محمد شو

العالم بين يديك

إبراهيم علي إبراهيم*

قدمت الثورة الليبية المنتصرة للعالم رؤى ودروسا ونهجاً جديداً في الخلاص من النظم الاستبدادية. ربما أسهم النظام المتسلط في هذا المسار الجديد من خلال فكرة الشعب المسلح، وقاد لانقلاب السحر على الساحر، ومضى الشباب الليبي الرائع ممتشقاً الجديد من الشجاعة والبسالة وخوض غمار حرب ضروس ضد نظام مغرور أعمى مسنود بعقول أقل ما يقال عنها أنها "سخيفة"، لا أساس فكريا لها، نظام مسنود بالمرتزقة، وربما كان القذافي آخر الزعماء في عالمنا المعاصر الذي يعتمد المرتزقة لحماية نظام فاسد، بدت هشاشته واضحة للعيان حينما اقتحم الثوار "باب العزيزية" مقر إقامة القذافي وحصن كتائبه. فلعه لم يجد الثوار على أبوابها دبابة أو قطعة سلاح تحميها.

حيا الله الشباب الليبي، الذي بنى نفسه وتعلم فنون القتال... ومضى يرتاد الصحاري والجبال.. ويحرر المدن والقرى والدساكر في بلد في حجم قارة.. إمداد.. وعتاد.. واقتسام للخبز.. جرحى.. وأدوية وتطبيب.. أكفان.. وأعلام.. فنون وإعلام وتصنيع لكل أنواع السلاح.. الله أكبر على هذا الشباب الرائع.. يضمد جراحه ويلعق هزائمه وانكساراته ويمضي من نصر إلى نصر.. في ثمانية أشهر سقط القذافي.

أشهر الثوار الثمانية بحساب الزمن هي لا تتعدى المائتي يوم.. ولكنها بحساب الإنجازات هي قيامة شعب يمضي إلى المجد حين تتكرس الديمقراطية ويحق الحق ويقف الناس احتراما لدولة القانون واستقلال القضاء وفصل السلطات وصيانة حقوق الإنسان. 

يأتي هذا فوق ركام دولة الفوضى، والعبث الذي استمر لأكثر من أربعين سنة وهي في عمر شعوبنا في العالم الثالث كثيرة، كثيرة.. عززت الثورة المسلحة الروح الوطنية، وأحدثت تجديدا في شرايين الدماء الليبية. 

ثورة اتجهت منذ اليوم الأول لانتصارها للانكفاء على تقديم الخدمات للإنسان الليبي الغني بثرائه وتراثه وثرواته.. يمتلك النفط وكل أنواع الزراعة ويمتلك شاطئاً متوسطاً بديعاً يمتد لستمائة كيلومتر.. ثروة حيوانية.. موالح وزيتون، شعب يملك كل الخير، لكن "القائد الأممي" الذي يستيقظ من النوم منتصف النهار.. ويتجه إلى المايكروفونات ليتحدث أو يهذي ليجني الناس من أحاديث السخرية... إنه يعبث بأقدار شعب عظيم، وربما كان أروع ما في الثورة الليبية هذا الكم من المثقفين والمفكرين والإعلاميين والانتلجينسيا التي ظهرت عبر الستلايت والتي أبهرت الناس وقادت الثورة بكل حزم وجد وعلمية واقتدار، خططت في كل مجال، ونفذت كل ما وضعته على الورق، حتى إن بعض أركان النظام الذين التحقوا بالثورة استطاعوا أن يتحولوا إلى أناس مختلفين ويتشبعوا بروحها، حتى الشيخ عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الليبي، بدا وكأنه شخص آخر وهو يقول: "ستتم محاكمة كل رموز النظام بما فيهم أنا، سأعرض نفسي للمحاكمة.." وربما هذا هو زمن الشفافية وفلسفة التسامح.. وبناء الدولة الديمقراطية الجديدة. 

