محمد السهلي
الحرية: احتلت تلة الأولبانة وحيّها الاستيطاني مكان الصدارة في عناوين الجدل داخل الليكود والائتلاف الحكومي وفي الكنيست أيضا. فمنذ قرار المحكمة الإسرائيلية العليا هدم خمسة منازل من هذا الحي أشعلت معركة تبارت فيها الأطراف "المتصارعة" فيمن يعد نفسه الحريص الأول على مستقبل الاستيطان في الضفة الفلسطينية.
وفي كل ميادين الصراع هذه كانت أوساط المستوطنين فاعلا رئيسيا وقد حذرت من تنفيذ قرار الإخلاء. وخرج المستوطنون في تظاهرة في مستوطنة بيت إيل المجاورة للحي رافعين شعار "لننقذ حي الأولبانة" وقد أحضروا "عدة" العصيان على مشارف الحي الاستيطاني، مذكرين بما حصل عند إخلاء بؤرة عمونة في العام 2006 عندما وقعت اشتباكات بين مستوطنين ورجال الشرطة أصيب خلالها نحو 400 من الطرفين.
وعلى الرغم من أن المتابعين رأوا في سقوط "قانون التسوية" عند التصويت عليه في الكنيست قد سجل لصالح نتنياهو إلا أنهم في الوقت نفسه وجدوا في التجاذبات الحاصلة بشأن الحي مؤشرات تستحق الوقوف عندها.
فعلى الرغم من أن المواقف الإسرائيلية قد انقسمت ما بين مؤيد للحل الذي طرحه نتنياهو بنقل أسر المستوطنين المعنية منازلهم بالهدم وبين مؤيد لقانون التسوية الذي يفرض على صاحب الأرض الفلسطيني تعويضا إجباريا يتخلى بموجبه عن حقه فيها، على الرغم من ذلك فإن جميع المواقف الإسرائيلية شكلت جبهة واحدة اتحدت حول الموقف من الاستيطان واعتباره شأنا إسرائيليا داخليا يحل الخلاف حول جزئياته داخل مؤسسات الدولة العبرية بعيدا عن المتضرر الوحيد والأساسي صاحب الأرض التي نهبت.
وقد وجد بنيامين نتنياهو فرصته مع اشتعال التجاذبات حول حي الأولبانة فبنى موقفه من هذا الموضوع بتوجيه رسالة مزدوجة العناوين:
فقد أرفق موقفه المؤيد لقرار المحكمة بتفصيل إضافي يرفض فيه هدم المنازل الخمسة ويصر على نقلها مع مستوطنيها إلى مكان مجاور للحي في تعبير واضح على حرصه على عدم المس ببنية الاستيطان، وقد طمأن المستوطنين جميعا بأن قرار المحكمة لن يمس لاحقا الاستيطان، ووعد ببناء عشر وحدات استيطانية مقابل كل وحدة يتم إخلاؤها. وقد حصلت على موافقة المستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشطاين على بناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة بيت إيل على اعتبار أن عدد الوحدات الاستيطانية في حي الأولبانة 30 وحدة.
وهي رسالته إلى المجتمع الدولي مفادها أن بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء ولليكود الحاكم هو من يملك القدرة على ضبط المنفلتين بشأن الاستيطان من داخل حزبه وخارجه. وأنه من أجل ذلك خاض معركة داخلية شرسة لضبط هؤلاء وكان من بينهم رئيس كتلة الليكود في البرلمان وعدد واسع من الوزراء.
لكن الأمور لا يبدو أنها ستقف عند هذا الحد حيث من المتوقع أن تنشب مواجهات على الأرض إثر قرار الكنيست الرافض لقانون التسوية وقد صوت لصالحه عدد لا يستهان به من نواب الائتلاف الحاكم، وهذا يعني أن خريطة المواقف التي تقف ضد نتنياهو ستتسع مع مرور الوقت وخاصة من قبل المتضررين من توسيع الحكومة والائتلاف مع دخول حزب كاديما. كما أن أصوات المعترضين من داخل حزب الليكود تتسع أيضا وخاصة مع تزايد نسبة المستوطنين في عضويته خلال الفترة الأخيرة. وهو ما قد يؤشر إلى أن المعركة لم تنته داخل الكنيست وبأنه من المبكر جدا أن يحتفل نتنياهو بانتصاره على خصومه وقد تشهد حكومته استقالات لوزراء أو نواب وزراء احتجاجا على التهديد الذي وجهه نتنياهو لهم في حال وقفوا إلى جانب قانون التسوية في الكنيست.
