محمد شو

العالم بين يديك

د. فوزية رشيد

إذا كان المراقبون والمحللون المنصفون داخل وخارج البحرين، يتفقون على أن البحرين في ظل عهد جلالة الملك الإصلاحي والديمقراطي، وفي ظل التطورات والإنجازات المختلفة، ليس فيها ما يستدعي الدخول في أي أزمة أصلا، لأن الأسس المنطقية والموضوعية وعناصرها الحقيقية، وليست بالطبع المفتعلة، هي غير موجودة بل مفتقدة في المشهد البحريني، فإن الجماعات التي دخلت على الخط الإصلاحي باسم المعارضة، وحدها لا ترى أي صحة في مثل هذا التحليل، بل هي ترى العكس تماما، بأنه لم يتحقق شيء حقيقي في البحرين، ولا توجد منجزات أو تطورات أو ديمقراطية أو إصلاح أو حريات، ولا تكتفي بذلك بل هي تعمل وفق تحركات إقليمية وعربية ودولية على تسويق أبشع صورة بالإمكان تخيلها عن أوضاع البحرين، وعن القيادة السياسية وعن النظام السياسي بشكل عام، ومرة أخرى لا تكتفي بذلك، بل هي تعمل على لي ذراع السلطة ومقايضتها عبر العنف والإرهاب، ولا تكتفي بذلك أيضا، بل تدخل في علاقات مشبوهة مع السفارات الأجنبية والإقليمية، وتعمل على التدخل الأجنبي، بعد اعتمادها على الدعم والتمويل والتدريب من الجهات الخارجية، ولا تكتفي بذلك أيضا، وإنما تعمل ليل نهار لقلب الطاولة على الشعب البحريني وحياته من خلال الكذب والفبركة والمبالغة وتسويق "المظلومية العابرة القارات" وإلقاء التهم الجزاف على الدولة وعلى المكونات الأخرى، من أصل ما تفعله هي وتمارسه وتحاول فرضه بديكتاتورية واستبدادية، لا مثيل لهما في قواميس أي معارضة في أي مكان في العالم وعلى الإطلاق.

إذًن حقيقة الأزمة في البحرين هي أن هناك جماعات تعمل من الداخل وأخرى من الخارج، وتحت مسمى المعارضة لديها أزمة خاصة مع نفسها ومع الوطن، وبالتالي فقد عملت ولا تزال تعمل على إسقاط أزمتها الخاصة على الجميع، فهي لا يعجبها أي شيء، وترى أن كل شيء في البحرين مزيف وشكلي، وترى الديمقراطية الحقيقية في أن يتنحى النظام السياسي لتستولي هي على السلطة، وأن يتنحى جميع المكونات الأخرى لتتيح لطائفة واحدة حرية العمل والتحرك والانقضاض، وأن يتنحى الوطن من وجوده وهويته وانتمائه وعمقه الخليجي، ليترك المساحة مفتوحة للتبعية المطلقة لاحقا للجار الإيراني ذي الأطماع التاريخية، وأن تتنحى كل الرؤى والمشاريع السياسية المدنية والديمقراطية والإصلاحية، لكي يحل مكانها "مشروع ولاية الفقيه" وأن يرحل الجميع نظاما وأهل سنة ومكونات أخرى من البلاد، كما رفعوا الشعارات في ذلك في الدوار العام الماضي، ولا يزال يتردد صداه في مسيراتهم الليلية حتى اليوم وكل يوم!!

حينها فقط سيرضى هؤلاء وسيعجبهم الوضع في البحرين، وحينها ستكون البحرين واحة الديمقراطية التي يريدون، وسيتحقق الإصلاح الذي يشتهون، فأين المنطق في كل ذلك؟ المنطق موجود في رؤوسهم وحدها فقط، وحلم نسف النظام والحياة البحرينية لإحلال نظام الولي الفقيه في النهاية موجود في رؤوسهم وحدها أيضا.

وفي إطار مثل هذا الطرح وهذه الرؤى وهذه الأحلام أو الأوهام، هم يفعلون كل ما يفعلون منذ بداية المشروع الإصلاحي، ويسعون بكل جهد إلى تدمير المنجزات حتى تسود حالة من الفوضى وانعدام الأمن واللااستقرار، واليوم العنف والإرهاب، لأن مثل هذه الأجواء التأزيمية هي التي تقربهم في نظرهم من تحقيق أحلامهم الطوباوية وعلى وقع ترسيخ "الديمقراطية الفوضوية".

إذن مع جماعات كهذه تتستر بغطاء المعارضة، وبعد أن انكشفت الأغطية والأقنعة والسواتر والخفايا، وإذا أردنا وضع النقاط على الحروف، فإننا سنجد أنفسنا أمام "عصابات سياسية وأخرى ميدانية"، مهمتها إحداث التأزيم بشكل متعمد ومتواصل، تعيد المحاولة بعد الأخرى منذ انقلاب الثمانينات وعنف التسعينات، والانقلاب المستتر على مشروع جلالة الملك الإصلاحي وصولا إلى إدخال البحرين في أزمة فبراير 2011، ومواصلة التأزيم حتى اللحظة، وفي هذا لا يهمنا "الفوارق التكتيكية" بين الجمعيات المختلفة أو بين اتجاهات الرأي إن وجدت في إحدى الجمعيات كالوفاق، لأن الهدف الذي تعمل عليه قيادات تلك العصابات السياسية هو هدف واحد، وذو لون واحد، رأيناه بأم العين في أحداث السنة الماضية وهذه السنة، وحيث كل تحركاتها لا تزال تدور في إطار "صناعة الأزمات" الواحدة بعد الأخرى، والعمل على نسج خيوطها وعواملها الداخلية، وفي إطار أجندة يجمع أصحابَها "الحالة الولائية لقاسم أو للمرجعيات الخارجية" ومن خلال خلايا تتحرك على المستويات الإعلامية والحقوقية والسياسية كافة، فيما هي ترتكب كل أشكال المخالفات والجنايات بل الجرائم، وحادثة "الظفيري" رحمه الله، خير دليل أخير على ما تحدثه هذه العصابات في بلدنا وفي شعبنا.

مع هؤلاء لن يغير الحوار أي شيء، لأن الحوار من المفترض أن يجمع بين القوى الوطنية، وإن اختلفت آراؤها أو تطلعاتها بحيث يكون الولاء للوطن شيئا بدهيا، وهذا في رأينا ورأي غالبية الشعب البحريني ما تفتقده هذه الجماعات التي تسمي نفسها المعارضة، وحسب برهان الوقائع والسلوكات والممارسات.

لذلك فإن أي حوار لن يجدي طالما "الوفاق" التي على رأس تلك الجماعات لا تستطيع حتى لو أرادت تغيير نهجها ومواقفها وانتماءاتها أو التخلي عن الارتباط بمرجعياتها أو الارتباط بالقوى الإقليمية والدولية، التي تعتمد على إسنادها ودعمها، وخاصة أن ما تعيشه البحرين ويعيشه شعبها بمكوناته كافة ويعيشه النظام السياسي بمجمله هو "انعكاس أزمة هذه الجماعات" عليها، في ظل الطموحات "السلطوية" والأوهام، وإن رفعت شعارات المطالب السياسية والإصلاحية، التي كان بإمكانها أن تُناقَش "بفتح القاف" عبر المؤسسات الدستورية ومنها المجلس الوطني، ويتوافق عليها الشعب، حالها حال كل الرؤى من أي جمعية سياسية أو جمعيات في أي بلد ديمقراطي في العالم سواء المتقدم أو النامي... <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,748