٭ حمى الله الثورة الليبية ممن يتربصون بالثورات.. فالثورات في عالمنا الثالث كالهرة تأكل بنيها كما يقولون.. فمهام الثورة أكبر من حجم الإنجاز الذي أنجزته في إزاحة الطاغية وحكمه، لأن الشعب الليبي يحتاج الى الاسراع في بناء دولة المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والاجهزة المحلية ويحتاج الى تعزيز الديمقراطية وبناء اعلام وطني فاعل، يحتاج الى البدء من الصفر في كل مجالات التنمية.

فلقد كانت الدولة في حالة غيبوبة. لا احد ينتبه للانتاج والتنمية وتطوير حياة الإنسان الليبي. هل رأى الناس خلال الستة اشهر التي ظلت الاجهزة التلفزيونية مثبتة على الارض الليبية، هل رأى الناس أي مصانع؟ هل رأى الناس أي مزارع؟ هل رأى الناس اي قدر من المعمار الذي يوازي حجم الثروات التي تتمتع بها ليبيا؟ 

ان ليبيا من اغنى البلدان في هذه المعمورة ولكن شعبها يواجه الشح والكساد والافقار في بعض المناطق. لله در ذاك الفتى الذي ارتكز على رشاشه وقال انظروا لشعبنا لا تظهر عليه اية آثار للنعمة مثلنا مثل الشعوب من حولنا!! في الصحراء يلتحف الفضاء ولا يدري الى اين المعبر. 

قال شيخي البسيط وهو يثبت مسمار نظارتي الذي انكسر بعد ان سمع بسقوط القذافي قال: "حكامنا جنهم اكبر منهم.. ولذا فهم يمضون الى نهاياتهم بأيديهم".

٭ الدرس الاهم الذي يفترض ان تكون خرجت به العديد من القوى الوطنية والتقدمية والاسلامية على حد سواء، هو ان لا تناصر اي نظام طاغية حتى وان رفع شعاراتها، فالنظم الاستبدادية كما ظهر النظام الليبي على مدى عقود اربعة، نظام متلون ومتغير لا يبقى على مبادئ ولا يحفظ عهداً، فهو نظام الفرد..الاوحد.. الذي اذا اتجه يساراً مال كل انصاره يساراً.. وان اتجه عروبياً اتجهوا معه.. وان مضى الى افريقيا يرثي "اشباه" الزعماء والقادة.. طبلوا له ورفعت صوره وصلى بالناس العيدين، والجمعة ونصب اماما للمسلمين وملكا للملوك ورمى برايات التقدم والاشتراكية ومقاومة الملكية.. ومحاربة الاستعمار.. نظام فقد صوابه في اخريات ايامه، بالقدر الذي دفعه لقصف مواطنيه بالطيران وهو ما لم يفعله الاستعمار الايطالي. 

اوانها خرجت الاصوات كلها تصرخ مطالبة بالتدخل الدولي، ومضى البعض للقول بان الغرب لا يهمه ان يقصف القذافي شعبه ولذا يتباطأ في ضرب طيرانه، لكن الواقع يقول ان حكومات الغرب تحتاج الى موافقة برلمانياتها وقواها السياسية لانها لا تعمل بمعزل عن الواقع السياسي والا احترقت في صحراء ليبيا، وليس كما تقرر نظم الحاكم الفرد في بلداننا، وهذا هو الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية. 

وهذه النظم التي تتبجح وتزعم انها جاءت لمقاومة الاستعمار وتحرر البلاد من قوى العمالة والارتزاق.. وكما ظل يصدعنا النظام الليبي المباد، هذه الدول لا تملك اي قدر من قوات الردع.. ولا تملك اي منها اسطولاً يجده الناس عند الملمات.. والظروف المشابهة لظروف الشعب الليبي.. وما اكثرها.. ولو ان هناك اساطيل او اسطول يملك المقدرة ويملك القرار للتدخل لحماية الشعوب العربية لما بقي نظام ولما بقي دكتاتور..

