محمد شو

العالم بين يديك

جواد البشيتي

اليوم الأحد 17 حزيران 2012 لن يكون يوماً عادياً في حياة مصر، وإنْ تعذَّر على المرء أنْ يَعْرِف الصفة التي بها سيَدْخُل التاريخ؛ فـ"الحسم" سيتعدَّى "الانتخابي" إلى "التاريخي"، في أرض الكنانة، التي تخطَّى فيها الصراع "السَّافِر الآن" بين الثورة "ثورة 25 يناير" والثورة المضادة "التي يقودها "المجلس العسكري الأعلى الحاكم المتحكِّم"" نقطة اللاعودة.

مُذْ أعلن عمرو سليمان، في بيانه التاريخي الشهير، تخلِّي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية "وحتى قبل ذلك" وأنا أُشَدِّد، في كل ما كَتَبْت عن الثورة المصرية العظيمة، على أهمية وضرورة عدم الثِّقَة بالمؤسَّسة العسكرية المصرية، وبالمجلس العسكري الأعلى الحاكم على وجه الخصوص؛ ولطالما قُلْتُ إنَّ هذا "المجلس" الذي يرأسه المشير طنطاوي، والذي تظاهر بالانحياز إلى الثورة، وبتبنِّيها واحتضانها، لا يعدو كونه "حكومة بونابرتية"، تُعِدُّ العُدَّة للانقضاض على الثورة، وإنَّ مهمته الحقيقية هي إدارة البلاد بما يمكِّن قوى الثورة المضادة من إنهاء الثورة والقضاء عليها؛ فثورة 25 يناير اختزنت من الطاقة الثورية التاريخية ما يجعل احتواء المؤسَّسة العسكرية لها من الصعوبة والاستعصاء بمكان، وما يَفْرِض على قوى الثورة أنْ تعي وتُدْرِك أنَّ انتصارها النهائي والحاسم لن يتحقَّق إلاَّ من طريق تحطيم هذه المؤسَّسة، والتي هي شيء يختلف تماماً عن الجيش؛ أَوَلَمْ أَقُلْ، قبل بضعة أيام من وقوع ما يسمَّى، الآن، في مصر، "الانقلاب الناعم "على الثورة""، بأهمية وضرورة العودة إلى 11 شباط 2011؟!

وقبل هذا بيومين، كَتَبْتُ عن "الصِّراع الذي يَصْرَع الأوهام"، فقُلْتُ إنَّ "مجلس القضاء الأعلى" لن يُفْهَم على خير وجه إلاَّ إذا فُهِم على أنَّه "التوأم القانوني" لـ"المجلس العسكري الأعلى "الحاكم""؛ و"المجلسان" تتضافر جهودهما الآن على إنقاذ نظام الحكم القديم من خطر الانهيار المُحْدِق به.

وقُلْتُ أيضاً: لقد آمن المصريون زمناً طويلاً بوَهْم "استقلال القضاء" عن "السُّلْطة" حتى في اللحظة الحاسمة من الصراع بينها وبين الشعب؛ فإذا باحتدام هذا الصراع يُسْبِغ عليهم نعمته، ويريهم "مجلس القضاء الأعلى" بعيون يقظة لا تغشاها أوهام، ويدعوهم إلى الإيمان القويم، ألا وهو الإيمان بأنَّ مبارك مُمْتَدٌّ، يَضْرِب جذوره عميقاً، في "المجلسين"، وفي غيرهما؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، أنْ تنتصر الثورة إلاَّ بثوَّارٍ اغتسلوا، عقلاً وشعوراً وإرادةً وسلوكاً، من هذا الوهم، وأشباهه؛ وما أكثرها!

