محمد شو

العالم بين يديك

د. عبد العزيز المقالح

يثبت السباق المحموم على الرئاسة في مصر أن السياسي العربي عسكرياً كان أو مدنياً، علمانياً أو دينياً، ليس على مستوى المرحلة الراهنة وتحدياتها، وأنه لم يعتبر بما حدث ويحدث في الساحة العربية، كما أن منصب الرئاسة في أقطارنا العربية لا يزال فضفاضاً ولم تحدد مقوماته أو بالأصح مهماته المحددة بقانون، ودستور يخفف من نزعة الإقبال والتهالك عليه.

وإلى أن يغدو هذا المنصب شرفياً ومَغْرَماً لا مَغْنَماً، ووسيلة لا غاية، سيكثر التنافس بشأنه حتى وهو في أسوأ مراحله عاقبة وندماً. ولا أدري لماذا يذكرني هذا السباق المحموم على تولي كرسي الرئاسة سواء أكان في مصر أم في غيرها من الأقطار العربية والإسلامية، بالحديث النبوي الشريف الذي يقول: "إني لأرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، ولو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذّذْتم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصعُدَات تجأرون إلى الله.. وددت لو أني شجرة تُعْضَد".

وكم أتمنى أن يكون هذا الحديث البديع المحزن ماثلاً صباح مساء أمام الناس جميعاً وأمام السياسيين منهم خاصة، لكي ينبههم منذ وقت مبكر إلى أن البدايات السياسية تختلف عن نهاياتها، وأن التفكير في النهاية يجب أن يكون في وعي طالب الرئاسة والزعامة، ومن المؤكد أن تَمَثل هذا الحديث النبوي سيجعل كبار العقول وكبار النفوس يعزفون عن الاقتراب من هذا الباب الذي يدخله البعض فرحين ويخرجون منه نادمين.

وإذا كانت العبرة في النتائج الماثلة للعيان، فما الفائدة في مثل هذا السباق المحموم أو المجنون، ولا سيما في الشعوب التي يتسلّم الرئيس فيها بلداً مدمراً نفسياً وأخلاقياً قبل أن يكون مدمراً سياسياً واقتصادياً، ولا تصلحه سوى معجزة وهذا ليس زمن المعجزات.

ولعل القيادات الجماعية المؤقتة "مجلس رئاسة" هي الحل الأمثل في مثل هذه الظروف، انطلاقاً من مفهوم "رأي الجماعة لا تشقى البلاد به، رغم الخلاف، ورأي الفرد يُشقيها" حتى لو كان الفرد صادق النية، عميق الإخلاص، فإنه لن يسلم من تأثير الحزب الذي ينتمي إليه، أو نصائح الجماعة التي ستتولى الإحاطة به فتسعى بذكاء ودهاء إلى توجيهه نحو ما تريد، لا نحو ما يريد.

ومن الصعب على رئيس دولة، مهما كان إخلاصه وثقته بنفسه، أن يسلم من الضغوط، وألا تدفعه الوساوس والمخاوف إلى اتخاذ إجراءات تمليها العاطفة لا العقل، والمصالح الضيقة لا المصالح العليا للشعب وللأمة، والشعور بالقلق لا الحكمة والروية.

وأمامنا تجربة عريضة على مستوى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وفيها من العبر الكثير، والعاقل من اعتبر بغيره، و"من جرّب المجرّب فعقله مخرب" على حد المثل السائر بين الناس.

وإذا كان إرضاء الناس غاية لا تدرك في كثير من الأمور، فإن إرضاء كل الناس أو حتى بعضهم في المجال السياسي خاصة، يبدو عسيراً ومستحيلاً، وفي شعوب نخرها الفساد والاستبداد، ومزقتها الأطماع وفرّقتها الأحزاب والشيع.

ومن هنا، فالقيادة الجماعية الممثلة للقوى المخلصة والفاعلة في الواقع، هي الحل المؤقت إلى أن تستقيم الأحوال وتأخذ الرؤية الديمقراطية بمعناها وأبعادها الإيجابية مداها، وحتى يتمكن المواطن العربي من أن يحسن الاختيار بوعيه الذاتي واقتناعه الشخصي لا بالدوافع الحزبية أو المناطقية أو المذهبية. وفي إمكان الإعلام أن يقوم بدور إيجابي غير منحاز إلا لمصلحة الوطن، وما يعود على جميع أبناء هذا الوطن من توافق ووئام وشعور مسؤول تجاه الحرية والمواطنة المتساوية، وتجاه العمل الذي هو أساس التغيير ووسيلة النهوض. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 39 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

263,651