فالشعوب العربية تملك الشباب الرائع كما اثبت ربيع الثورات العربية والشعوب العربية تملك المال الوفير وقد خسرت تريليونين و400 مليار دولار في مصارف وبنوك الدول الغربية والشعوب العربية تملك القدرة على صناعة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة اذا ما توفرت الارادة.. وتوفرت الحريات.. والدساتير.. واحترام القيادات لشعوبها واقدارها.. ولكن.. الا ترون السعي والجهود الجبارة لوأد الثورات في مهدها؟ 

هذه ايام ماجدة في تاريخ العرب، ايام فارقة اما ان تنتصر الثورات وتمضي الى نهاياتها ويتحقق للعرب ان ينهضوا ويعملوا للحاق بركب الحضارة الإنسانية وعالم التقدم وفتح ابواب الحداثة.. والتقنيات والانتصار للعقل العربي.. والمستقبل العربي... او ان تمضي المسيرة الى نهايات الانفاق المظلمة حيث يدرك ان هناك شعوباً منتصرة. الثورة العربية تحتاج الى وثبات اخرى قد تستغرق زمنا طويلا. 

حتى تتحرر من هذه النظم الفاسدة وبقاياها فقد ظلت تعشعش وتعيش في كهوف التاريخ وتحتفل بالخرافات والاساطير منذ امد بعيد بالقدر الذي حاصر العقل العربي وجعله تابعا لا مبدعا، مستهلكا لا منتجا ولا مخترعا ولا فاعلا الا بمقدار ضئيل لا يعبر عن تراثه ومقدراته. 

ذهب القذافي بخرافاته واحلامه ومجده المزيف.. ذهب مع كل الطغاة والطواغيت وسيحاسبه التاريخ طويلاً.. وسيحاسب كل من وقف الى جانبه وبين له الباطل حقا والحق باطلا. ذهب القذافى وكل القوى التي تحالفت معه ووقفت ضد ارادة الشعب الليبي سيحاسبها التاريخ، وستدفع الثمن غالياً. 

لقد كان العديد من القوى السياسية العربية تغض الطرف عن جرائم القذافي طمعاً في امواله السائبة، وظلت تتجاهل معاناة الشعب الليبي الغني بموارده وقدراته، وقد افقره القذافي ونظامه وجعله يعاني من ابسط مقومات الحياة، بينما تزدهر المعمورة شرقا وغربا وهو باق في مواقعه ليواجه شظف العيش وجفاف الصحراء وموارده تنهب وتذهب ادراج الرياح. 

لقد كان الاجانب الذين يعملون في ليبيا يحصلون على مخصصات ضعف ما يحصل عليه الإنسان الليبي، الى هذا الحد كان القذافي يهين ابناء جلدته. 

٭ تغاضت القوى السياسية العربية التي تحالفت مع القذافي عن السجون التي امتلأت بالشرفاء من ابناء ليبيا.. كغاضب عن المظالم وسيطرة اجهزة الامن على الاوضاع في ليبيا.. وغضت الطرف عن ترهات وسخافات القذافي المتمثلة في اقواله المثيرة للسخرية وعبثه بالمقدسات ولم يسلم من سخافاته حتى القرآن الكريم.. والتواريخ.. وعمد لتشويه النسيج الاجتماعي الليبي منذ ان سطا على السلطة بليل، حيث غيب التطور الطبيعي للدولة، من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني متمثلة في الاعلام والصحافة والمنظمات الطوعية والاحزاب السياسية والنقابات والاتحادات والاندية.. كل هذا كان ممنوعا منعا باتاً الا ما عرف بانه ممالئ للنظام وسدنته من بسطاء الناس والجهلاء ورجال الامن وماسحي الجوخ..! 

٭ كل هذا واكثر تغاضت عنه التيارات السياسية العربية وغيرها خاصة قوى التقدم التي رفع القذافي شعاراتها معظم سنوات حكمه. 

هذه القوى ستدفع الثمن غاليا، وعليها الآن ان تعترف وتعتذر للشعب الليبي. لقد كانت هناك قوى تعمل بالوكالة عن النظام الليبي مثلما كان يحدث في بيروت ابان الحرب الاهلية اللبنانية، واسهم المال الليبي في شق الصفوف، وتسليح الفرق وزيادة اشتعال اللهيب اللبناني.. 

