رغم أن غوغل أصبح محرك البحث الأقوى بين المنافسين مثل ياهو وبينج وتلاشى من بقي من منافسيه أو خبا نجمهم، إلا أن العام 2012 شهد إطلاق عدد من محركات البحث الجديدة، فمنها من خيب التوقعات وعدد قليل بينها تمكن من الصمود.
توجه بعض الانتقادات لشركة غوغل بسبب تحكمها في عرض نتائج البحث واحتفاظها بمعلومات عن مستخدمي محرك البحث. فمثلا، عملية البحث التي تجريها ستظهر نتائج مختلفة مع تلك التي يجريها غيرك، وستجدها مختلفة تماما وتستند إلى خوارزمية قام غوغل بتفصيلها حسب تتبعه لعمليات البحث السابقة التي تجريها.
وهكذا أصبح غوغل يختار لك نتائج البحث استنادا لتاريخ عمليات البحث التي أجريتها والوصلات التي وقع اختيارك عليها، ويقدم لك معلومات وفقا لسجل اهتماماتك السابقة على الإنترنت مع إهمال كامل لما قد تحتاج لسماعه إن سبق لك إهماله من قبل.
وقد تصح تماما مقولة "أنت في صفحة غوغل الأولى، إذا فأنت موجود".
ويراد بكلمة "أنت" هنا أي شركة أو شخص أو موضوع بل كل شيء.
كما أن غوغل يحتفظ بمعلومات كثيرة عن مستخدميه وتهدد هذه الخصوصية عند استخدام محرك البحث وبالتالي فإن وجود المنافسة الحيوية في سوق محركات البحث هو أمر مفيد جدا.
شهد شهر فبراير الماضي، وبعد عمليات تطوير دامت أربع سنوات إطلاق محرك بحث يختلف عما سبقه ليحاول منافسة كل من غوغل وياهو.
وأطلق محرك بحث فولونيا مع شبكة تلاقي اجتماعي ضمن واجهة الخدمة، ليتيح لك التفاعل مع من يزور نفس المواقع التي تزورها أو يبحث عن ذات الموضوع معك أو مشاركة أصحابك الواردين في البريد الإلكتروني لديك في أنشطتك على الإنترنت. علّق مارتشيوري خلال إطلاق الخدمة بالقول: " إن الويب مجال حي، فيه معلومات ولكن فيه أيضا بشر، وأصبح العامل الاجتماعي بارزا لكن يجب أن ينطلق بقوة أكبر".
ماسيمو مارتشيوري، وهو مهندس وبروفسور علوم الكمبيوتر الإيطالي والذي شارك في تطوير غوغل نفسه، حاول وفشل مؤخرا بعد فصله من شركة محرك البحث فولونيا ، ضحى مارتشيوري بوظيفة مرموقة في أهم جامعة في العالم في الولايات المتحدة ليتفرغ لتطوير محرك البحث المذكورvolunia.com . وفي شهر مايو أعلن الموقع أنه سيبدأ بالاعتماد على محرك بينغ، وفي أول يونيو أعلن مارتشيوري أحد مؤسسي محرك البحث أنه جرى فصله من الشركة ليثير شكوكا في مستقبل محرك البحث فولونيا. لكن نهاية فلونيا وإن اقتربت لا تعني توقف إطلاق محركات بحث جديدة تنافس غوغل.
بارقة الأمل
فقد بدأت ومنذ شهور قليلة، محركات بحث جديدة في جذب متصفحي الإنترنت وكسب شعبية معقولة، تقدم بعض هذه مزايا تجذب الكثيرين مثل حماية الخصوصية والعمل بشفافية مثل كشف عدد الزوار اليومي لمحرك البحث، ويبدو أن هناك حياة على الإنترنت بدون غوغل، ويبدو إن لهذه المحركات فرصة في تهديد هيمنة غوغل أو على الأقل الاستحواذ على شريحة خاصة بها من متصفحي الإنترنت. وزادت شعبية محركات بحث الإنترنت عقب إجراء غوغل تعديلات كبيرة على خدمة البحث لديها في شهر فبراير الماضي، مثل تضمين نتائج البحث بنشاط المستخدم على الإنترنت مثل ما يتبادله على موقع غوغل بلاس Google+ والبريد الإلكتروني.
تزامن ذلك مع زيادة شعبية خدمات البحث المبسط على الإنترنت لشركات بحث جديدة مثل بليكو Blekko ودوك دوك غو DuckDuckGo، ورغم أن بضعة ملايين من مستخدمي هذين الموقعين لا يمثلون تهديدا كبيرا لغوغل إلا أن ذلك يثبت لممولي هذه الخدمات أنها مجدية. وأثبتت هذه الخدمات أن التصميم البسيط والالتزام بالمحافظة على خصوصية المستخدمين هي جوانب هامة يزعم كثيرون أن شركة غوغل تخلت عنها في جهودها على الشبكات الاجتماعية.
