر التي وزعتهم بين قتلى أو خدم للأمريكيين الغرباء أصلا عن هذه الأرض، حتى قضت عليهم بوحشية لا مثيل لها.

وهناك الكثير من التفاصيل عن حملات الإبادة التي نفذها الأمريكيون الوافدون ضد السكان الأصليين، كما أن دعاة الديمقراطية الأمريكية لم يكتفوا بإبادة الهنود الحمر، بل أصروا على ممارسة التمييز العنصري، وأصدروا الكثير من القوانين التي تجعل من الزنوج في الولايات المتحدة عبارة عن عبيد ومواطنين من الدرجة العاشرة، حتى انتفض الزنوج منتصف خمسينات القرن الماضي وقاد حملة التخلص من ظلم الديمقراطية الأمريكية مارتن لوثر كنج، قبل اغتياله عام 1968، هذا داخل الولايات المتحدة؛ أما في الخارج فقد واصلت الجيوش الأمريكية حملات الاحتلالات في مختلف أرجاء المعمورة، وفي جميع حملات الغزو لم تتوقف عمليات القتل والتعذيب ونهب ثروات الشعوب والأمم، ولم يتردد الأمريكيون قديما وحديثا في قتل الأبرياء بدم بارد.

ومن بين آلاف القصص لا ينسى العالم مذبحة قرية "الماي لاي" في فيتنام بتأريخ 16 آذار- مارس 1968، عندما قتل الجنود الأمريكيون قرية بكامل ناسها ذبحا، ولم يفلت من المجزرة أي شخص بمن في ذلك الأطفال والشيوخ والنساء، وخلال ساعات تناثرت دماء الفيتناميين في كل مكان، وبكل بساطة انتقم الأمريكيون من أكثر من اربعمئة شخص بعد أن عثروا على جثة جندي أمريكي مقتول بالقرب من القرية، واستنادا إلى تطبيقات الديمقراطية فإن جميع الناس يجب ذبحهم دون التدقيق بالشخص أو الجهة التي تقف وراء الحادث، كما يجب أن لا ننسى أن ذلك الجندي يحتل بلدا وهو بجميع المقاييس مجرم وقتله أمر واجب.

وفي مجزرة "حديثة" بالعراق "19ـ 11ـ 2005" أقدم الجنود الأمريكيون على إبادة أربعة وعشرين شخصا كانوا بغرف نومهم، ومثل ذلك مجزرة الإسحاقي "15ـ 3ـ 2006" في العراق أيضا، وغيرها الكثير، وكل ذلك يجري تحت مظلة الديمقراطية التي قال غاندي إنه سمع بها.

وللثورة الفرنسية التي توصف بأنها من أفضل الديمقراطيات سجلها الطويل من الجرائم، فطيلة احتلالهم لفيتنام التي استمرت لعشرات السنين وانتهت بمؤتمر جنيف عام 1954، تلطخت أيدي الفرنسيين بآلاف الجرائم التي ارتكبوها بحق الفيتناميين، الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم يرفضون الاحتلال الفرنسي ويريدون الحرية لبلدهم.

وبعد خمسة عقود من انطلاق الثورة الفرنسية "سنة 1789" دشنت فرنسا أطول احتلال في التأريخ الحديث، ففي عام 1830م غزت القوات الفرنسية في ظل الجمهورية الديمقراطية الأراضي الجزائرية للاستحواذ على المنتجات الزراعية في هذا البلد، الذي كانت منتجاته تغذي نصف فرنسا ونسبا كبيرة في إسبانيا وإيطاليا، ولم تتحرر الجزائر إلا عام 1962 بعد مقاومة شرسة خاضها الجزائريون، واستمر هذا الاحتلال لمدة 132 عاما.

وعندما انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وتحررت فرنسا من الاحتلال الألماني، خرج آلاف الجزائريين في مدينة سطيف الجزائرية مطالبين بالاستقلال، فما كان من جنود الدولة الديمقراطية "فرنسا" إلا مواجهتهم بالنار فسقط في يوم واحد أكثر من 40 ألف شهيد جزائري في المجزرة الشهيرة يوم الثامن من مايو عام 1945م.

هذه بعض ممارسات الديمقراطيين التي عاشها الناس، وسمع عنها غاندي، ولم نلمس منها إلا القتل والإبادة والاحتلالات. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 47 مشاهدة
نشرت فى 30 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

256,118