وحتى الحياة الطبيعية البسيطة في ليبيا عبث بها القذافي، اغلق الاسواق باسم الاشتراكية، الغى الجيش باسم الشعب المسلح، امم الاعلام والصحافة الا من يمجدون احلامه ويسوقون سخافاتهم وجماهيريته المزعومة ونظريته المتوهمة، قال احد المقاتلين: لقد كرهنا اللون الاخضر يا رعاك الله انه لون النعيم الى هذا الحد كان القذافي يشوه كل جمال حتى الخضرة تلونت ليبيا كلها باللون الاخضر.. العام 1891م رأيت اللافتات الخضر.. والعام 9991م رأيت ذات اللافتات.. ذات المباني.. ذات القناة التلفزيونية.. لم يتغير شيء.. في بلد هو اغنى بلاد العالم. 

في بنغازي لم يكتمل بناء احد الفنادق 43 عاما واستغرق بناء المستشفى العام في المدينة اكثر من ثلاثين عاما، والقذافي فيما نظن انه يتصور ان عمر الإنسان يمتد لآلاف السنوات. 

٭ الدرس الليبي الاهم في ثورتها هو هذا الطراز الرفيع من القيادات الليبية والانتلجينسيا التي اطلت عبر الفضائيات والصحافة طيلة الستة اشهر. قيادات وشباب ومتخصصون في كل المجالات "يسدون عين الشمس" كما يقولون. لكنهم كانوا مغيبين بفعل انسداد الافق امامهم في ظل السيطرة المطلقة للزعيم الفرد والقائد "المهرج" المسخ.. الذي اساء لليبيا في كل افكاره السخيفة... وكلامه غير الموزون.. وسياساته التخريبية على كل الصعد.. صناعة الانقلابات، معاداة دول الجوار، التقلب في السياسات الخارجية، من الدعوة للوحدة العربية، الى الدعوة للوحدة الافريقية، كل همه الاتجاه الى خارج الحدود من اجل البحث عن زعامة مزيفة للعالم، زعيم يقولون انه يستيقظ منتصف النهار ليحيك ملابسه المزركشة التي تليق بملك ملوك افريقيا!! 

٭ القذافي اساء الى ليبيا، ومسح اسمها من خارطة المجتمع الدولي، رغم ظهوره اليومي.. وصفوه بانه يماثل الانموذج الفرعوني "ما اريكم الا ما ارى"، هكذا يقول "القذافي: الكتاب الاخضر هو الحل النهائي!! انا او الطوفان: وتحت هذا المبدأ ضرب الشعب الليبي بالطيران.. وظلت طائراته تعربد في السماء، وعلى الارض.. جهز القوافل محملة بالصواريخ بعيدة المدى ولولا عناية الله وتدخل حلف الناتو قبل ساعات لتم تدمير مدينة بنغازي فوق الشعب الليبي هناك.. لانه اطلق شرارة الثورة. 

٭ لا شيء في ليبيا اسواق ليبيا مغلقة منذ العام 1969م والمقاهي محرمة، والرياضة هي رياضة جماهيرية والصحف والاعلام والتلفزيون.. كلها مجللة بالاخضر الاخضر هو الكتاب الاخضر.. لا شيء غير الاخضر. 

٭ ليبيا اجمل واغنى بلاد الله حولها القذافي الى بلد تلفها "الكوابيس" ويمرح فيها الامن الذي يسوم الناس العذاب.. الامن ذو الظل الثقيل يفسد الحياة.. ان انت اخذت اسرتك الى حديقة.. سرعان ما يقف امامك الناطور: ماذا تفعل هنا؟ ما عليك سوى لعق جراحك! 

ليبيا تملك "551" طنا من احتياطي الذهب.. 
ليبيا تملك احتياطياً مالياً "956" مليار دولار. 
ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا.. 
ليبيا بلد زراعي تنتج الموالح والزيتون ويملك ثروة حيوانية. 
ليبيا ستنهض من جديد.. وسيشهد العالم بلدا عظيما يسهم مع الأسرة الدولية في السلام والخير والأمان. 


* صحفي سوداني- الولايات المتحدة <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,493