محمد شو

العالم بين يديك

صلاح حميدة

تُظهر الأحداث الأخيرة في مصر تكاتف كل القوى الظّلاميّة فيها لإعادتها للعهد القديم، فمن الواضح أنّ تلك القوى الّتي تتمترس في مؤسّسات الدّولة المختلفة لا تريد ترك الشّعب المصري يقرّر مصيره بنفسه، ولا تريد له السّير نحو المستقبل ليلحق بركب التّقدّم والعصرنة.

خسرت تلك القوى معاركها مع الشّعب في صناديق الاقتراع، وباءت كل محاولاتهم لتهميش قوى الثّورة والقضاء عليها بالفشل، وهم الآن يعملون على إجهاض الثّورة وتقييد إفرازاتها الانتخابيّة عبر قوانين مختلفة، وعبر إدخالها عبر ممرّات إجباريّة ومتاهات لا نهاية لها تفقدها القدرة على التّغيير وخدمة الشّعب، وتقوم تلك القوى بإلهابها بأسواط الإعلام الفاسد ومكائد القابعين في الظّلام من قوى اقتصاديّة وسياسيّة وأمنيّة، وبالتّالي تدفع النّاس للكفر بالثّورة والانفضاض من حولها.

ولكن الأكثر إثارةً في الموضوع هو إعلان "موت مبارك إكلينيكيّاً" ونقله لمشفى عسكري، والغريب أنّ هذا الخبر يثار دائماً عنه ولم نره إلا في أفضل أحواله عند محاكمته، ويتبيّن دائماً أنّ الأخبار عبارة عن تسريبات إعلاميّة من جهات مخابراتيّة مصريّة تريد استثمار عاطفة الشّعب المصري سياسيّاً، واللافت أيضاً، أنّ محامي مبارك ذكر أنّ مبارك قال له: "عايزين يموّتوني هِنا"، وهو يفترض أنّ هناك من يسعى لقتله في المعتقل، والمنطق يقول إنّ الّذي سيقتله هو من يسجنه لأهداف سياسيّة يبتغيها، وقد يكون مبارك استحضر تجربة عبد الحكيم عامر مع جمال عبد النّاصر، حيث ذكرت مصادر مختلفة أنّه مات مسموماً وحيداً على يد المحيطين به في معزله، بعد أن تمّ تحميلها أوزار مرحلة لم يكن وحده من صنع عيوبها.

تزامناً مع المليونيّة الرّافضة لمحاولة سرقة إرادة الشّعب المصري ونتائج انتخابات الرّئاسة، خرج نبأ موت مبارك خلال برنامج حواري على قناة النّيل الإخبارية الرّسميّة، وكأنّ الخبر جيء به ضمن سياق حواري يسير باتّجاه مؤيّد لما فعله العسكريّون من انقلاب على الثّورة والانتخابات، وإدانةَ لمن فاز في الانتخابات ولإعلانه لفوزه الموثّق بالمحاضر المأخوذة من لجان الانتخابات الفرعيّة والرّئيسيّة، وانتقل بعدها مباشرةً أحد المتحاورين ليترحّم على مبارك ويعتبر أنّ هذه مناسبة لتأجيل النّظر في الطّعون والإعلان عن نتائج الانتخابات، الّتي باتت معروفة بالتّوثيق لعامّة النّاس.

أعلنت قناة العربيّة الفضائيّة- نقلاً عن رئيس اللجنة العليا للانتخابات- أنّه يوجد "مليون صوت مزوّر" وإن صدق أنّ رئيس اللجنة قال هذا، فهو يعلن بشكل واضح أنّه يريد إمّا إلغاء الانتخابات الرّئاسيّة- وهو المرجّح- لكونها لم تأت كما تهوى تلك اللجنة ومن يقفون خلفها، وقد ظهر انحياز اللجنة ومن خلفها المحكمة الدّستوريّة ضدّ الثّورة، وهذا يدل على أنّ هناك مخطّطا واضحا إمّا لسرقة الإرادة الشّعبيّة وإجهاض الثّورة، وإمّا أنّ هناك توجّها لإعلان المرشّح الخاسر فائزاً، والمرشّح الفائز بالتّوثيق خاسراً، وقد يكون مؤتمر حملة شفيق الّذي يعلن أنّ شفيق هو الفائز "حسب تقديراتنا"! تمهيداً لهذا السّطو على الانتخابات والثّورة في وضَح النّهار.

لذلك قد يكون هناك من يرغب بـ"تمويت" مبارك وسرقة الإرادة الشّعبيّة في نفس الوقت، أملاً بأن يتمّ ذلك وسط عاصفة من الفوضى والاضطرابات الجماهيريّة، ويكون حاميها حراميها في النّهاية، وهو المنقذ للشّعب من حمّام دموي، ولكن يغفل هؤلاء أنّ "نيرانهم سترتدّ عليهم، إن أُمروا بضرب المواطنين بالنّار، وسينقلب عليهم جنودهم وضبّاطهم"، كما قال المستشار الخضيري، محذّراً المجلس العسكري، فاللّجوء لاستخدام العنف ضدّ الجمهور عبر الإعلان السّابق عن الأحكام العرفيّة المقنّعة بقانون وزير العدل سيّئ الصيت، الّذي يمنح المخابرات الحربيّة والشّرطة العسكريّة حمل صفة الضّبطية القضائيّة، فالوضع الآن ليس مثل قبل عقدين من الزّمن في الجزائر، فلا الزّمان نفس الزّمان، ولا المكان نفس المكان، ولا وصل الجزائريّون لانتخاب رئيس وبرلمان ثمّ سرقت الثّورة، والسّؤال الموجّه للانقلابيين، هل هم على استعداد لقتل مئات الآلاف من شعبهم ليحافظوا على امتيازاتهم ويبقوا على كرسي الحكم؟!.

تعتمد جماعة الاخوان استراتيجيّة جمع القوى الثّوريّة حولها للعبور إلى برّ الأمان بالثّورة، وتعتمد على خطاب جماهيري سلمي ضاغط على الانقلابيين من الدّولة العميقة، بالإضافة إلى إعلانهم لتفضيل الحوار مع من يختلفون معهم، وأنّ العنف ليس على جدولهم السّياسي، فهم لا يملكون قوّة عسكريّة وأمنيّة وإعلاميّة وبيروقراطيّة مثل الانقلابيين، ويكفيهم القوّة الشّعبيّة القاهرة لكل القوى المادّيّة المعروفة.

ولا يملك أيّ محبّ لمصر والمصريين إلا أن يتمنّى أن يعبروا هذه المرحلة بسلام، وأن يتمَكَّنوا من دفع القوى الظّلاميّة الفاسدة الّتي حكمت مصر عبر عقود لتتراجع وتدَعَ الشّعب المصري يمضي نحو الحرّيّة والاستقلال والازدهار والتّقدّم. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

271,917