د. فوزية رشيد:
من تونس إلى ليبيا إلى اليمن إلى مصر، استحوذ "الإخوان المسلمون"، على السلطة وعلى ضفاف ما سمي الربيع العربي، ليكون ربيعا "إخوانيا" بجدارة في ظل الديمقراطية العربية، التي جاءت بدورها على وقع الفوضى والدم العربيين اللذين لم يخرج منهما بعض تلك الدول إلى الآن.
كان فوز "د. محمد مرسي" رئيس حزب الحرية والعدالة متوقعا، ليتحول إلى فخامة الرئيس المصري ولكن كان متوقعا أيضا أنه سيواجه تحديات استثنائية في حالة فوزه، فهل مثلا بإمكانه أن يتنصل فجأة من أيديولوجيا وبرامج وفكر "الإخوان المسلمين" ليكون رئيسا لكل المصريين كما قال في خطابه الأول بعد فوزه وكما هو مطلوب؟
وهل بإمكانه أن يتخطى ما هو مرسوم له كرئيس للدولة في علاقته مع المجلس العسكري، الذي وضع بعض الضوابط قبل إعلان النتائج الرسمية بانتصاره في الانتخابات؟
وهل بإمكانه أن يحقق التوافق الوطني، وأن تكون المسؤوليات الرسمية والوطنية موزعة على القوى السياسية التي شاركت في الثورة وفي ميدان التحرير، وكما وعد قبل الحصول على دعمها له في الانتخابات الرئاسية؟
هل بامكانه أن يؤكد التعددية المصرية من حيث التركيبة السكانية والتركيبة الفكرية السياسية المتنوعة، والتركيبة الاجتماعية ذات الأطياف والألوان المختلفة، بمعنى أن يمارس حكمه في إطار دولة ديمقراطية مدنية، وليس في إطار نهجه الفكري الخاص النابع من نشأته الطويلة كإخواني؟ أي هل سيتم بالفعل استبعاد نهج التكفير أو الإقصاء أو التضييق على الحريات في الحياة السياسية والاجتماعية، وبحسب ما يمليه الواقع المصري المتنوع؟ بمعنى هل سيتمكن الرئيس المصري مثلا من الخروج من جلده وأفكاره ومبادئه الإخوانية ليحكم مصر بحسب واقعها وليس بحسب رؤيته الخاصة أو الحزبية؟ هل سيقطع صلته بمرشد الإخوان تماما؟
ماذا عن علاقات مصر مع إسرائيل و"حماس" تعتبر امتدادا للإخوان أو مع التدخل الأمريكي الواضح في الشؤون المصرية، والإخوان يبدو أنهم على علاقة لافتة مع الطرف الأمريكي الذي كان يهمه وصول مرسي إلى الرئاسة، بحسب التصريحات الأمريكية وضغوطها على المجلس العسكري قبيل إعلان النتائج الرئاسية؟
ثم ماذا عن "إيران" والإخوان أيضا على علاقة جيدة بها كما يبدو وبالمسؤولين فيها، وخاصة أمام التهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي والتدخل في شؤونها الداخلية عبر العامل الشيعي؟ هل بإمكان الرئيس المصري إيجاد معادلة صحيحة بين مصر وإيران ومع دول الخليج تتناسب مع الدور التاريخي العروبي لمصر؟ أم أن هناك مستجدات سيكشفها المستقبل مثلما ستكشفها حيثيات العلاقات المصريةـ الإيرانية القادمة وخاصة أن إيران مشتاقة إلى علاقات قوية ومتميزة مع الجانب المصري، وعملت منذ الثورة المصرية على اختراق الداخل المصري وشراء بعض الذمم، ونشر التشيع فيها؟
أما التحديات الداخلية سواء الاقتصادية أو التنموية أو السياحية أو الاجتماعية، فهي كثيرة وبحاجة إلى تعاضد كل المصريين والقوى السياسية لوضع البرامج والحلول وخرائط الطريق للخروج من أعبائها وتحدياتها، وليس فقط التقليل من حجم وطأتها على الشعب المصري الذي زادت معاناته بعد الثورة في مضامير الفقر والبطالة وتردي الاقتصاد المصري. مصر بحاجة إلى من يعيد لها حجمها الطبيعي والتاريخي والحضاري وثقليها الإقليمي والدولي ودورها العروبي.
