محمد شو

العالم بين يديك

فتحي الحبّوبي:

في ظل ارتفاع المديونيّة وانخفاض الموارد، وتفاقم عجز الميزان التجاري، مع نسبة بطالة فاقت اليوم 18% من القوى النشيطة، حسب آخر الإحصاءات الرسميّة، سجّل المعهد الوطني للإحصاء نسبة تضخّم فاقت 5.5 %، بالنسبة للأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة، كما سجّل التونسي وكل الدوائر الاقتصاديّة ارتفاعا مشطّا في الأسعار بلغ نسبا لم يتعوّد عليها المواطن وتسبّبت له في تدهور مقدرته الشرائيّة بشكل لافت لا يحسد عليه.

هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائيّة التي تمرّ بها تونس والتي تبعث بشكل جدّي على التخوّف من شبح الإفلاس بما يشبه الحالة اليونانيّة التي استعصى حلّها على دول الاتحاد الأوروبي بكل ثقله وأجهزته المالية والنقديّة المختلفة، لم تكن كافية لتحفّز نواب المجلس التأسيسي للتبرّع ببعض رواتبهم من أجل الزيادة في القدرة التشغيليّة للحكومة التونسيّة المؤقّتة التي أعطت المثال في هذا المضمار، وخفّضت من رواتب وزرائها. وهو إجراء معمول به في الأردن وبعض الحكومات التي تراعي المصلحة العليا لبلدانها وتقتسم مع شعوبها بعض الضنك الاقتصادي.

ولعلّ آخر الأمثلة في هذا المجال، ما قام به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من تخفيض لراتبه ولرواتب وزرائه بنسبة 30 في المائة، في إجراء رمزي يرمي إلى إحداث قطيعة فعليّة مع نهج سلفه اليميني، بعد أقلّ من 48 ساعة من تولّيه الرئاسة.

وفي حين أنّ الأجر الصناعي المضمون للعامل التونسي لا يتجاوز اليوم "246.306 د"، بالنسبة لنظام 40 ساعة عمل أسبوعيّا، فإنّ نواب المجلس الوطني التأسيسي التونسي يتقاضون راهنا راتبا شهريّا يتراوح بين "2270 دينارا" و"3600 دينار" أي ما بين حوالي 9.5 إلى 15 مرّة الأجر الأدنى المضمون. علما أنّ رئيس فرنسا، وهو رئيس ذو ثقل دولي، لا يتجاوز راتبه 15 مرّة الأجر الأدنى المضمون لبلاده. كما أنّ رئيس الحكومة البريطانيّة لا يزيد دخله عن 16 مرّة الأجر الأدنى المضمون للعامل البريطاني.

ورغم ذلك فقد سمح نواب المجلس التأسيسي لأنفسهم، في جلسة سريّة مريبة، باقتراح زيادة بحوالي 3630 دينارا في مرتّباتهم لتبلغ في المحصّلة 5900 دينار، وهو ما يعادل 24 مرّة الأجر الأدنى الصناعي المضمون!!

وهنا لا بدّ من التساؤل عمّا إذا كان النائب التونسي أكثر أهميّة من رئيس فرنسا أو رئيس حكومة بريطانيا، حتّى يسمح لنفسه براتب يفوق 9 مرّات، ما يتقاضاه فرنسوا هولاند بالقياس إلى الأجر الأدنى الصناعي المضمون لبلاده؟!!.

ومن سخريّة القدر، أن يدافع مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي عن هذه الزيادة، ويبرّر مسوّغاتها، بما لا يتماشى مع صفته كرئيس حزب ذو توجّه اشتراكي.

تحدث هذه الزيادة، التي لم يوافق عليها رئيس الحكومة، في وقت لم يعد خافيا استياء الشعب التونسي بكل فئاته ومشاربه السياسيّة عن أداء النواب فيما يتعلّق بكتابة الدستور، الذي هو أهمّ مبرّر لوجودهم بالمجلس.

أمّا ما تحدّث عنه رئيس المجلس من متابعة يوميّة لما يحدث بالجهات، فلا أظنّ أنّ نشاطاتهم ذات العلاقة، لها مردود ملموس على أرض الواقع وعلى حياة النّاس بالجهات التي انتخبتهم، لأنّهم ببساطة وصراحة شديدتين ليسوا برلمانيين، بل هم تأسيسيون، ومهمّتهم الأساسيّة هي كتابة الدستور في أسرع وقت ممكن، وليس العمل الميداني بالجهات لحلّ مشاكل النّاس. فإذا عجزت الحكومة بمختلف أجهزتها الإداريّة الكثيرة عن إيجاد حلول لقضايا مزمنة ومستعصية، فمن المستبعد، بل لعلّه من المستحيل، أن يأتي الحلّ عن طريق نائب، يفتقر لأبسط أدوات الفعل الإيجابي، وليس له سوى الكلام كبضاعة للبيع، في سوق لم يعد الكلام فيها يجدي أو يسمن من جوع.

لذلك فإنّي أدعو نوّاب الشعب أن لا يساهموا في مزيد تفقيره بإثقال كاهله بالزيادات في رواتبهم، في وقت يدّعون فيه تمثيله، وهو الفقير المفقّر من نوابه ومن حذا حذوهم على درب استغلال اللحظة الراهنة والنفوذ للمصالح الشخصيّة ليس أكثر، ثمّ يدّعون قبل وبعد ذلك الثوريّة وخدمة الشعب والصالح العام!!.

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 12 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,756