إذا هُزِمَت ثورة 25 يناير فسوف نقرأ ونسمع كثيراً عن الأسباب والمُسبِّبات؛ لكن ثمَّة سبب، وعلى أهميته الثورية، من وجهة نظري، لن يُؤتى على ذِكْرِه؛ فَدَعوني أَذْكُرُه لكم الآن، وإنْ سَخِرَ منه "على ما أتوقَّع" الليبراليون والإسلاميون على وجه الخصوص؛ وهذا السبب إنَّما هو عدم قراءة "وعدم تمثُّل معاني" كتاب "الدولة والثورة" للينين!

لو قرأوا هذا الكتاب، وتمثَّلوا معانيه، لَمَا نَظَروا بعيون تغشاها الأوهام إلى المؤسَّسة العسكرية المصرية، وإلى المجلس العسكري الأعلى برئاسة طنطاوي، وإلى جهاز القضاء، والمحكمة الدستورية العليا، وإلى سائر أجهزة الدولة "أو "الدولة العميقة"" في مصر؛ فـ"الدولة"، بتعريفها الموافِق تماماً لحقيقتها الموضوعية، وعلى ما وَرَد في الكتاب نفسه، لا يمكن أنْ تَقِف إلى جانب ثورة شعب بأهمية وعِظَم ووزن ثورة 25 يناير؛ فهذه الثورة، هي، في "عُمْق الدَّافِع إليها"، وفي "لا نهائية هدفها"، وفي "ديناميتها الشعبية الثورية"، أعظم وأوسع وأعمق من أنْ تتصالح معها "الدولة" من طريق "جُمْلَة من الإصلاحات الليبرالية"، أيْ من طريق تفصيل ثَوْبٍ لها أقْصَر كثيراً من قامتها.

الآن، لا خيار لدى الناخِب المصري الثوري إلاَّ ذاك الأقرب إلى "الاضطِّرار الثوري" منه إلى "الخيار الثوري"؛ وهذا "الخيار- الاضطِّرار" إنَّما هو التصويت للمرشَّح الرئاسي "الإسلامي" مرسي.

وحتى لا يُساء الفَهْم أقول إنَّ الموقف الثوري هو "دَعْوة "والإصرار على دَعْوة" مرسي إلى الانسحاب من السِّباق الرئاسي مع المرشَّح الرئاسي للثورة المضادة شفيق؛ فإذا لم يُلَبِّ هذه الدعوة الثورية، راكِباً رأسه؛ ولقد ركبها، فإنَّ على الناخب الثوري أنْ يُصوِّت لمرسي، ليس حُبَّاً به؛ وإنَّما نكايةً بشفيق، وبالرَّقّبّة الطويلة التي تُحرِّك هذه الرأس الصغيرة".

ويوم الاثنين 18 حزيران 2012، ومهما كانت النتيجة النهائية للاقتراع، يجب أنْ يُوافِق، بحسب "التقويم الثوري"، 11 شباط 2011؛ فالثورة يجب أنْ تُسْتأنَف؛ لأنَّها لن تُحْرِز انتصارها التاريخي النهائي إلاَّ من طريق انتزاع السلطة انتزاعاً من يَد المجلس العسكري الأعلى، ومن أيدي أعوانه وحلفائه في أجهزة الدولة؛ فـ"العصيان الثوري "وشقُّ عصا الطَّاعة"" هو الذي حان له أنْ يُوْلَد؛ ولا بدَّ له من أنْ يَخْرُج من رَحْم "جولة الحسم الانتخابي"، ورغماً عن "طنطاوي"، الشَّخص والرَّمْز، والذي إنْ قُيِّض له أنْ يلبس "إكليل الغار"، فسوف يَقِف أمام "ضريح الثورة" قائلاً في هُزْءٍ وسُخْرِيَة: إنَّكم قَوْمٌ من الأغبياء؛ فلقد وَضَعْتُم ثِقَتُكُم بي، وبالمجس الذي أرْأس، ضاربين صفحاً عن أهمِّ عبارة تضمَّنها بيان عمرو سليمان، ألا وهي العبارة "لقد كلَّف الرئيس "المخلوع مبارك" المجلس العسكري الأعلى بإدارة شؤون البلاد"!. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

261,389