محمد شو

العالم بين يديك

د. حسن طوالبه:

المشاهد للفضائيات العراقية التابعة للحكومة يسمع كلاما يصور العراقيين في رغد وبحبوحة عيش يحسدهم عليها الآخرون من العرب في الأقطار الاخرى. ومن يشاهد الواقع والحقائق على الأرض، ويستمع إلى شهادات العراقيين الذين يعانون من الجوع والفقر والمرض والتشريد والحرمان والقهر جراء الاضطهاد في السجون لآلاف العراقيين المعتقلين بدون محاكمة، يخرج بقناعة أن العراق عاد إلى عصر ما قبل الصناعة، كما وعد وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد بوش!!

أين هي الحقيقة في بلد فيه بحيرات كبيرة من النفط والغاز، ويقدر الاحتياطي النفطي بـ"287" مليار برميل، حسب رواية شوفنمان وزير الدفاع الفرنسي السابق؟ كيف يحصل هذا الفقر والمرض ونقص الخدمات في الماء والكهرباء والأدوية في بلد يبلغ دخله السنوي من النفط قرابة 100 مليار دولار؟! أين تكمن المشكلة؟ أهي في شحة الموارد، أو في سوء الإدارة؟.

الحكومة الحالية التي يرأسها المالكي عن حزب الدعوة، وعدت الناس أنها ستخلصهم من الفقر والمرض الذي كانوا "يعانونه" زمن النظام السابق، وكذلك وعدت الإدارة الأمريكية أن تحول العراق إلى جنة وارفة الظلال في منطقة الشرق الأوسط!! أين هي هذه الوعود البراقة التي وعد بها الشعب العراقي؟

الحكومة هي نتاج العملية السياسية التي صاغتها الإدارة الأمريكية، بقرارات "بول بريمر" الحاكم الأول للعراق المحتل منذ عام 2003، ويتسلط في هذه الحكومة عناصر جاءت على ظهور الدبابات الأمريكية الغازية أرض العراق، وهذه العناصر واضحة الارتباطات سواء مع نظام الملالي في إيران أو بالاستخبارات الأمريكية، فهي عناصر لم تخفي هذه الارتباطات مع هذه الجهات المعادية للعراق الحر العربي ومعادية لآمال العرب بعامة؛ بل تباهت هذه العناصر بهذه العلاقة المشينة واستعانت بهذه الجهات كلما حصلت أزمة مع الفرقاء المتخاصمين في العملية السياسية.

القوى السياسية المشتركة في الحكم جيرت الولاء الوطني إلى الولاء إلى الفرد وإلى الحزب وإلى المليشيا المسلحة. وصار العراق نهبا مقسما بين هذه القوى وبين هذه الأحزاب، كل ينهب حسب قدراته وحسب رموزه القيادية القادرة على حمايته، وقد تخندق كل حزب مقابل الآخر، وتجسس عليه وجمع الملفات التي تدينه لحين الطلب، وتركوا البلاد نهبا للدول الأخرى، فصار العراق مرتعا للجواسيس والمليشيات الإرهابية والشركات العالمية وخاصة النفطية منها .

الحكومة تتحدث عن الأمن الكاذب، وتجري الفضائيات الموالية لها لقاءات مع الناس البسطاء أو من الأتباع المطيعين ليظهروا أن الأوضاع في العراق أحسن من الأوضاع في سويسرا!! ويخرج الناطق باسم عمليات بغداد ليخدر الناس ويستغفل عقول العراقيين ليدعي أن ما يحصل في العراق من تفجيرات "هي خروقات أمنية بسيطة"، وسرعان ما يخرج الناطق باسم الحكومة ليتهم جهات محددة بهذه التفجيرات، وصارت هذه الجهات كليشيهات ممجوجة "البعثيين والصداميين والتكفيريين"!! وعقب كل تفجيرات إرهابية يتم اعتقال المئات من العراقيين بدعوى أن لهم صلة بالتفجيرات، ويزج بهم في السجون بدون محاكمة أشهرا وسنوات تحت التعذيب المميت.

من الواضح أن الأطراف السياسية الحاكمة عندما تختلف تزداد التفجيرات، فاختلافهم صار عقوبة للعراقيين ويدفعون المزيد من دمائهم ثمنا لهذه الخلافات، وإذا اتفقوا لبعض الوقت فإن الهدوء يوفر الفرصة لهذه الأطراف لكي تنهب وتسرق براحتها، فاتفاقهم نقمة على مال الشعب واختلافهم نقمة على دماء الشعب.

أطراف العملية السياسية كثيرا ما تشدقوا وأكثروا الحديث حول فردية النظام السابق، ولكن الحقائق الراهنة تؤشر إلى أن المالكي ديكتاتور من طراز جديد، ديكتاتور ألغى حزبه وألغى وطنه ولخص هويته في "أنه شيعي أولا قبل عراقيته"!! وأعلن أعوانه في المحافظات العراقية الموالية له بأنها ستعلن الانفصال في حال تم سحب الثقة من المالكي..