قبل فوز "محمد مرسي" بمنصب الرئاسة المصرية بأسبوع، زار وفد من الإخوان المسلمين واشنطن، وبحسب الخبر، تباحثوا مع المسؤولين الأمريكيين في واقع العلاقة المشتركة بين العالم العربي والإسلامي والولايات المتحدة.
وفي ضوء أن الإخوان المسلمين المنتشرين اليوم فيما يقارب الـ 72 بلدا عربيا وإسلاميا، ومنذ أن أسس "حسن البنا" حركتهم عام 1928، أعلنوا "أنهم حركة مقاومة في العالمين العربي والإسلامي ضد كل أنواع الاستعمار والتدخل الأجنبي"، وحيث شعار جماعة الإخوان هو "الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ولأن المعروف أن الحراكات الشعبية فيما سمي الربيع العربي، مدعومة أمريكيا ومرتبطة بمشروع الشرق الأوسط الجديد بأجندته المعروفة، ودعمت وصول "الإخوان" إلى سدة الحكم في الدول العربية التي قامت فيها الثورات، وقد وصلوا بالفعل، فالسؤال المنطقي- في ضوء أن الأمريكيين لم يدعموا وصولهم إلا لأهداف لديهم يعرفونها أكثر من غيرهم بالطبع- هو كيف سيكون موقف الإخوان في الدول العربية وعلى رأسها "مصر" من الولايات المتحدة المرتبطة ارتباطا عضويا بالكيان الصهيوني، تحديدا في ظل "مبادئهم الإخوانية" ونهجهم في مقاومة الاستعمار والتدخل الأجنبي بحسب الشعارات الأساسية لهم، وخاصة أن هذا التدخل الأجنبي هو اليوم في أنصع تجلياته ومنذ قيام ربيع الدم العربي؟
أعتقد أن التحديات يداخلها الكثير من التركيب والتعقيد وتحديدا مع وصول "الإخوان المسلمين" إلى دول الثورات العربية وهو امتحان صعب بالنسبة إليهم، فهل سيقتربون من النموذج التركي في الحكم أم سينشئون نموذجا جديدا؟ لأن المنهج الديني الذي يقوم على أساسه حراكهم، قد يتضارب مع التحديات الداخلية والدولية المحاصِرة "بكسر الصاد" بطوقها الدولَ العربية، وبلد مثل مصر وبحجم مصر، الذي بدأ فيه حراك "الإخوان" سيكون أيضا المثال ليس في الحكم فقط وإنما في النهجين السياسي والاجتماعي حين يتم تجسيدهما على أرض الواقع، وحيث لا يزال ذلك يكتنفه الكثير من الغموض والالتباس، الذي لن تتضح خيوطه إلا عبر الممارسة، ومعرفة حجم المصداقية، ما بين المنهج والتطبيق، وخاصة أن كل الجغرافيا العربية مهددة اليوم في ظل المشروع الأمريكي التفتيتي للشرق الأوسط الجديد، وحتما مصر هي الجائزة الكبرى لذلك المشروع، كما صرح بذلك أحد منظري المشروع الشرق أوسطي قبل سنوات، مما يجعل من التحدي الخطر الذي تواجهه حركة "الإخوان المسلمين" ككل، ذا أثر كبير في كل المنطقة العربية، بعد وصول حراكها إلى السلطة العربية في العديد من دولها.
ونتمنى للمنطقة العربية تجاوز أسوأ سيناريوهاتها، بل الانتصار فيها على القوى الإمبريالية العالمية، وهذا ما ستتضح كيفية المواجهة فيه قريبا، وهذه المرة على "الإخوان" في الميدان وفي أهم الدول العربية. <!--EndFragment-->
نشرت فى 30 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
276,748
ساحة النقاش