يشير غابرييل وينبرغ مؤسس شركة محرك البحث DuckDuckGo، وهو يدعم البحث باللغة العربية بصورة جيدة، إلى أنه هناك فرصة لعدد من محركات البحث على الإنترنت لتوسيع السوق قليلا ويمثل ذلك فرصة كبيرة، وكما حدث مع برامج تصفح الإنترنت، لم يكن هناك خيارات أخرى ثم توسعت السوق" وتوظف الشركة المذكورة 4 موظفين وتلقت استثمارات بلغت 3 ملايين دولار في العام الماضي. وزاد عدد زوار محرك البحث DuckDuckGo باطراد من أول العام الجاري ومن نصف مليون عملية بحث يومية تقريبا إلى أكثر من مليون ونصف عملية بحث يومية كانت الزيادة بقرابة ثلاثة أضعاف.
أما محرك بليكو Blekko (لا يدعم العربية بتاتا) فقد أطلق عام 2010 وأصبح لديه اليوم 42 موظفا مع مبالغ من استثمارات وتمويل تم ضخها فيه بحدود 50 مليون دولار. وبحسب خدمة قياس عدد الزوار كومبيت فإن محرك البحث المذكور يشهد صعودا كبيرا في عدد مستخدميه منذ مطلع العام وحتى اليوم حيث أصبح عدد زواره قرابة مليونين ونصف شهريا. ويمكن مقارنته مع عدد زوار محرك وولفرام ألفا والذي يلقب بمحرك بحث المعرفة والذي يقل عدد زواره عن نصف مليون شهريا، فيما يصل عدد زوار دوك وك غو إلى قرابة ربع مليون زائر شهريا. لا تساوي هذه الأرقام أي شيء أمام 161 مليون لغوغل شهريا، وحوالي 122 مليون لبنج.
ولكن كلما نشر في الإعلام عن تعديلات في عمليات البحث لدى غوغل كلما ارتفع زوار محركات البحث الأخرى.
كما ساهم إعلان غوغل عن سياسته حول خصوصية مستخدميه في زيادة عدد زوار محركات البحث الأخرى في شهر فبراير الماضي. حيث تلتزم هذه المحركات بعدم تعديل نتائج البحث بل تقديم نتائج موحدة لا تخضع للتخصيص لكل شخص. ومثلا، يقوم محرك البحث بليكو بإغفال هوية مستخدمي بيانات البحث خدمة البحث خلال 48 ساعة، بينما يحتفظ غوغل بها لمدى 18 شهرا، ولا يحتفظ موقع دوك دوك غو بمعلومات مثل عنوان الإنترنت ( أي بي أدريس) لمستخدميه.
تتشابه تقنية البحث لدى بليكو مع تلك في غوغل رغم أنها تعمل على نطاق أصغر، فلدى الشركة 1500 جهاز خادم تعمل على مدار الساعة للبحث على الويب وتصنيف المواقع فيها لتقدم النتائج للمستخدمين.
وتجهد الشركة لإقصاء الصفحات الدعائية التي صممت لخداع برمجيات تصنيف المواقع بوضع عبارات يبحث عنها متصفحو الإنترنت مثل مواضيع الصحة والسفر، وذلك بعون المستخدمين أنفسهم حين يبلغون عن وجود مثل هذه الصفحات في نتائج البحث. أما محرك البحث DuckDuckGo، فلا يجمع سوى القليل من البيانات الخاصة به، ويقوم بتجميع نتائج كل من ياهو وويكيبيديا وولفرام ألفا مع قليل من عمليات سبر الويب. ويشير مارك بالارد خبير تسويق وإعلانات على الإنترنت أن محركات البحث التي تبدأ من قاعدة مستخدمين صغيرة يمكنها تحقيق نمو كبير بسرعة كما تثبت هذه المحركات أنه يمكن جذب مستخدمي خدمة غوغل من خلال تقديم خدمة مناسبة لهم، بعد تخلي غوغل عن البساطة والشفافية وحماية الخصوصية.
وبدأ محركي البحث بليكو ودوك دوك غو بإظهار إعلانات إلى جانب نتائج البحث لكن أي منهما لمي تمكن من تحقيق أرباح حتى الآن، لكن الإعلانات التي تباع لعرضها مع نتائج بحث معينة هي إعلانات مجزية حتى أن جزء صغيرا من سوق البحث على الإنترنت يمثل مئات الملايين من الدولارات ، وفي حال تمكنت شركات محركات البحث الصغيرة من تخفيض نفقاتها مع تقديم نتائج ذات جودة عالية وعرض النتائج بسرعة فلا يلزمها منافسة غوغل أو بينغ لكي تحقق نشاطا تجاريا مستديما.
محرك بحث للمدن الذكية يبدو أن محركات البحث لن تبقى مقتصرة على صفحات الويب بل ستغطي أجهزة التقاط أخرى متصلة بالإنترنت مثل أجهزة الالتقاط والمجسات الخاصة بحسب بي بي سي. إذ يجري تطوير محرك بحث للأجهزة المتصلة بالإنترنت لتقديم معطيات مفيدة لسكان المدن الكبيرة. ويتوقع أن تقوم شبكة من أجهزة الالتقاط sensors بالمساهمة في المدن الذكية مستقبلا.