لقد صار الوطن مرهونا بشخص واحد يتبع بلدا أجنبيا هو إيران. إن الحاكم الذي يحكم شعبا مثل شعب العراق لا بد أن يكون منهجه حماية وحدة العراق ووحدة العراقيين أولا قبل الدين وقبل الطائفة، لأن العراق متعدد الأديان والطوائف والقوميات.

المالكي رجل الإدارة الأمريكية ونظام الملالي في إيران، والذي يمسك بمقاليد الحكم، أي يرأس وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات، يتمسك بمنصبه ولو هلك الجميع، ويدافع عنه "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي الذي يعتبر سحب الثقة منع "خطا أحمر "؛ كما أن السفير الإيراني وقف وقفة حازمة مع القوى الطائفية الأخرى وهددها بفتح ملفاتها أمام الرأي العام إذا أصرت على سحب الثقة من المالكي.

ولم تفت المالكي لعبة "العصا والجزرة" مع خصومه، ويعمل على تفتيت قوائم خصومه كما فعل مع بعض أعضاء القائمة العراقية حيث قربهم ومنحهم الوعود المعسولة والمناصب الرفيعة في الحكومة، وغض النظر عن أية مخالفة ارتكبوها في السابق، إضافة إلى الرشوة المقيتة التي منحها لهؤلاء المرتزقة بأن أفرج عن أعداد من المعتقلين الذين زج بهم في السجون بدون وجه حق، بدعوى أنهم إرهابيون خطرون على أمن الدولة.

وهكذا صار دم العراقيين وحياتهم ورقة بيد المالكي يلعب بها وقت ما يشاء وحسب الظروف.. فهذا الرجل تدرب في أجواء المكر والخديعة والإرهاب في صفوف حزب الدعوة وأسياده الملالي في طهران، لا يهمه التحالف مع الشيطان مقابل البقاء في قمة السلطة لأنه سبق أن أكدها من قبل "أخذناها ولن نعطيها"!.

وطالما وجهت حكومة المالكي الاتهامات إلى تركيا والسعودية بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، ولكنه لم يتحدث ولو بكلمة عن إيران الملالي التي تحتل العراق حقا بعد الولايات المتحدة، ولا يتحدث عن المليشيات التابعة لإيران مثل "قوات القدس" وقائدها "قاسم سلماني" الذي يتبجح بأن إيران قادرة على تشكيل حكومة في العراق وفي جنوب لبنان، وأن تفرض السياسة التي تتوافق مع سياسة إيران، ولا يتحدث عن سيطرة إيران على آبار النفط العراقية في الفكه، ولا يتحدث عن تهريب الدولارات من العراق إلى إيران عبر مطار النجف، ولا عن تلويث الأراضي العراقية في الجنوب بالمياه العادمة، ولا عن تحويل مياة الأنهر في إيران حتى لا تصب في شط العرب، ولا عن العصابات المسلحة التي يطلق سراح أفرادها مثل "عصائب أهل الحق/ الباطل" بل وتسليحها من أجل نصرته ضد خصومه إذا لزم الأمر.

في ضوء هذه المعطيات فإن هكذا حكومة ليست إلا عصابة تتصارع مع عصابات أخرى تطمح أن تصل إلى الحكم لنهب ما تبقى من مال العراق، وليذهب العراقيون إلى الجحيم!.. عصابات تتسلح بإرهابيين والضحية هو الشعب العراقي الذي يدفع من دمه ضريبة هذا الصراع المخرب والدامي. الشعب يصرخ ويتألم وينادي ولا أحد يسمع أو يستجيب لندائه وصراخه، والأخطر من كل ما يعانيه الشعب هو غسل الأذهان ومصادرة العقول من خلال دعاية مضلله تمسخ الشخصية العراقية الوطنية وتحل محلها شخصية طائفية تابعة للأجنبي.

الوضع العراقي بحاجة إلى ثورة شعبية تخلص البلاد والعباد من الأصنام والطواغيت والسراق، ثورة تعيد للعراق وجهه العربي الأصيل المؤمن، البعيد عن التعصب الديني والطائفي والعرقي، ثورة تحفظ وحدة العراق أرضا وشعبا، فقوة العراق في وحدته وليس في فُرقته، ثورة ضد الفدراليات المقيتة، ثورة ضد التدخل الأجنبي أيا كان، ثورة ضد الاحتلاليين الأمريكي والإيراني، ثورة ضد الفاسدين والحرامية الذين نهبوا ثروات البلاد، ثورة ضد الظلم والظالمين، ثورة ضد التفرد بالسلطة، ثورة من مستقبل العراقيين ليعيشوا بكرامة وإنسانية. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,778