وإذا كانت الأمور حول تفاعلات ما يجري في حي الأولبانة ستتضح مع مرور الوقت، إلا أن نتنياهو يسعى إلى توضيح موقفه داخل الحكومة وفي اجتماعاته المتكررة مع كتلة حزبه في الكنيست وإقناعه بأن ما يقوم يصب مباشرة في خدمة الاستيطان ومستقبله، وأن موافقته على نقل المستوطنين إلى مكان آخر إنما يهدف في الأساس إلى إغلاق باب الانتقادات الدولية بشأن الاستيطان وخاصة أن الأمر يتعلق بقرار من محكمة إسرائيلية. وقد لوح أمامهم بأن رفض قرار المحكمة ربما يفتح عليهم باب المسائلة الدولية في لاهاي "!".
ويهدف نتنياهو في سياسته نحو الاستيطان إلى تعزيز شبكته الأساسية وتنظيمها في سياق التصور الإسرائيلي الاستراتيجي لمسألة التسوية مع الفلسطينيين بحيث يتجاوز هوامش الاستيطان من زاوية إلحاقه بالكتل الأساسية التي ينوي ضمها إلى إسرائيل وفق هذا التصور. لكن الأهم بما جرى أنه أوحى أن زوبعة سياسية قد حصلت في إسرائيل من أجل مستقبل خمسة مبان استيطانية على مشارف رام الله، فكيف سيكون الأمر إذا ما تعلق الأمر ببنية الاستيطان جميعها في القدس وسائر أنحاء الضفة الفلسطينية وهي رسالة في الوقت نفسه إلى المفاوض الفلسطيني يريه من خلالها كم هي معقدة مسألة الاستيطان حتى بالنسبة لحكومة قوية وموسعة مثل حكومته.
وليس صدفة أنه في هذا التوقيت في الذات أن ينبري وزير الدفاع إيهود باراك لإحياء المشروع الإسرائيلي القديم الذي كان قد أطلقه رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون ويقضي بالحل السياسي من طرف واحد، أي أن تقوم إسرائيل بالانسحاب دون تسوية سياسية من مناطق لا تود البقاء فيها داخل الضفة الفلسطينية وضم الكتل الاستيطانية وتكريس ولايتها على المناطق التي ترى أنها ضرورية لخدمة اعتباراتها السياسية والأمنية. مع الإشارة إلى أن إيهود باراك يرغب بأن يتصدر المشهد السياسي بشأن التسوية، في وقت ينافسه على ذلك شاؤول موفاز الوافد الجديد إلى الائتلاف الحاكم على رأس حزبه كاديما.
حسابات كثيرة تتم داخل المشهد الحزبي السياسي في إسرائيل، ويبدو أن الذين قدروا أن توسيع حكومة نتنياهو قد ضمنت لها طول العمر قد بالغوا في تقديرهم. فكثير من الأحزاب من داخل الائتلاف وخارجه ومعهم مسؤولون من داخل الليكود يجدون في تفاعلات ما جرى ويجري في حي الأولبانة مناخا مناسبا لإطلاق مزايداتهم السياسية بشأن مستقبل الاستيطان والحل السياسي مع الفلسطينيين مستثمرين تهديدات المستوطنين كعامل انتخابي يزداد وزنه مع مرور الوقت ويمكن أن يشكل حتى من داخل الأحزاب تغييرات في هيئاتها القيادية ربما يصل تأثيرها إلى رأس الهرم وهو شيء لا يبدو أن بنيامين نتنياهو يحسب له حسابا جديا وهو في غمرة النشوة بانتصارات حققها بسبب غياب المنافسين الأقوياء.
<!--EndFragment-->
نشرت فى 13 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
276,748
ساحة النقاش