ويجري باحثون في جامعة غلاسكو أبحاثا لتطوير محرك بحث للمدن يمكنه الاستفسار من أجهزة الالتقاط للإجابة على استفسارات مثل مدى ازدحام وسط المدينة في وقت محدد. ويمكن لأجهزة الالتقاط المعلقة على إشارات المرور وأعمدة الإنارة والمواقع الأخرى في المدينة أن تصبح اساس عمل المدن الذكية.
ستولد هذه الأجهزة كما هائلا من البيانات التي يمكن استخلاص معلومات مفيدة منها لتحسين الحياة في المدينة.
وتهدف الأبحاث لاختبار محرك بحث في مدينة حقيقية خلال عامين ضمن مشروع ممول أوروبيا تحت عنوان سمارت وهي اختصار لعبارة محرك بحث لمحتوى الوسائط المتعددة الذي تولده البيئة. يهدف المشروع لتوليد نظام يتقبل عمليات بحث وتحليل لبيانات ومعطيات أجهزة الالتقاط.
وسيجيب محرك البحث عن الاستفسارات من خلال القيام تلقائيا بتحديد الكاميرات ومايكروفونات الصوت و أجهزة الالتقاط الأخرى التي يمكنها المساهمة بالإجابة على الاستفسار، مثل درجة الرطوبة والضباب ودرجة تلوث الهواء والازدحام وما إلى ذلك من معلومات مفيدة.
فرص كبيرة لمحركات بحث إنترنت جديدة
تمثل عيوب غوغل فرصة كبيرة للمنافسة وما يقوم به غوغل من عمل فلاتر على الإنترنت يؤدي إلى تجميع معلومات عن المستخدمين.
يؤدي ذلك إلى إلغاء كل النتائج والأخبار الهامة الأخرى بحسب خوارزميات غوغل التي تعتمد تلك الفلاتر، أو قد تقوم هذه برقابة تحجب فيها نتائج محددة بحسب مصالح الشركة، وفلاتر غوغل هذه التي يستخدمها لسبر مواقع والإنترنت ومحتواها تهدد باختفاء كل شيء لم يسبق لك الاهتمام به سواء كان موضوعات صحية أو توجهات سياسية أو دينية مختلفة، فلا تظهر هذا أبدا، أي أنه يضعك في فقاعة خاصة بك.
وما لا يظهر في أول صفحة نتائج للبحث في غوغل أصبح يعتبر غير موجود، أي أن كل شيء يصبح عرضة للإهمال ما لم يظهر في أول صفحة لنتائج محرك البحث غوغل، وبالتالي أصبح غوغل مسيطرا على المعرفة والأخبار وكل المعلومات الهامة. بل يمكن التلاعب بنتائج غوغل وترتيبها لأغراض سياسية.
لم تفلح أي شركة في إطلاق محرك بحث عربي ناجح حتى الآن رغم أن الاستثمار في هذا المجال يعد مجزيا وبالغ الأهمية، إلا أنه استثمار طويل الأجل ويستدعي نفسا طويلا في التمويل والتطوير والاستثمار ببنية تحتية قوية، وهو ما تفتقر إليه الاستثمارات العربية ورجال الأعمال العرب القائمين عليها ومعظمهم يسعى وراء أرباح سريعة ومضمونة في مشاريع قريبة الأجل.
ويستدعي تطوير محرك بحث عربي عوامل عديدة مثل جهود تطوير خوارزميات البحث وتأمين أجهزة الخادم فضلا عن الاتصالات السريعة بالإنترنت، إلى جانب العناصر الأخرى من التسويق وتأمين التمويل المطلوب. وستبقى شركات التقنية الغربية مثل غوغل وبينغ وغيرها مهيمنة على سوق البحث على الإنترنت العربية بلا منازع بالرغم من خدماتها الرديئة باللغة العربية.
فحتى غوغل لا يقدم دقة في البحث عن عبارة تتجاوز ثلاثة كلمات عربية بينما يتيح البحث الدقيق عن عبارة استفسار من 16 كلمة إنكليزية، على سبيل المثال.
وتضيع بذلك فرصة كبيرة أمام مستخدمي تقنية الإنترنت العرب في الحصول على خدمات عربية أصيلة في تأمين المحتوى اللائق باللغة العربية فيما تنال اللغات الأخرى مثل الصينية والروسية وغيرها محركات بحث بلغة أصيلة من تطوير محلي هناك.
فلم نعد نسمع بإطلاق أي محرك بحث عربي يعتمد منهجية ثابتة في عمليات تطوير الخوارزميات المتطورة والتي تشهدها محركات البحث الأخرى على الإنترنت، لكن الأمل معقود على أن يتغير الحال وتعود الروح لجهود تطوير محرك بحث بالعربية على مستوى استراتيجي، فهل يلتفت المستثمرون العرب لهذه الفجوة الهائلة في السوق؟
ساحة النقاش