عمرو محمد
من جديد عادت ظاهرة توحد المصريين في الميادين المختلفة بالمحافظات، على إثر اتفاقهم في الدفاع عن الثورة والإسراع في تحقيق مطالبها، وذلك منذ صدور الأحكام القضائية بحق الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته و6 من كبار مساعديه، وهي الأحكام التي لا تزال تثير ردود فعل غاضبة في أوساط الرأي العام والحراك الثوري.
الصورة التي بدت عليها القوى السياسية على مختلف أطيافها في ميادين المحافظات، والتي أصبحت تعرف بـ"ميادين التحرير" نسبة إلى الميدان الأشهر بقلب العاصمة، والذي كان القلب النابض للثورة، يعيد إلى الأذهان ذلك الحضور اللافت للمصريين في أيام الثورة الأولى، والذي شهدته الميادين المختلفة وكان شعارهم الأبرز "إيد واحدة"، ورفع مطالبات اتفقوا عليها جميعهم.
وطوال الأيام الماضية، ومع التظاهرات المليونية في الميادين المختلفة، وأبزرها "التحرير" بالقاهرة و"القائد إبراهيم" بالإسكندرية و"الأربعين" بالسويس، ظهر تلاحم واضح بين جموع المشاركين في الاتفاق على أهداف الثورة ومطالبها وروحها الواحدة، للدرجة التي جعلت كثيرا من المشاركين حال نشوب نقاش سياسي وخلافات حوله، يطلقون الشعار الأشهر وهو "إيد واحدة" ليستعيد الجميع مضمون هذا الشعار بالالتئام مرة أخرى، وتناسي خلافاتهم، والتي أصبحت تذوب في مطالب المتظاهرين بضرورة تطهير مؤسسة القضاء وإعادة محاكمة رموز النظام السابق، وتطبيق القانون المعروف بـ"العزل" على أركان النظام المخلوع، وفي مقدمتهم المرشح الرئاسي أحمد شفيق، وذلك قبل انطلاق جولة الإعادة بانتخابات مصر الرئاسية، المقرر لها يوما 16 و17 من الشهر الجاري، علاوة على مطالبتهم بعودة الجيش إلى ثكناته بنهاية الشهر الجاري، وفق ما قطعه رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي وأعضاؤه على أنفسهم أكثر من مرة.
ومع اتفاق جموع المحتشدين على المطالب السابقة، فقد ذابت فيما بينهم خلافاتهم التي ظهرت فيما بينهم طوال المرحلة الانتقالية، وهي الخلافات التي استنزفت منهم وقتًا طويلا، فكانت سببًا في إطالة المرحلة وتعطل تحقيق جانب مهم من مساراتها، بجانب عوامل أخرى ساهمت في الشيء نفسه.
توحد القوى السياسية المصرية المختلفة منذ صدور الأحكام القضائية بشأن قضية مبارك وبقية المتهمين عكست عدة معان، بأن هذه القوى قادرة على أن تستعيد أجواء الثورة، وروح ميدان التحرير التي سادت بينهم طوال الأيام الثمانية عشر للثورة، وأنها قادرة على التوافق فيما بينها لإنجاز التحدي الأبرز بالنسبة لها حاليا وهو صياغة الدستور، والاتفاق قبله على معايير تشكيل جمعية التأسيسية، والذي تحقق لها ذلك بفضل الله أولا ثم إيثار حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، والتي آثرت القوى والأحزاب الأخرى على ذاتها، لتقدم بذلك أنموذجًا فريدًا من الإيثار والعلم الوطني، وسط رغبات ومشاحنات وذاتية من جانب قوى أخرى.
يأتي هذا الاتفاق، في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن القضية الأهم وهي المعنية بوضع الدستور، والتي توصف بأنها المهمة الأكبر والأخطر من الاستحقاق الرئاسي، في الوقت الذي أعلنت قوى علمانية وليبرالية خوضها معركة حياة أو موت دفاعًا عن الدولة العلمانية وتعزيز الدولة العميقة التي يتم فيها تجنيب الدين عن السياسة، على النحو الذي ينادي به المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية د. محمد البرادعي، بأن "معركتنا القادمة هي الدستور، وهي أهم من الانتخابات الرئاسية".
غير أن هناك من ينظر بعين التأمل في أن يستثمر المصريون الروح التي استعادوها في "ميادين التحرير" لإنجاز مهمة الدستور، واستثمار الرغبة الجارفة من المصريين في التوق للدين والعمل به، وليصبح الدستور الجديد معبرًا عن أجواء ثورة 25 يناير وصادرًا من رحمها، فيصبح عاملا على تحقيق أهدافها، خاصة وأن المصريين على وقع تولى زمام أمور بلادهم بأنفسهم، بعد رحيل المجلس العسكري بنهاية الشهر الجاري، وتسليم شؤون البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة، الأمر الذي يضع المصريين تجاه مسئولية جسيمة بضرورة تنحي خلافاتهم، وأن يستعيد دائمًا "وحدة الميادين" لتحقيق أهداف الثورة، وهو ما يستدعي إرادة ليست بغريبة على من أبهروا العالم بثورتهم. <!--EndFragment-->
نشرت فى 13 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,985
ساحة النقاش