محمد شو

العالم بين يديك

عبد الدائم السلامي:

الآن، في تونس ومصر، تتعالى أصواتُ النُّخبِ الفكريّةِ وكثيرٍ من فئات المجتمع المدنيّ معلنةً خوفَها من ظهور "غُولٍ دينيٍّ" تمثّله بعض التيارات السلفيّة التي كانت نائمة داخل هذين البلديْن قبل مجيء الربيع العربي، بفعل سياسة مكافحة الإرهاب التي أعلنها بن علي ومبارك على الجماعات الإسلامية، وراح اليوم يتمطّى ويُعلن عن حضوره، بل ويشحذ أنيابَه ناشرًا الرعبَ في الشوارع مُهدِّدًا الناسَ في حرّياتهم الشخصية والعامّة، فارِضًا عليهم، بعُنفِه الماديِّ والمعنويّ، اتباعَ منهج السلف الصالح سبيلاً إلى الصلاح الأرضيّ ووسيلة لدخول الجنة السماوية. 

ولا تُخفي بعضُ تلك الأصوات، جرّاء خوفها من ضياع ما تحقّق لها من مكتسباتٍ مدنية منذ حروب الاستقلال في خمسينات القرن الماضي إلى الآن، ترحُّمَها الحارَّ على زعمائها الدكتاتوريين الذين منعوا ظهور هذا الغول رغم ما يمثّلونه من فساد سياسيّ واقتصاديّ وقِيَميّ، وترى دكتاتوريتهم أقلّ تخويفًا من غول الحركات السلفيّة، وهو ما يكون قد دفع الشاب المصري كريم حسين إلى تأسيس صفحة "أنا آسف يا ريس" جاوز عدد مشتركيها 60 ألف شخص، وجعل المطرب التونسي صلاح مصباح يحنُّ إلى عهد بن علي. 

ولئن كنا نعتقد في أنّ أغلب تلك الأصوات ليست إلاّ ردّات فعل ظرفيّة على تنامي الفوضى الاجتماعية والسياسية، ولا تمثّل الرأي العام الشعبي المساند لثورات الربيع العربي، فإنّ ذلك لا يمنعنا من الإقرار بشرعيّة خوف الناس مما تعلن عنه التيارات السلفيّة في خطاباتها وفي ممارساتها من تهديد لهم في مكتسباتهم المدنية. 

ولعلّ ما يزيد في خشية الناس من ظهور التيارات السلفيّة في تونس ومصر هو صمت "حُكّام الثورة" في هذيْن البلديْن على الجهر بعنفِ هذه التيارات، بل والتحالف معها في صياغة دستور "ديني" على غرار ما يحدث في مصر ونبّه إلى خطورته الفقيه الدستوري إبراهيم درويش من خلال إجابته عن سؤال لصحيفة المصري اليوم حول غلبة التوجهات الدينية على الدستور المصري المزمع كتابته، بقوله "نعم، ما يحدث هو أن الإخوان والسلفيين انتهوا فعلا من اختيار اللجنة، وحزب الحرية والعدالة هو من سيقود العملية كلها، والمشيئة ستكون لهم، وسيخلق هذا الدستور الدولة الدينية".

ولا يختلف ما يحدث في مصر عما يحدث في تونس، إذْ قابلت حكومة الثورة التونسية سعي الحركات السلفية إلى تقويض الدّيمقراطية الوليدة، بالتقاعس عن مجابهتها بقوّة الدولة، وبعُلوية القانون وسيادته الضامنة للتعايش الاجتماعيّ السلميّ، واكتفت من ذلك بالتحذير على حدّ ما صرّح به الرئيس التونسي المؤقّت المنصف المرزوقي لصحيفة Le point الفرنسية في قوله "إنه بإمكانهم التسبب في مشاكل على المدى القصير. ويمكن أن يكوّنوا ميليشيا، لكن لا يمكن لهم أن يهدّدوا جمهوريتنا وديمقراطيتنا. لقد قابلتُ زعماء السلفية، وحذرتُهم، إذا استعملوا العنف، فإنّ الجمهورية ستدافع عن نفسها"، وهو تحذير يوازي تحذير رئيس الحكومة حمادي الجبالي في قوله للقناة الوطنية الأولى "إن الحكومة لن تسكت على العنف والاعتداءات التي تمارسها بعض التيارات السلفية المتشددة". 

وبين هذين التحذيريْن الناعميْن، أعلن سيف الله بن حسين "أبو عياض" زعيم حركة أنصار الشريعة، وهي حركة سلفيّة ظهرت في تونس بعد 14 يناير، في حشد جماهيري كبير بمدينة القيروان، على سعيه إلى تأسيس "تونس جديدة" يحتكم فيها الناس إلى مآثر السلف الصالح في التعليم والسياسة والسياحة والاقتصاد. وأضاف هذا الزعيم السلفي قوله "إننا لن نتصادم مع حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس"، مبرِّرًا ذلك بكونها حركة إسلامية. 

وبين التحالف بين الإخوان والسلفيين في مصر لكتابة دستور دينيّ ودعم مرسي للفوز بالرئاسة الدّينية، والتحذير الناعم من حكومة الثورة في تونس للحركات السلفية، وعزم زعماء هذه الأخيرة على عدم التصادم مع حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم، تعدّدت انتهاكات تلك الحركات الدّينية السلفية لحرمات المواطن المدنية منها والعقائدية. إذْ في الوقت الذي اكتفى فيه سلفيّو مصر بممارسة العنف السياسيّ من خلال ما يظهر لهم من ضغطٍ "برلماني" على جماعة الإخوان للدفع بهم إلى تبنّي أفكارهم في نوعية السياسات الشرعيّة لمصر، شهدت تونس موجات من العنف الماديّ الذي ذهب ضحيّته كثير من المواطنين، وطال التخريب فيها عديد المؤسّسات الحكومية والخاصة.

واستنادا إلى ما تقدّم نخلص إلى طرح سؤاليْن: ألا يشي التحالف الخفيّ بين الأحزاب الدّينية التي توصف بالمعتدِلة "الإخوان في مصر، وحركة النهضة في تونس" مع التيارات الدّينية السلفيّة بظهور انتكاسةٍ كبرى في المطالب التي نادت بها الجماهير في ثورتي تونس ومصر وخاصة منها مطلبيْ الحرية والدّيمقراطية؟ ثم ألا يمثّل التساهل في التعاطي مع العنف السياسيّ والماديّ الذي تمارسه الحركات السلفية تشجيعًا لها على التحوّل إلى غول يُخيف الناس ويأكل ثوراتهم؟. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

269,059